الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            واعلم أن الرجال أولى بغسل الرجال للأمن من نقض طهر الحي كما مر فيتقدمون في غسل الرجل على الزوجة وأولاهم من ذكره بقوله ( وأولى الرجال به ) أي الرجل إذا اجتمع في غسله من أقاربه من يصلح لغسله ( أولاهم بالصلاة ) عليه وهم رجال العصبات من النسب ، ثم الولاء كما سيأتي بيانهم في الفرع الآتي ، ثم الزوجة بعدهم في الأصح لما سيأتي في عكسه ، وكلامهم يشمل الزوجة والأمة ، وذكر فيها ابن الأستاذ احتمالين : أوجههما لا حق لها لبعدها عن المناصب والولايات ، ويدل له كلام ابن كج الآتي ، نعم الأفقه هنا أولى من الأسن كما في الدفن ( و ) أولى النساء ( بها ) أي المرأة في غسلها إذا اجتمع من أقاربها من يصلح له ( قراباتها ) من النساء سواء المحارم كالبنات وغيرهن كبنت العم لأنهن أشفق من غيرهن ، وقول الجوهري : القرابات من كلام العوام ; لأن المصدر لا يجمع إلا عند اختلاف النوع وهو مفقود هنا يرد بصحة هذا الجمع ; لأن القرابات أنواع : محرم ذات رحم كالأم ، ومحرم ذات عصوبة كالأخت ، وغير محرم كبنت العم .

                                                                                                                            ( ويقدمن على زوج في الأصح ) ; لأن الأنثى بالأنثى أليق ، والثاني يقدم عليهن ; لأنه ينظر في حال الحياة إلى ما لا ينظرن إليه منها ( وأولاهن ذات محرمية ) وهي من لو فرضت ذكرا حرم تناكحهما ، فإن استوى اثنتان فيها قدمت ذات العصوبة لو كانت ذكرا كالعمة على الخالة ، فإن استويا قدم بما يقدم به في الصلاة على الميت ، فإن استويا في الجميع ولم يتشاحا فذاك وإلا أقرع بينهما ، ثم إن لم تكن ذات محرمية قدمت القربى ، فالقربى ، ثم ذات الولاء كما في المجموع ، وإنما جعل الولاء في الذكور وسطا وأخروه في الإناث لأنه في الذكور من قضاء حق الميت كالتكفين والدفن والصلاة وهم أحق [ ص: 453 ] به منهن لقوتهم ، ولهذا يرثونه بالاتفاق ويؤدون ديونه وينفذون وصاياه ، ولا شيء منها لذوي الأرحام مع وجودهم ، وقدمت ذوات الأرحام على ذوات الولاء في غسل الإناث لأنهن أشفقن منهن ولضعف الولاء في الإناث ، ولهذا لا ترث امرأة بولاء إلا عتيقها أو منتميا له بنسب ، أو ولاء ، ثم بعد ذوات الولاء محارم الرضاع ، ثم محارم المصاهرة فيما يظهر كما بحثهما الأذرعي والبلقيني ، لكن لم يذكرا بينهما ترتيبا ، قال البلقيني : وعليه تقدم بنت عم بعيدة هي محرم من الرضاع على بنت عم أقرب منها بلا محرمية ( ثم الأجنبية ) ; لأنها أليق ( ثم رجال القرابة ) من الأبوين أو أحدهما ( كترتيب صلاتهم ) لأنهم أشفق عليها ويطلعون غالبا على ما يطلع عليه الغير .

                                                                                                                            ( قلت : إلا ابن العم ونحوه ) من كل قريب ليس بمحرم ( فكالأجنبي ، والله أعلم ) أي لا حق له في غسلها قطعا لحرمة نظره لها والخلوة بها وإن كان له في الصلاة حق ( ويقدم عليهم ) أي رجال القرابة المحارم ( الزوج ) حرا كان ، أو عبدا ( في الأصح ) ; لأنه ينظر إلى ما لا ينظرون إليه في حال الحياة ، والثاني يقدمون عليه ; لأن القرابة تدوم والنكاح ينتهي بالموت ، وعلم من ذلك تقديم الأجنبيات على الزوج ، وشرط التقديم الاتحاد في الإسلام ، أو الكفر ، وأن يكون حرا مكلفا ، وأن لا يكون قاتلا للميت ولو بحق كما في إرثه منه ، وكذا الكافر البعيد أولى بالكافر من المسلم والقاتل القريبين كما صرح به القمولي في الأولى ، قال الزركشي : وينبغي أن لا تكون بينهما عداوة بل هو أولى من القاتل بحق ، وأن لا يكون فاسقا ، وقضية كلام الشيخين بل صريحه وجوب الترتيب المذكور ، وهو كذلك [ ص: 454 ] بالنسبة للتفويض لغير الجنس لما فيه من إبطال حق الميت ، أما هو بدون تفويض فمندوب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فيتقدمون ) أي وجوبا في غسل الرجال حيث فوض الجنس إلى غيره وندبا بدون تفويض كما يأتي في قوله : وقضية كلام الشيخين إلخ .

                                                                                                                            [ فرع ] لو فوض الأب مثلا إلى رجل أجنبي مع وجود رجال القرابة والولاء أو لمن هو أبعد مع وجود المقدم عليه فظاهر إطلاق الإسنوي المذكور الجواز ويكون أولى ، ثم رأيت في شرح البهجة عند قول ابن الوردي في التقديم في الصلاة مقدما فيها وغسل الرجل الأب ثم الابن وأعلى وأنزل إلخ ما نصه نقلا عن شرح المهذب : ويقدم مفضول الدرجة على نائب فاضلها في الأقيس ، ونائب الأقرب الغائب على البعيد الحاضر ا هـ . وقد لا يخالفه كلام الإسنوي بأن يجعل المراد منه أعني من كلام الإسنوي بيان الجواز لا غير كما هو ظاهر كلامه ا هـ سم على منهج ( قوله : أولاهم بالصلاة عليه ) انظر هل الأولى بالميت الرقيق قريبه الحر أو سيده ا هـ سم على حج ، والأقرب الثاني ; لأنه لم تنقطع العلقة بينهما بدليل لزوم مؤنة تجهيزه عليه ( قوله : أوجههما لا حق لها ) أي يقتضي أن تقدم به على غيرها ، وهذا لا يستلزم عدم جواز غسلها ، فيجوز لها ذلك كما تقدم ، لكن قد يشكل على هذا تقديم زوجها العبد على رجال القرابة ، وأي فرق بين الذكر والأنثى الرقيقين : حتى يقال إن الزوجة الأمة لا حق لها لبعدها عن المناصب والولايات ، بخلاف العبد مع أنه لا حق له في المناصب والولايات أيضا ، ولعل الفرق أن العبد من جنس الرجال فهو من أهل الولايات في الجملة ولا كذلك الأمة .

                                                                                                                            ( قوله : ; لأن القرابات أنواع ) لكن يحتاج لتقدير مضاف : أي ذوات قراباتها ، أو تجعل القرابة بمعنى القريبة مجازا ليصح الحمل ( قوله : ولو كانت ذكرا كالعمة ) ظاهره ولو بعدت ( قوله ولم يتشاحا ) بأن فوضت إحداهما إلى الأخرى ، أو أراد الاجتماع على الغسل أو طلبته إحداهما فوافقتها الأخرى ( قوله : ثم ذات الولاء ) أي صاحبة الولاء بأن كانت معتقة . أما العتيقة فلا حق لها في الغسل ( قوله : وإنما جعل الولاء في الذكور وسطا ) أي بين الأقارب حيث قدم على ذوي الأرحام وأخروه في الإناث إن [ ص: 453 ] قدموا ذوات الأرحام على ذوات الولاء ( قوله : ويؤدون ديونه ) يتأمل قوله ويؤدون ديونه وينفذون وصاياه ، فإن قضيته أن كلا من هذين حاصل لهم زيادة على الإرث ، وفيه نظر ، فإن قضاء الديون وتنفيذ الوصايا إنما وجب عليهم لكونهم ورثة ، ويأتي مثله في ذوي الأرحام حيث ورثوا ( قوله : لكن لم يذكرا بينهما ترتيبا ) أي وعليه فلعله أخذ الترتيب بينهما لمعنى قام عنده كأن يقال : إن المحرمية بالرضاع أقوى ، لما ورد أن اللحم يتربى من اللبن ، فكأنه حصل جزء من المرضعة في بدن الرضيع ولا كذلك المصاهرة ( قوله : وعليه تقدم بنت عم ) في كلام الزيادي ما يخالفه حيث قال : قوله ذات محرمية ربما يؤخذ من عمومه أن بنت العم البعيدة إذا كانت أما من الرضاع أو أختا تقدم على بنت العم القريبة .

                                                                                                                            ولكن الظاهر كما قاله الإسنوي أن المراد المحرمية من حيث النسبة ولذا لم يعبر بالرضاع هنا بالكلية ( قوله : هي محرم من الرضاع ) وقياسه أن المصاهرة كذلك كبنت ابن عم هي أم زوجة حيث كان الميت ذكرا ( قوله : على بنت عم ) قضية ما ذكر أن البلقيني إنما ذكره في بنتي العم ، وظاهر ما نقله حج خلافه ، وعليه فبنت الخالة مع بنت ابن الخال إذا كان للبعدي محرمية من الرضاع تقدم على القربى ( قوله : كترتيب صلاتهم ) قال في شرح البهجة الكبير : نعم الأفقه أحق من الأسن هنا ، وتقدم ذلك في كلام الشارح . قال سم : وقوله هنا يتعلق بقوله أحق ا هـ ( قوله وشرط التقديم ) أي شرط كونه أولى بالتقديم على غيره ما ذكر . وعليه فلا يمتنع على الكافر تغسيل المسلم ولا على القاتل ونحو ذلك ، لكن ينبغي كراهة ذلك مع وجود من اجتمعت فيه الشروط ، وقد تقدم عن المحلي أنه يكره للذمية تغسيل زوجها المسلم ( قوله : وأن لا يكون قاتلا للميت ) قال في شرح البهجة الكبير بعد ما ذكر : وهذا عداه السبكي إلى غير غسله فقال : ليس لقاتله حق في غسله ولا الصلاة عليه ولا دفنه وهو قضية كلام غيره ، ونقله في الكفاية عن الأصحاب بالنسبة للصلاة ( قوله : وأن لا يكون فاسقا ) قال حج : وأن لا يكون [ ص: 454 ] فاسقا ولا صبيا وإن ميز على الأوجه ا هـ .

                                                                                                                            ويستفاد ذلك من قول الشارح مكلفا إلخ ( قوله : بالنسبة للتفويض لغير الجنس ) فلا يشكل عليه ما تقدم من أن أبا بكر أوصى أن تغسله زوجته ففعلت ; لأن ذلك ليس فيه تفويض ، إذ صورة التفويض أن يمتنع من له الحق من الفعل ويفوضه لغيره ( قوله أما هو ) أي الترتيب إذا لم يكن في تركه تفويض ففيه مسامحة فتأمله .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 452 ] قوله : وإنما جعل الولاء في الذكور وسطا ) أي بين عصبات النسب وذي الرحم [ ص: 453 ] قوله : وعلم من ذلك تقديم الأجنبيات على الزوج ) أي من جريان الخلاف في تقديم رجال القرابة عليه مع أنهم مؤخرون عنهن اتفاقا .




                                                                                                                            الخدمات العلمية