الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            باب صلاة العيدين .

                                                                                                                            الفطر والأضحى ، وهو مشتق من العود لتكرره كل عام ، وقيل لعود السرور بعوده ، وقيل لكثرة عوائد الله على عباده فيه ، وجمعه أعياد ، وإنما جمع بالياء وإن كان أصله الواو للزومها في الواحد ، وقيل للفرق بينه وبين أعواد الخشب . والأصل في صلاته قبل الإجماع مع الأخبار الآتية قوله تعالى { فصل لربك وانحر } ذكر أنه صلاة الأضحى وأن أول عيد صلاه النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة ولم يتركها ، والأصح تفضيل يوم من رمضان على يوم عيد الفطر ( هي سنة مؤكدة ) لذلك ; ولأنها ذات ركوع وسجود لا أذان لها كصلاة الاستسقاء والصارف لها عن الوجوب خبر { هل علي غيرها ؟ قال لا ، إلا أن تطوع } وحملوا نقل المزني عن الشافعي أن من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين على التأكيد فلا إثم ولا قتال بتركها ( وقيل فرض كفاية ) نظرا إلى أنها من شعائر الإسلام ; ولأنه يتوالى فيها التكبير فأشبهت صلاة الجنازة [ ص: 386 ] فإن تركها أهل بلد أثموا وقوتلوا على هذا ، وقام الإجماع على نفي كونها فرض عين ( وتشرع جماعة ) لفعله صلى الله عليه وسلم وهي أفضل في حق غير الحاج بمنى من تركها بالإجماع ، أما هو فتستحب له منفردا لقصر زمنها لا جماعة لاشتغاله بأعمال التحلل والتوجه إلى مكة لطواف الإفاضة عن إقامة الجماعة والخطبة ، وما روى من أنه صلى الله عليه وسلم فعلها محمول إن صح على ذلك ، إذ لو فعلها جماعة في مثل هذا اليوم لاشتهر ( و ) تشرع أيضا ( للمنفرد والعبد والمرأة والمسافر ) والخنثي والصبي فلا يعتبر فيها شروط الجمعة من جماعة وعدد وغيرهما ، ويسن لإمام المسافرين أن يخطبهم ويأتي في خروج الحرة والأمة لها جميع ما مر أوائل الجماعة في خروجهما لها .

                                                                                                                            ويستحب الاجتماع لها في مكان واحد ، ويكره تعدده من غير حاجة ، وللإمام المنع منه وله الأمر بها كما قاله الماوردي ، وهو على سبيل الوجوب كما قاله المصنف : أي ; لأنها من شعائر الدين .

                                                                                                                            قال الأذرعي : ولم أره لغيره وقيل على وجه [ ص: 387 ] الاستحباب ، وعلى كل منهما متى أمرهم بها وجب الامتثال .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            باب صلاة العيدين . ( قوله : صلاة العيدين ) أي وما يتبع ذلك كالتكبير المرسل ( قوله لتكرره كل عام ) علة للتسمية ( قوله : وقيل لكثرة عوائد الله تعالى ) قال حج : أي أفضاله ا هـ .

                                                                                                                            وفي المختار : العائدة العطف والمنفعة ، يقال هذا الشيء أعود عليك من كذا : أي أنفع وفلان ذو صفح ، وعائدة : أي ذو عفو وتعطف انتهى .

                                                                                                                            ومنه يعلم وجه تفسير العوائد بالإفضال ( قوله : للزومها ) أي الياء في الواحد : يعني أن لزومها في الواحد حكمة ذلك لا أنه موجب له ، فلا يرد نحو موازين ومواقيت جمع ميزان وميقات ( قوله : ذكر أنه ) أي ما أمر به صلاة الأضحى إلخ ( قوله : وأن أول عيد . . إلخ ) أي وذكر أن أول إلخ ( قوله : في السنة الثانية ) ، ووجوب رمضان كان في شعبانها ا هـ حج ، ولم يبين اليوم الذي فرض فيه من شعبان فراجعه ( قوله : ولم يتركها ) أي إلا في عيد الأضحى بمنى على ما يأتي في قوله وما روي من أنه صلى الله عليه وسلم ( قوله : والأصح إلخ ) فائدة مجردة ( قوله : مؤكدة ) أي ويكره تركها ( قوله : لذلك ) أي لفعله صلى الله عليه وسلم لها مع المواظبة عليها ( قوله : لا أذان لها ) وكل صلاة بلا أذان سنة ( قوله : والصارف عن الوجوب ) أي في قوله تعالى { فصل لربك } إلخ ( قوله : على التأكيد ) أي من الشارع ( قوله : فأشبهت صلاة الجنازة ) أي في الجملة أي من حيث [ ص: 386 ] توالي التكبير ( قوله : وقوتلوا على هذا ) أي دون الأول ، وظاهره أن عدم قتالهم على الأول لا خلاف فيه ، وقد مر في صلاة الجماعة خلاف في القتال على تركها بناء على السنية ، فلينظر الفرق بينهما حيث قطع بعدم القتال هنا على السنية دونه ثم ، وقد يقال : الفرق آكدية الجماعة لأنه قيل بكونها فرض عين ولم يقل بمثله هنا هذا .

                                                                                                                            وقد نقل بعضهم في الدرس عن بعض في شروح التنبيه أنه قيل بالقتال على ترك جميع السنن ، وعليه فلا إشكال فليراجع ا هـ وينبغي على هذا القول أيضا أن يكتفي بفعلها في موضع حيث وسع من يحضرها وإن كبر البلد كالجمعة وإلا وجب التعدد بقدر الحاجة ، ويسن الاقتصار على محل واحد إن وسع ، ويكره تعدد جماعتها بلا حاجة وللإمام المنع منه ا هـ حج .

                                                                                                                            قال في شرح العباب : كسائر المكروهات ا هـ : أي فإن له المنع منها ا هـ سم .

                                                                                                                            وقضيته أن ذلك لا يطلب من الإمام والقياس طلبه في حقه ، ثم رأيت ما سيأتي له ( قوله : على نفي كونها فرض عين ) أي بخلاف الجماعة حيث قيل فيها بذلك ( قوله : وتشرع جماعة ) عبر به دون تسن ليتمشى على القولين ، والمراد أنه يستحب الجماعة فيها ، وأنها لا تجب اتفاقا كما علم مما مر في صلاة النفل ، وعلى القول بأنها فرض كفاية هل يسقط الطلب بفعل النساء والعبيد والمسافرين أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم السقوط بفعلهم ; لأنه لا يحصل الشعار بفعلهم ، بل لو اكتفى بفعل النساء عد تهاونا بالدين ( قوله : لفعله ) أي لها جماعة ( قوله : هي أفضل ) أي الجماعة ( قوله : في حق غير الحاج ) دخل في الغير المعتمر فيأتي بها جماعة ( قوله : بمنى ) الذي يظهر أن التقييد بمنى جرى على الغالب فيسن فعلها للحاج فرادى وإن كان بغير منى للحاجة أو غيرها حج ا هـ سم على منهج ( قوله : عن إقامة الجماعة ) صلة قوله لاشتغاله إلخ ( قوله : على ذلك ) يعني أنه فعلها منفردا ( قوله : لإمام المسافرين ) ومثلهم إمام العبيد ومن معهم ، ولعله خص المسافرين لانفرادهم من المقيمين ، بخلاف العبيد والنساء فإنهم لا ينفردون عن الأحرار الذكور غالبا ( قوله : وللإمام المنع منه ) ظاهره عدم طلب ذلك منه ، ولو قيل بطلبه لكونه من المصالح العامة لم يبعد ( قوله : المنع منه ) أي التعدد .

                                                                                                                            قال سم على حج : قال في شرح العباب : كسائر المكروهات ( قوله : وهو ) أي الأمر بها على سبيل الوجوب ، ومع ذلك مثله كما نقل عن إمام الحرمين من كل ما يجب على الإمام فعله للمصلحة لا يعد من الواجبات ا هـ .

                                                                                                                            ولعل المراد من هذه العبارة الظاهرة التناقض أن المراد أنه لا يعد من الواجبات على الإمام من حيث خصوصه ، إذ لم يخاطب به بعينه وإنما خوطب بفعل ما فيه المصلحة للمسلمين ، فحيث اقتضت المصلحة شيئا وجب عليه من حيث [ ص: 387 ] إنه مصلحة ، وقريب منه خصال الكفارة إذا فعل المكلف واحدة منها تأدى بها الواجب لا من حيث خصوصها بل من حيث وجود القدر المشترك في ضمنها فليتأمل ( قوله : وعلى كل منهما متى أمرهم بها ) أي بصلاة العيد جماعة أو فرادى



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 380 - 385 ] باب صلاة العيدين ( قوله : لأنها ذات ركوع وسجود إلخ ) تعليل لأصل سنيتها لا بقيد التأكد ، وكذا قوله : لذلك ( قوله : والصارف لها عن الوجوب إلخ ) فيما قبله كفاية في الصرف كما يعلم من كلام الأصوليين ، فكان الأولى خلاف هذا السياق الموهم [ ص: 386 ] أن ما سبق ليس بصارف ، وهو تابع فيه لشرح الروض ( قوله : وهي أفضل ) الضمير هنا راجع للجماعة بخلافه في قوله فيستحب فهو راجع للعيد




                                                                                                                            الخدمات العلمية