الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 220 ] فصل في بعض شروط القدوة أيضا . ( تجب ) ( متابعة الإمام في أفعال الصلاة ) دون أقوالها لخبر { إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ، فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا } ويؤخذ من قوله في أفعال الصلاة عدم متابعته في ترك فرض من فروضها لأنه إن تعمد تركه بطلت صلاته وإلا لم يعتد بفعله ( بأن يتأخر ابتداء فعله ) أي المأموم ( عن ابتدائه ) أي فعل الإمام ( ويتقدم ) انتهاء فعل الإمام ( على فراغه ) أي المأموم ( منه ) أي من فعله ، وأكمل من ذلك أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الإمام فلا يشرع حتى يصل الإمام لحقيقة المنتقل إليه .

                                                                                                                            والمتابعة قسمان : متابعة على وجه الأكملية ، وأخرى على وجه الوجوب ، فالأولى هي التي ذكرها بقوله تجب متابعة الإمام إلخ ، ويدل على ذلك قوله فإن قارنه لم يضر .

                                                                                                                            والثانية فصلها بعد ذلك ، وقد أشار لما قرره الشارح بقوله فلا يجوز التقدم عليه ولا [ ص: 221 ] التخلف عنه على ما سيأتي بيانه ، ويمكن أن يقال أيضا : قوله بأن يتأخر إلخ : أي هذا هو المطلوب منه ، ومعلوم أن المكروه ليس مأمورا به ، فإن قارن المأموم إمامه كان مرتكبا للمكروه ويكون متابعا ، كما أن المصلي مأمور بالصلاة لا في أرض مغصوبة ، فإذا أوقعها في الدار المغصوبة فقد أتى بالصلاة لا على الوجه المأمور به وهي صحيحة فتكون مسألتنا كذلك : أي فيكون متابعا وإن ارتكب المكروه ، أو يقال ما ذكره من وجوبها باعتبار الجملة وهو الحكم على المجموع من أحوال المتابعة لا حكم على كل فرد فرد ، ولا شك أن المتابعة في كلها واجبة ، والتقدم بجميعها يبطل بلا خلاف ، والحكم ثانيا بأنه لا يضر إنما ذكره للحكم من حيث الأفراد ، والحكم على الكل غير الحكم على الأفراد ، وهذا كقول الشيخ في التنبيه من السنن الطهارة ثلاثا ثلاثا ، مع أن الأولى واجبة ، وإنما أراد الحكم على الجملة من حيث هي أو يكون مراده بكونها واجبة : أي لتحصيل السنة ، وحيث أمكن الجمع ولو بوجه بعيد فهو أولى من التناقض ، واحترز بالأفعال عن الأقوال كالقراءة والتشهد فيجوز تقدمها وتأخره بها إلا تكبيرة الإحرام كما يعلم مما يأتي وإلا في السلام فيبطل تقدمه إلا أن ينوي المفارقة .

                                                                                                                            ( فإن قارنه ) في الأفعال بدليل قرينة السياق ويكون الاستثناء منقطعا وعدم المحذور في المقارنة في الأقوال يعلم حينئذ بالأولى ، ويجوز شمول كلامه أيضا للأقوال بدليل حذف المعمول المؤذن بالعموم ، والاستثناء الآتي متصل لأن الأصل فيه الاتصال ( لم يضر ) [ ص: 222 ] لكون القدوة منتظمة مع ذلك لكنها مكروهة مفوتة فضيلة الجماعة فيما قارن فيه فقط كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وقال : إنه الأقرب وقولهم المكروه لا ثواب فيه هل مرادهم به ثواب الجماعة إذا كانت الكراهة للذات كما دل عليه أمثلتهم حتى لا يسقط ثواب الصلاة بفعلها في الحمام ونحوه من أماكن النهي أم لا ؟ الأوجه أن المراد الكراهة للذات حتى يثاب على الصلاة في الأماكن المكروهة لرجوعها إلى أمر خارج عنها ، بل قالوا : إن التحقيق أنه يثاب عليها في المغصوب من جهتها ، وإن عوقب من جهة الغصب فقد يعاقب بغير حرمان الثواب أو بحرمان بعضه ، وأن القول بأنه لا يثاب عليها عقوبة له تقريب رادع عن إيقاع الصلاة في المغصوب فلا خلاف في المعنى وعلم مما قررناه أن الكراهة إذا كانت لأمر خارج لا تمنع حصول الثواب كالزيادة في تطهير أعضاء الوضوء على الثلاث ( إلا ) في ( تكبيرة الإحرام ) فتضر المقارنة فيها أو في بعضها ، حتى إنه لو شك في ذلك في أثنائها أو بعدها ولم يتذكر عن قرب أو ظن التأخر فبان خلافه لم تنعقد صلاته .

                                                                                                                            ومحل ذلك إذا نوى الاقتداء مع التكبير كما دلت عليه الأخبار لأنه نوى الاقتداء بغير مصل فيشترط تأخر جميع تكبيرته عن جميع تكبيرة الإمام ، ويفارق ذلك بقية الأركان حيث لم تضر المقارنة فيها لبقاء نظم القدوة فيها لكون الإمام في الصلاة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 220 ] فصل في بعض شروط القدوة أيضا

                                                                                                                            ( قوله : لخبر إنما إلخ ) أي لخبر الصحيحين ا هـ حج ( قوله : عدم متابعته في ترك فرض إلخ ) أي ثم إن كان الموضوع محل تطويل كأن ترك الركوع انتظره في القيام ، وإلا كأن طول الإمام الاعتدال انتظره المأموم فيما بعده وهو السجود هنا ( قوله : انتهاء فعل الإمام ) قضيته أنه لو كان المأموم سريع الحركة فشرع في هوي الركوع بعد الإمام ووصل إلى حد الركوع قبل الإمام لا يكون آتيا بالمتابعة الواجبة ، وفيه نظر يعلم من جواز المقارنة .

                                                                                                                            ( قوله : وأكمل من ذلك إلخ ) قال حج : ودل على أن هذا تفسير لكمال المتابعة كما تقرر لا بقيد وجوبها قوله فإن قارنه إلخ ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : حتى يصل الإمام لحقيقة المنتقل إليه ) قضيته أنه يطلب من المأموم أن لا يخرج عن الاعتدال حتى يتلبس الإمام بالسجود وقد يتوقف فيه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ووجه التوقيف أنه ربما أسرع الإمام في رفع رأسه من السجود .

                                                                                                                            اللهم إلا أن يقال : أراد الشارح بالوصول للحقيقة أنه وصل إلى ابتداء مسمى الحقيقة ، وهو يحصل بوضع الركبتين لأنهما بعض أعضاء السجود ( قوله : تجب متابعة الإمام إلخ ) فيه مسامحة فإن التعبير بالوجوب يقتضي حرمة خلافه فلا يكون بيانا للأكمل ، فلو قال هي التي ذكرها بقوله بأن يتأخر ابتداء فعله إلخ كان أوضح [ ص: 221 ] قوله : أي لتحصيل السنة ) أي وعليه فالمراد بالوجوب ما لا بد منه .

                                                                                                                            ( قوله : فيبطل تقدمه ) أي بالميم من عليكم لا من السلام ، وقوله آخر الأولى : أي التسليمة الأولى حج ا هـ شيخنا زيادي بل بالهمزة إن نوى عندها الخروج بها من صلاته كما يشعر به قول الشارح السابق بعد قول المصنف والأصح أنه لا تجب نية الخروج إلخ ، فإن نوى قبل الأولى بطلت صلاته ا هـ .

                                                                                                                            وقوله قبل الأولى : أي قبل الشروع فيها ( قوله للأقوال ) زاد حج ولو السلام بدليل إلخ ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : لم يضر ) ومثل ذلك في عدم الضرر ما لو عزم قبل الاقتداء على المقارنة في الأفعال ، لأن المقصود [ ص: 222 ] الخارجة عن الصلاة قبل التلبس بها لا أثر لها أخذا مما قالوه فيما لو عزم على الإتيان بالمبطل من أنه لا أثر له قبل الشروع فيه ( قوله : هل مرادهم به إلخ ) في التعبير بما ذكر مسامحة ، والأولى أن يقول : هل المراد به ثواب الصلاة إذا كانت الكراهة للذات إلخ .

                                                                                                                            وأما قوله مرادهم به ثواب الجماعة فلا يظهر مع قوله كالصلاة في الحمام ونحوه ، فإن الفائت فيها على ما يقتضيه عبارتهم ليس ثواب الجماعة بل ثواب الصلاة بتمامها على القول بها والراجح خلافه .

                                                                                                                            ( قوله : حتى إنه لو شك في أثنائها ) أي أثناء تكبيرة الإحرام ، وقوله أو بعدها : أي بعد تكبيرة الإحرام وقبل الفراغ من الصلاة ، أما لو عرض الشك بعد فراغ الصلاة ثم تذكر فلا يضر مطلقا كالشك في أصل النية



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 220 ] فصل : تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة ( قوله : ويتقدم انتهاء فعل الإمام على فراغه إلخ ) عبارة المحلي : ويتقدم ابتداء فعل المأموم على فراغه منه : أي فراغ الإمام من الفعل انتهى . قال الشهاب سم : وهي أقرب إلى عبارة المصنف انتهى .

                                                                                                                            ولم ينبه على وجه عدول الشارح ، كالشهاب حج عن ذلك الأقرب .

                                                                                                                            وأقول : وجهه ليتأتى له حمل ما في المتن على الأكملية الذي سيذكره ، وإلا فعبارة المصنف باعتبار حل الجلال صادقة بما إذا أخر ابتداء فعله عن ابتداء فعل الإمام ، لكنه قدم انتهاءه على انتهائه بأن كان سريع الحركة والإمام بطيئها ، وظاهر أن هذا ليس من الأكمل ( قوله : وأخرى على وجه الوجوب ) بمعنى أنه يتأدى بها الوجوب بمعنى الشرطية لا على الوجه الأكمل ، وإلا فما تتأدى به هذه مكررة أو حرام كما يأتي ( قوله : فالأولى هي التي ذكرها بقوله تجب المتابعة إلخ ) صوابه هي التي ذكرها بقوله بأن يتأخر إلخ ( قوله : ويدل على ذلك قوله : فإن قارنه لم يضر ) أي وما بعده ( قوله : والثانية فصلها بعد ذلك ) أي بقوله فإن قارنه لم يضر ، وبقوله وإن تخلف بركن إلى قوله لم تبطل في الأصح ، وبقوله في آخر الفصل وإلا فلا من قوله [ ص: 221 ] ولو تقدم بفعل كركوع وسجود إن كان بركنين بطلت وإلا فلا ( قوله : ويمكن أن يقال أيضا قوله : بأن يتأخر إلخ ) حاصل هذا الجواب كما يعلم من آخره وإن كان فيه قلاقة أن عموم المتابعة يتأدى بوجوه ; منها ما هو مطلوب لخصوصه ، ومنها ما هو مكروه : أي أو حرام لخصوصه وإن تأدى به عموم المتابعة ، فالأول هو المذكور في قوله بأن يتأخر إلخ ، وغيره مذكور في الصور الثلاثة الآتية ، فالكل على هذا من مدخول المتابعة المذكورة في صدر كلام المصنف ، وهذا هو محل الفرق بين هذا الجواب والذي قبله ، فإن ذلك فيه قصرها على قوله بأن يتأخر إلخ .

                                                                                                                            وعلى هذا الجواب الثاني إنما غاير المصنف في الأسلوب ، ولم يعطف حالة المقارنة على ما قبلها وإن كان من مدخول المتابعة المذكورة كما تقرر بأن يقول أو يقارن عطفا على يتأخر ، لما بين الوجوب والكراهة أو الحرمة اللذين هما حكم المقارنة وما بعدها من التنافي بحسب الظاهر ( قوله : من أحوال المتابعة ) أي الأربعة المذكورة في كلامه أولا وآخرا ( قوله : أن المتابعة في كلها ) أي الكل المجموعي لا الجميعي بقرينة ما قبله وما بعده ( قوله : والتقدم بجميعها يبطل ) لعل الباء فيه بمعنى على : أي والتقدم على جميع صور المتابعة الأربعة يبطل بأن لم يتأخر ابتداء فعله عن ابتداء فعل الإمام ولم يقارنه ولم يتخلف عنه بركن ولم يتقدم عليه بركن بأن تقدم عليه بركنين فأكثر ، وكان الأوضح والأولى أن يقول : والإخلال بجميعها مبطل لشموله التخلف بركنين على ما يأتي ، وكان موقع هذه الجملة بعد التي قبلها التعليل ، فكأنه قال : ولا شك أن المتابعة في كلها واجبة ; لأن التقدم بجميعها يبطل ( قوله : والحكم ثانيا بأنه لا يضر ) صوابه والحكم ثانيا بأن يتأخر إلخ ، إذ الذي حصل به الحكم أولا من حيث الجملة هو قوله : تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة ، وقوله : بأن يتأخر بيان لحكم أفراد ما تحصل به المتابعة ( قوله : بدليل قرينة السياق ) لا حاجة للجمع بين دليل وقرينة [ ص: 222 ] قوله : لكنها مكروهة مفوتة فضيلة الجماعة ) صريح بالنظر لاحتمال الثاني المتقدم في كلامه في المتن في أن المقارنة في الأقوال تفوت فضيلة الجماعة ، ولعله غير مراد خصوصا فيما لم يطلب فيه عدم المقارنة كالتشهد فليراجع ( قوله : وقولهم المكروه لا ثواب فيه إلخ ) هذا إلى قوله وعلم مما قررناه لفظ سؤال وجواب في فتاوى والده تصرف فيه بما ترى من غير عزوه إليه وانظر ما موقعه هنا ، ولفظ الفتاوى : سئل عن قولهم المكروه لا ثواب فيه هل مرادهم ثواب الجماعة إذا كانت الكراهة للذات كما دل عليه أمثلتهم حتى لا يسقط ثواب الصلاة بفعلها في الحمام ونحوه من أماكن النهي أم لا ؟ فأجاب بأن المراد الكراهة للذات حتى يثاب على الصلاة في الأماكن المكروهة إلخ ، وانظر ما حاصل هذا السؤال والجواب وما موقع لفظ الجماعة في السؤال ( قوله : فلا خلاف في المعنى ) أي بين من قال بحصول الثواب في المغصوب ومن قال بنفيه ( قوله : كالزيادة في تطهير أعضاء الوضوء على الثلاث ) أي فلا تمنع هذه الزيادة الثواب فيما قبلها وإلا فنفس الزيادة لا ثواب فيها قطعا ( قوله : ; لأنه نوى الاقتداء ) الأولى ولأنه ( قوله : كما دلت عليه الأخبار ) راجع لقوله لم تنعقد كما يعلم من شرح الروض ، وكان الأولى تقديمه على قوله ومحل ذلك .




                                                                                                                            الخدمات العلمية