الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الثاني ) من الفروض ( غسل ) ظاهر ( وجهه ) بالإجماع للآية ، والمراد بالغسل في هذا الباب الانغسال ، ولو خلق له وجهان وجب غسلهما لحصول المواجهة بهما ، [ ص: 167 ] أو رأسان كفى مسح بعض أحدهما ، نعم لو كان له وجه من جهة قبله وآخر من جهة دبره وجب غسل الأول فقط كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ( وهو ) طولا ( ما بين منابت شعر رأسه غالبا و ) تحت ( منتهى لحييه ) بفتح اللام وهما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى ( وما بين أذنيه ) أي عرضا لحصول المواجهة بكل ذلك ، بخلاف باطن الفم والأنف والعين فلا يجب غسلهما ، بل ولا يستحب غسل باطن العين ، على أن بعضهم صرح بكراهته لضرره ، [ ص: 168 ] نعم إن تنجس باطنها وجب غسله ، ويفرق بغلظ النجاسة بدليل إزالتها عن الشهيد حيث كانت غير دم الشهادة .

                                                                                                                            ويجب غسل موقى العين قطعا ، فإن كان عليه نحو رماص يمنع وصول الماء إلى المحل الواجب وجب إزالته وغسل ما تحته ، وقوله غالبا إيضاح لبيان إخراج الصلع وإدخال الغمم ، إذ التعبير بالمنابت كاف في ذلك فيهما لأن موضع الصلع منبت شعر الرأس وإن انحسر الشعر عنه لسبب ، والجبهة ليست منبته وإن نبت عليها الشعر ، ولهذا قال الإمام : إنه لا حاجة إليه .

                                                                                                                            أما موضع الغمم فداخل كما ذكره بقوله ( فمنه ) أي من الوجه ( موضع الغمم ) وهو الشعر النابت على الجبهة أو بعضها لحصول المواجهة به ، والغمم مأخوذ من غم الشيء إذا ستره ، ومنه غم الهلال ، ويقال رجل أغم وامرأة غماء ، والعرب تذم به وتمدح بالنزع ، إذ الغمم يدل على البلادة والجبن والبخل ، والنزع بضد ذلك .

                                                                                                                            قال القائل :

                                                                                                                            فلا تنكحي إن فرق الله بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا

                                                                                                                            ومنتهى اللحيين من الوجه كما تقرر وإن لم تشمله عبارة المصنف ( وكذا التحذيف في الأصح ) أي موضعه وهو بالذال المعجمة : ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة لمحاذاته بياض الوجه ، سمي بذلك لأن النساء والأشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه .

                                                                                                                            والثاني أنه من الرأس وسيأتي ترجيحه ، وضابطه كما قاله الإمام وجزم به المصنف في دقائقه : أن تضع طرف خيط على رأس الأذن والطرف الثاني على أعلى الجبهة ويفرض هذا الخيط مستقيما ، فما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف ( لا النزعتان ) بفتح الزاي ويجوز إسكانها [ ص: 169 ] ( وهما بياضان يكتنفان الناصية ) فليستا من الوجه لأنهما في حد تدوير الرأس ، والناصية مقدم الرأس من أعلى الجبين ( قلت : صحح الجمهور أن موضع التحذيف من الرأس ، والله أعلم ) لاتصال الشعر به فلا يصير وجها بفعل بعض الناس ، ومن الرأس أيضا الصدغان لدخولهما في تدويره ، وهما فوق الأذنين متصلان بالعذارين .

                                                                                                                            ويسن غسل موضع الصلع والتحذيف والنزعتين والصدغين مع الوجه خروجا من خلاف من أوجب غسلها ، ولا بد من غسل جزء من الرأس ومن تحت الحنك ومن الأذنين وجزء فوق اليدين والرجلين ، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ومن الوجه ما بين العذار والأذن من البياض لكونه داخلا في حده ، وما ظهر من حمرة الشفتين ومن الأنف بالجدع ، حتى لو اتخذ له أنفا من ذهب وجب غسله كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، لأنه وجب عليه غسل ما ظهر من أنفه بالقطع وقد تعذر للعذر فصار الأنف المذكور في حقه كالأصلي ( ويجب غسل كل هدب ) وهو بضم الهاء مع سكون الدال المهملة وضمها وبفتحهما معا الشعر النابت على العين ( وحاجب ) جمعه حواجب وحاجب الأمير جمعه حجاب ، سمي بذلك لأنه يحجب عن العين شعاع الشمس ( وعذار ) وهو بذال معجمة الشعر النابت المحاذي للأذن بين الصدغ والعارض أول ما ينبت للأمرد غالبا ( وشارب ) وهو الشعر النابت على الشفة العليا ( وخد ) أي الشعر النابت عليه ، وهو من زيادته على المحرر ( وعنفقة ) وهو الشعر النابت على الشفة السفلى ( شعرا وبشرا ) أي ظاهرا وباطنا وإن كان كثيفا لندرة كثافته فألحق بالغالب ، وقوله شعرا وبشرا [ ص: 170 ] أورد عليه أنه كان ينبغي أن يسقط شعرا ويقول وبشرتها : أي بشرة جميع ذلك ، فقوله شعرا تكرار فإنما تقدم اسم لها لا لمنابتها ، وقوله بشرا غير صالح لتفسير ما تقدم .

                                                                                                                            وأجيب بأنه ذكر الخد أيضا فنص على شعره كما نص على بشرة ما ذكره من الشعر ( وقيل لا يجب ) غسل ( باطن عنفقة كثيفة ) بالمثلثة ولا بشرتها كاللحية ، وفي ثالث يجب إن لم تتصل باللحية ( واللحية ) من الرجل ( إن خفت كهدب ) فيجب غسل ظاهرها وباطنها ( وإلا ) بأن كثفت ( فليغسل ظاهرها ) ولا يجب غسل باطنها وهو منابتها { لأنه صلى الله عليه وسلم غرف غرفة واحدة لوجهه } وكانت لحيته كثيفة والغرفة الواحدة لا تصل إلى باطن ذلك غالبا ، ولما في غسل باطنها من المشقة ، والأصح أن الشعر أصل لا بدل .

                                                                                                                            وحاصل ذلك أن شعور الوجه إن لم تخرج عن حده ، فإما أن تكون نادرة الكثافة كالهدب والشارب [ ص: 171 ] والعنفقة ولحية المرأة والخنثى فيجب غسلها ظاهرا وباطنا خفت أو كثفت ، أو غير نادرة الكثافة وهي لحية الرجل وعارضاه ، فإن خفت بأن ترى البشرة من تحتها في مجلس التخاطب وجب غسل ظاهرها وباطنها ، فإن كثفت وجب غسل ظاهرها فقط ، فإن خف بعضها وكثف بعضها فلكل حكمه إن تميز ، فإن لم يتميز وجب غسل الجميع ، فإن خرجت عن حد الوجه وكانت كثيفة وجب غسل ظاهرها فقط وإن كانت نادرة الكثافة ، وإن خفت وجب غسل ظاهرها وباطنها .

                                                                                                                            ووقع لبعضهم في هذا المقام ما يخالف ما تقرر فاحذره .

                                                                                                                            قال ابن العماد : المراد بعدم التمييز عدم إمكان إفراده بالغسل وإلا فهو متميز في نفسه .

                                                                                                                            ويجب غسل سلعة نبتت في الوجه وإن خرجت عن حده لحصول المواجهة بها ( وفي قول لا يجب غسل خارج عن ) حد ( الوجه ) لخروجه عن محل الفرض كالذؤابة من الرأس ، والأصح الوجوب لحصول المواجهة به

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بالإجماع للآية ) أي الإجماع المستند للآية ، وإنما لم يستدل بالآية لأن دلالة الإجماع أقوى لانتفاء الاحتمالات عنه ، لكن سيأتي في نظيره في اليدين أنه قال للآية والإجماع ( قوله : وجب غسلهما ) أي حيث كانا أصليين أو أصلي وزائد واشتبه أو تميز وكان على سمت الأصلي كما يفيده الاستدراك الآتي ، وقوله أو رأسان ينبغي أن محل الاكتفاء بأحدهما إذا كانا أصليين ، فإن كان أحدهما زائدا واشتبه فلا بد من مسح جزء من كل منهما ، أو تميز وجب مس جزء من الأصلي ولا يكفي مسح غيره ا هـ .

                                                                                                                            ثم رأيت في الزيادي ما نصه : قوله ولو خلق له وجهان وجب غسلهما إلخ : أي إذا كانا أصليين أو أحدهما أصليا والآخر زائدا واشتبه الزائد بالأصلي ، أما إذا تميز الأصلي من الزائد فيجب غسل الأصلي دون الزائد ما لم يكن على سمته وإلا وجب غسله [ ص: 167 ] أيضا ، ويجري هذا التفصيل في الرأسين فيقال : إن كانا أصليين اكتفى بمسح بعض أحدهما ، وإن كان أحدهما أصليا والآخر زائدا واشتبه الزائد بالأصلي فيتعين مسح بعض كل منهما ، وإن تميز الأصلي تعين مسح بعض الأصلي ، وهل يكفي مسح بعض الزائد فقط ؟ محل نظر ، وهذا كله بحسب الفهم نبه عليه شيخنا الطندتائي قياسا على اليدين والرجلين انتهى .

                                                                                                                            قلت : الأقرب عدم الاكتفاء لأنه لا ضرورة إلى الاكتفاء به مع وجود الأصلي ، وقوله إذا كانا أصليين : أي ويكفيه قرن النية بأحدهما إذا كانا أصليين فقط ، وما تقدم غسله على النية يجب إعادته كما علم مما مر فيمن له وجه واحد .

                                                                                                                            وفي حواشي شرح البهجة أنه لا بد من النية عند كل منهما وأن سم توقف فيه .

                                                                                                                            أقول : والأقرب ما قاله سم ، فلو كان أحدهما زائدا واشتبه فلا بد من النية عند كل منهما ، أو تمييز الزائد وكان سمت الأصلي وجب قرنها بالأصلي دون الزائد وإن وجب غسله هذا ا هـ .

                                                                                                                            وينبغي أن يكتفي في غسلهما عند الاشتباه بماء واحد حتى لو غسل أحد الوجهين بماء ثم غسل به الثاني اكتفى به ، لأنه إن كان الأصلي هو الأول فالثاني باعتبار نفس الأمر لا يجب غسله فلا يضر كون غسله بمستعمل ، وإن كان الأصلي هو الثاني فغسل الأول لم يرفع حدثا لانتفاء الأصالة عن المغسول ، فإذا غسل به الثاني ارتفع حدثه ، ويحتمل عدم الاكتفاء بذلك لأنه لما وجب غسل كل نزل منزلة الأصلي فليراجع ( قوله : وجب غسل الأول فقط ) ظاهره وإن كان الإحساس بالذي من جهة الدبر وقياس ما مر في أسباب الحدث من أن العاملة من الكفين هي الأصلية أن ما به الإحساس منهما هو الأصلي .

                                                                                                                            ونقل شيخنا الشوبري في حواشي المنهج ما يوافق ما ذكرناه عن خط الشارح رحمه الله تعالى ( قوله : وما بين أذنيه ) أي وتديهما .

                                                                                                                            قال في القاموس : الوتد ويحرك وككتف : ما غرز في الأرض أو الحائط من خشب ، وما كان في العروض على ثلاثة أحرف كعلى ، والهنية الناشزة في مقدم الأذن انتهى .

                                                                                                                            ثم قال في المعتل : وفي الحديث : هنية ، مصغرة هنة أصلها هنوة : أي شيء يسير ، ويروى هنيهة : إبدال الياء هاء انتهى . [ تنبيه ] وقع السؤال في الدرس عما لو تأخرت أذناه خلفه بأن صارتا قريبتين من القفا هل يجب غسل ما بينهما قياسا على المرفق أم لا ؟ ويعتبر قدره من المعتدل من غالب أمثاله .

                                                                                                                            ويجاب عنه بأنه ينبغي أن لا يجب غسل ما زاد على ما يكون غاية للوجه من معتدل الخلقة من أمثاله ، ويفرق بين هذا وبين ما لو خلق مرفقه فوق المعتاد بأن المرفق جزء من اليد وقد علق الغسل بها في الآية مع المرفق وفي الوجه أم بغسل ما يسمى وجها وهو ما تقع به المواجهة ، والأذن إنما جعلت علامة على حده فإذا خلقت قريبة من القفا فما بينها وبين الوجه لا يقع به المواجهة فلم تشمله الآية ، والعلامة ليست قطعية حتى يرجع إليها وإن خالفت العادة وبقي ما لو تقدمت أذناه قريبا من العينين مثلا هل يجب غسلهما أم لا ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            ويجاب عنه أيضا بأن الظاهر أنه يجب غسلهما ويعتبر محلهما الأصلي بغالب الناس [ ص: 168 ] قوله وجب غسله ) أي حيث لم يخش منه ضررا يبيح التيمم وإلا فينبغي أن يصلي على حاله ويعيد ( قوله : ويجب غسل موقي العين ) قال في المصباح : مؤق العين بهمزة ساكنة ، ويجوز التخفيف مؤخرها .

                                                                                                                            ثم قال : وجمعه أمآق بسكون الميم مثل قفل وأقفال ، ويجوز القلب فيقال آماق .

                                                                                                                            مثل أبؤر وأبآر ( قوله : فإن كان عليه نحو رماص ) عبارة المختار : الرمص بفتحتين وسخ يجتمع في الموق ، فإن سال فهو غمص ، وإن جمد فهو رمص ، وقد رمصت عيناه من باب طرب ا هـ .

                                                                                                                            فقول الشارح رماص بالألف لعله لغة أخرى ( قوله : منبت ) بكسر الموحدة وفتحها ا هـ مصباح .

                                                                                                                            وعبارة القاموس والمنبت كمجلس موضعه : أي النبات شاذ ، والقياس كمقعد ا هـ : أي لأنه من ينبت بالضم وما كان كذلك فمصدره على مفعل بالفتح ( قوله : لا حاجة إليه ) أي إلى قوله غالبا ( قوله : ومنه غم الهلال ) أي بالبناء للمفعول .

                                                                                                                            قال في المصباح : غم عليه الخبر بالبناء للمفعول خفي وغم الهلال بالبناء للمفعول ستر بغيم أو غيره ( قوله : إن فرق الله ) نسخة : الدهر ( قوله : وإن لم تشمله عبارة المصنف ) أي بناء على الظاهر ، وإلا ففي حج عن الرافعي أن المنتهى قد يراد به ما يليه من جهة الحنك إلى آخره .

                                                                                                                            قال : وبه يندفع الاعتراض على المتن ( قوله لأن النساء والأشراف يحذفون الشعر ) قال في المصباح : حذفته حذفا من باب ضرب ، وحذف الشيء حذفا أيضا أسقطه ، ومنه يقال حذف من شعره ومن ذنب الدابة : إذا قصر منه .

                                                                                                                            وحذف بالتثقيل مبالغة ، وكل شيء أخذت من نواحيه حتى سويته فقد حذفته تحذيفا ( قوله على رأس الأذن ) المراد برأس الأذن الجزء المحاذي لأعلى العذار قريبا من الوتد ، وليس المراد به أعلى الأذن من جهة الرأس لأنه ليس محاذيا لمبدإ العذار ( قوله : إلى جانب الوجه ) [ ص: 169 ] أي حد الوجه وحده ابتداء العذار وما يليه ( قوله : من أعلى الجبين ) أي بأن يعتبر ابتداء الناصية من أعلى الجبين من الجانبين فيدخل فيه ما فوق الجبهة وما يقابل الجبينين إلى أعلى الرأس .

                                                                                                                            وفي حج الجبينان : جانبا الجبهة ( قوله متصلان بالعذارين ) عبارة حج وهما المتصلان بالعذار من فوق وتد الأذنين ( قوله من أوجب غسلها ) أي وإن لم يذكر هذا الخلاف هنا ( قوله : إذ ما لا يتم الواجب إلا به إلخ ) يؤخذ منه أنه لو أخبره معصوم بحده لا يجب غسل زائد عليه ، وهو واضح لأنه لم يجب لذاته وإنما وجب لتحقق غسل الواجب ( قوله : بالجدع ) بالدال المهملة كما في المصباح ذكره في باب الجيم مع الدال المهملة ( قوله : لو اتخذ له أنفا من ذهب وجب غسله إلخ ) صريح في أنه يجب غسل جميعه وقال حج إنما يجب غسل ما في محل الالتحام لأنه البدل دون ما زاد عليه . [ فرع ] قطع أنفه فاتخذ أنفا من ذهب ، فإن التحم وجب غسله وصار له حكم أجزاء الوجه م ر ( قوله كالأصلي ) وينبغي أن لا ينقضي مسه لأنه ليس من البشرة وإن أعطي حكمها ، وأنه يكفي قرن النية بغسل لأنه صار له حكم الوجه وفاقا لمر ا هـ سم على منهج . [ فرع ] قالوا يجب غسل ما ظهر بقطع شفة أو أنف ، والمراد ما ظهر من محل القطع لا ما كان مستترا بالمقطوع فلا يجب غسل ما ظهر بقطع الشفة من لحم الأسنان ، وكذا لا يجب غسل ما ظهر بقطع الأنف مما كان تحته وإن صار بارزا متكشفا وفاقا لما أفتى به شيخنا حج ، وعلله بأنه كان لا يجب غسله قبل القطع ، والأصل عدم الوجوب وبقاء الأمر على ما كان ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وهو مستفاد من قول الشارح السابق بخلاف باطن الأنف والفم والعين ( قوله : ويجب غسل كل هدب ) ذكر هذا توطئة لما فيه من الخلاف وإلا فهو مستفاد من قوله السابق الثاني غسل الوجه إلخ ، لأن هذه أجزاء للوجه ( قوله النابت على العين ) خرج به النابت في العين فلا يجب غسله وإن طال جدا ( قوله : الصدغ ) قال حج : والصدغان هما المتصلان بالعذار من فوق ا هـ ( قوله : فألحق بالغالب ) أي [ ص: 170 ] وهو الشعر الخفيف ( قوله : جميع ذلك ) أي المذكور ولو قال تلك لكان أوضح ( قوله : وفي ثالث يجب إن لم تتصل باللحية ) وقيل لا يجب غسل باطن الكثيف في الجميع لأن كثافته مانعة من رؤية باطنه فلا تقع به المواجهة انتهى محلي ( قوله : ولا يجب غسل باطنها ) قد يقال : لم اكتفى بغسل ظاهر الكثيف الخارج من غير اللحية والعارض مع الاكتفاء بذلك في أصله الذي في حد الوجه وإن كان كثيفا ، إلا أن يجاب بأنه لما خرج عن الوجه الذي هو مناط الوجوب انحط أمره فسومح فيه فليتأمل ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            قلت : قوله في أصله إلخ صريح هذا الكلام أن الحاجب مثلا إذا طال شعره وخرج عن حد الوجه وكثف فالقدر الخارج يجب غسل ظاهره دون باطنه ، وما دخل منه في حد الوجه يجب غسل ظاهره وباطنه فليراجع فلعله غير مراد ، وأن المراد أنه إذا كان في حد الوجه ولم يخرج منه شيء وجب غسل ظاهره وباطنه ، وإذا خرج وجب غسل ظاهر الكثيف سواء كان المغسول ، في حد الوجه أو خارجه لمشقة إيصال الماء إلى باطن ما في حد الوجه دون ما خرج ، فلما كان في التجزئة مشقة اكتفى بغسل الظاهر من الجميع .

                                                                                                                            وقد يصح بذلك قول الشارح الآتي : فإن خرجت عن حد الوجه ( قوله : وكانت لحيته كثة ) قال بعضهم : وينبغي أن يقال كانت لحيته صلى الله عليه وسلم جليلة عظيمة ، ولا يقال كثة ولا كثيفة ( قوله والأصح أن الشعر أصل لا بدل ) أي ومن ثم يجوز قرن النية به وبباطنه وإن لم يجب غسله كما قدمناه ( قوله : إن لم تخرج عن حده ) أي بأن كانت لو مدت في جهة استرساله لا تجاوز ما يجب غسله ، والخارجة هي ما جاوزت ذلك كذا قيل .

                                                                                                                            واستشكل ذلك بأنه يقتضي أن تكون اللحية خارجة عن حد الوجه دائما مع أنهم فصلوا فيها بين الخارجة عن حده والداخلة فيه انتهى .

                                                                                                                            ثم رأيت في سم على منهج ما نصه : المراد بخروج الشعر عن حد الوجه أن يلتوي عن اعتدال إلى تحت أو نحو ذلك ، وأما ما طال إلى جهة استقبال الوجه فكله في حد الوجه فله حكم ما في حد الوجه انتهى .

                                                                                                                            وهو أيضا لا يعلم منه الفرق بين ما في حد الوجه وبين اللحية وبين ما خرج عنه .

                                                                                                                            وقال ابن حجر : [ ص: 171 ] الخارج من اللحية عن حد الوجه هو الذي إذا مد خرج بالمد عن جهة نزوله ، إلى أن قال : ويحتمل ضبطه بأن يخرج عن تدويره بأن طال على خلاف الغالب ا هـ .

                                                                                                                            قلت : هذا الاحتمال ضعيف ، وعبارة الشيخ عميرة في الحاشية الكبرى تنبيه : لو كان الشعر في حد الوجه ولكنه طويل متجعد بحيث لو مد لخرج ، فهل للزائد منه حكم الخارج كما هو قضية نظيره من شعور الرأس هو محتمل ( قوله : ظاهرا وباطنا ) وفي شرح البهجة : وداخلا : قال سم في حواشيه : هل المراد بباطن اللحية الوجه الذي يلي الصدر منها .

                                                                                                                            وبداخلها خلال الشعر ومنابته ، أو المراد بباطنها البشرة تحت شعرها وبداخلها خلال شعرها ؟ فيه نظر ، والوجه هو الأول لوقوع الباطن في مقابلة الظاهر والداخل المتناول لخلال الشعر ومنابته ، وذلك قرينة على أنه أريد به ما عدا جميع ذلك انتهى .

                                                                                                                            وهذا التردد نشأ من جمعه في شرح البهجة بين الداخل والباطن .

                                                                                                                            أما من اقتصر كالشارح هنا على الباطن فيراد به ما يلي الصدر من اللحية وما بين الشعر ( قوله : وعارضاه ) وهما ما انحط من العذار إلى اللحية ( قوله : ظاهرها وباطنها ) لكن ينبغي إذا كانت خفيفة ، وقلنا يجب غسل باطنها أن لا يكون منه باطن الشعر النابت على آخر منتهى اللحيين بحيث يكون ذلك الباطن مساويا لأسفل منتهى اللحيين لأنه لا يزيد عليه . تأمل انتهى سم على منهج ( قوله : وجب غسل ظاهرها ) أي سواء كانت من رجل أو أنثى أو خنثى ( قوله وإن كانت نادرة الكثافة ) هو غاية ( قوله : ووقع لبعضهم ) هو شيخ الإسلام في شرح المنهج ( قوله : عدم إمكان إفراده ) أي بأن عسر إفراده بالغسل ، فليس المراد بالإمكان ما قابل الاستحالة ( قوله : كالذؤابة ) بالذال المعجمة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله الانغسال ) أي مع النية ذكرا كما علم مما مر ( قوله : ولو خلق له وجهان إلخ ) [ ص: 167 ] فيه تفصيل في حاشية الزيادي يتعين الرجوع إليه ( قوله : وجب غسل الأول فقط ) ظاهره وإن كان هو الزائد ، والمسألة تحتمل توليدات كثيرة كما إذا كان أحدهما من جهة يمينه ، والآخر بعكسه أو خلفه أو أمامه أو نحو ذلك ولا [ ص: 168 ] طائل تحته ( قوله : لبيان ) أي مراده به البيان لا أنه لم يحصل إذ الغرض أنه لمجرد الإيضاح .

                                                                                                                            واعلم أن المصنف إنما زاد غالبا كغيره ; لأنه أراد بالمنبت ما ينبت عليه الشعر بالفعل ، والإمام بنى اعتراضه على أن المراد به ما من شأنه النبات عليه فلم يتواردا على محل واحد ( قوله : أما موضع الغمم ) لا موقع لأما هنا ( قوله : ، وهو ) أي موضع التحذيف [ ص: 169 ] قوله : ويسن غسل موضع الصلع إلخ ) وسيأتي سن إطالة الغرة ، وحينئذ فإذا غسل المذكورات حصل له سنتان : سنة الإطالة ، وسنة الخروج من الخلاف ( قوله : ومن الأنف بالجدع ) أي ما باشرته السكين كما يؤخذ من قوله وقد تعذر للعذر ليخرج ما لم تباشره مما كان مستترا بالمارن .

                                                                                                                            وصرح بذلك الزيادي ( قوله : لو اتخذ له أنفا ) أي ، والتحم كما يؤخذ من قوله وقد تعذر للعذر ( قوله : أي الشعر النابت عليه ) لا ينافي الجواب الآتي [ ص: 170 ] قوله : فنص على شعره إلخ ) هذا جواب عن الإشكال الأول ، وهو أن ذكر شعرا تكرار .

                                                                                                                            وسكت عن الجواب عن كون بشرا غير صالح لتفسير ما قبله ، ثم إن ما أجاب به ينحل الكلام عليه إلى قولنا ، ويجب غسل كل هدب وحاجب وعذار وشارب وعنفقة من حيث البشرة وكل خد من حيث الشعر ولا يخفى ما فيه .

                                                                                                                            ثم رأيت الشهاب ابن حجر نبه على ذلك ( قوله : وهو منابتها ) عبارة التحفة ولا يكلف غسل باطنها ، وهو البشرة ، وداخلها ، وهو ما استتر من شعرها ( قوله : ، والأصح أن الشعر أصل لا بدل ) سيأتي له في مسح الرأس أنه قال : ، والأصح أن كلا من البشرة والشعر هنا أصل ، ورتب عليه أنه يكفي مسح أحدهما ، ثم فرق بينه وبين ما هنا ، وقضية ما رتبه هناك على الأصالة أنه لا يكفي هنا إلا غسل الشعر ، وهو ظاهر في اللحية الكثيفة ، ولعلها مراده وإن كان يعكر عليه ما بعده ، ولينظر ما الأصل فيما يجب [ ص: 171 ] غسل ظاهره وباطنه من الشعور ، وقياس ما يأتي أن الأصل فيها المجموع فليحرر ( قوله : لحصول المواجهة بها ) أي بأصلها




                                                                                                                            الخدمات العلمية