الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويوضع ) ندبا ( رأسه ) أي الميت ( عند رجل القبر ) أي مؤخره الذي سيصير عند سفله رجل الميت ( ويسل ) الميت ( من قبل رأسه ) سلا ( برفق ) من غير عنف ; لأنه السنة في إدخاله .

                                                                                                                            أما الوضع كذلك فلما صح عن بعض الصحابة أنه من السنة .

                                                                                                                            وأما السل فلما صح أنه فعل به صلى الله عليه وسلم ، وما قيل من أنه أدخل من قبل القبلة ضعفه البيهقي وغيره ، وإن حسنه الترمذي ، مع أن ذلك لا يمكن لأن شق قبره لاصق بالجدار ، ولحده تحت الجدار فلا محل هناك يوضع فيه ، قاله في المجموع عن الشافعي وأصحابه ( ويدخله القبر الرجال ) متى وجدوا وإن كان الميت أنثى ، بخلاف النساء لضعفهن عن ذلك غالبا ، ولما صح من أمره صلى الله عليه وسلم أبا طلحة أن ينزل في قبر ابنته أم كلثوم مع أن لها محارم من النساء كفاطمة وغيرها رضي الله عنهم .

                                                                                                                            نعم يندب لهن كما في المجموع أن يلين حمل المرأة من مغتسلها إلى النعش وتسليمها لمن في القبر وحل ثيابها فيه ، وما وقع في المجموع تبعا لراوي الحديث أنها رقية رده البخاري في تاريخه الأوسط ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد موت رقية ولا دفنها : أي لأنه كان ببدر ( وأولاهم ) أي الرجال بذلك ( الأحق بالصلاة ) عليه درجة ، وقد مر بيانه ، وخرج بدرجة الأولى بها صفة إذ الأفقه أولى من الأسن الأقرب ، والبعيد الفقيه أولى من الأقرب غير الفقيه هنا عكس ما في الصلاة عليه [ ص: 6 ] والمراد بالأفقه الأعلم بذلك الباب .

                                                                                                                            قلت : كما قال الرافعي في الشرح ( إلا أن تكون ) ( امرأة مزوجة فأولاهم ) أي الرجال بإدخالها القبر ( الزوج ) وإن لم يكن له في الصلاة عليها حق ( والله أعلم ) لنظره في الحياة ما لا ينظر إليه غيره ويليه الأفقه والأشبه كما قاله الشيخ تقديم محارم الرضاع ومحارم المصاهرة على عبيدها .

                                                                                                                            قال الأذرعي : وقد يقال إن العنين والهم من الفحول أضعف شهوة من شباب الخصيان فيقدمان عليهم ، ثم الأقرب فالأقرب من المحارم ، ثم عبدها ; لأنه كالمحرم في النظر ونحوه ، ثم الممسوح ثم المجبوب ثم الخصي لضعف شهوتهم ، ورتبوا كذلك لتفاوتهم فيها ، ثم العصبة الذي لا محرمية له كبني عم ومعتق وعصبته كترتيبهم في الصلاة ، ثم من لا محرمية له كذلك كبني خال وبني عمة ثم الأجنبي الصالح لخبر أبي طلحة ، ثم الأفضل فالأفضل ، ثم النساء كترتيبهن في الغسل والخناثي كالنساء .

                                                                                                                            ولو استوى اثنان درجة وفضيلة وتنازعا أقرع بينهما كما قاله الإسنوي والسيد في الأمة التي تحل له كالزوج كما بحثه بعض شراح الكتاب .

                                                                                                                            وأما غيرها فهل هو معها كالأجنبي أو لا الوجه لا وإن لم يكن بينهما محرمية ; لأنه في النظر ونحوه كالمحرم وهو أولى من عبد المرأة إذ المالكية أقوى من المملوكية .

                                                                                                                            وأما العبد فهو أحق بدفنه من الأجانب حتما والوالي هنا لا يقدم على القريب جزما .

                                                                                                                            وقضية كلامهم أن الترتيب مستحب لا واجب ولا ينافيه قولهما عن الإمام لا أرى تقديم ذوي الأرحام محتوما بخلاف المحارم ; لأنهم كالأجانب في وجوب الاحتجاب ; لأن [ ص: 7 ] مراده لا أراه حتما في تأدية السنة ، بخلاف الجمهور فإنهم يرونه حتما فيها

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويدخله القبر ) أي ندبا حج ( قوله : الرجال ) ينبغي أن المراد بهم ما يشمل الصبيان حيث كان فيهم قوة ، ( قوله : بخلاف النساء لضعفهن ) أي فيكون مكروها خروجا من خلاف من حرمه ، وعبارة الخطيب : وظاهره في المختصر وكلام الشامل والنهاية أن هذا واجب على الرجال عند وجودهم وتمكنهم ، واستظهره الأذرعي وهو ظاهر ( قوله : أن يلين حمل المرأة من مغتسلها ) وكذا من الموضع الذي هي فيه بعد الموت إلى المغتسل إن لم يكن فيه مشقة عليهن ( قوله : وحل ثيابها فيه ) مثله في المنهج وعبارة حج : شدادها فيه : فيحمل كلامها عليه ، ( قوله : إذ الأفقه أولى من الأسن ) أي فالفاضل صفة يقدم على غيره ، وإن كانت درجته أقرب فليس التقديم بالصفة مخصوصا بالمستويين في الدرجة ، وعبارة سم على منهج قوله درجة قال في شرح البهجة : أي من حيث الدرجات لا الصفات فإنه يقدم هنا الأفقه : أي بالدفن على الأقرب والأسن ، والبعيد الفقيه على الأقرب غير الفقيه ، وثم بالعكس ، ويؤخذ من ذلك تقديم الفقيه على الأسن غير الفقيه وهو مساو لما مر ثمة ا هـ .

                                                                                                                            وقوله ويؤخذ إلخ : أي عند الاستواء في الدرجة وإن لم يساو ما مر تتمة فتأمل .

                                                                                                                            لا يقال : قوله فإنه يقدم هنا الأفقه إلخ فيه التقديم بالصفات فيخالف ما رتبه عليه من أن التقديم بالدرجات لا بالصفات .

                                                                                                                            لأنا نقول : معنى الكلام أنه إذا تجردت الدرجات راعينا ما في الصلاة ، وإذا وجدت الصفات لم يراع ما في الصلاة ، وليس معناه أن لا تقدم إلا بالدرجات ولا تقدم بالصفات كما يتوهم ، والأصوب أن يجاب بأن معنى قوله لا الصفات : أي المعتبرة في الصلاة ، ولم نقدم هنا بالصفات المقدم بها في الصلاة بل بعكسها ، فلا إشكال بوجه فليتأمل .

                                                                                                                            ( قوله : عكس ما في الصلاة عليه ) ولا خلاف أن الوالي لا حق له هنا في الصلاة ، قاله ابن الرفعة ونازعه الأذرعي بأن القياس أنه أحق فله [ ص: 6 ] التقديم أو التقدم ا هـ حج .

                                                                                                                            ثم رأيت قوله الآتي : والوالي هنا لا يقدم على القريب جزما ( قوله : فأولاهم الزوج إلخ ) وقد يشكل عليه تقديمه صلى الله عليه وسلم أبا طلحة وهو أجنبي مفضول على عثمان مع أنه الزوج الأفضل ، والعذر الذي أشير إليه في الخبر على رأي ، وهو أنه كان وطئ سرية له تلك الليلة دون أبي طلحة ظاهر كلام أئمتنا أنهم لا يعتبرونه ، لكن يسهل ذلك أنها واقعة حال ، ويحتمل أن عثمان لفرط الحزن والأسف لم يثق من نفسه بأحكام الدفن فأذن ، أو أنه صلى الله عليه وسلم رأى عليه آثار العجز عن ذلك فقدم أبا طلحة من غير إذن ، وخصه لكونه لم يقارف تلك الليلة .

                                                                                                                            نعم يؤخذ من الخبر أن الأجانب المستوين في الصفات يقدم منهم من بعد عهده بالجماع ; لأنه أبعد عن مذكر يحصل له ولو ماس المرأة ا هـ حج ولا يرد أنهم قالوا في الجمعة إنه يسن أن يجامع ليلتها ليكون أبعد عن الميل إلى من يراه من النساء .

                                                                                                                            لأنا نقول : الغرض ثم كسر الشهوة وهي حاصلة بالجماع تلك الليلة ، والغرض هنا أنه يكون أبعد من تذكر النساء ، وبعد العهد بهن أقوى في عدم التذكر ( قوله : ويليه ) أي الزوج ( قوله : ومحارم المصاهرة ) وقياس ما تقدم في الغسل من أن الظاهر تقديم محارم الرضاع على محارم المصاهرة أنه هنا كذلك ثم رأيته في سم على منهج ( قوله : وقد يقال إن العنين إلخ ) أي من الأجانب ( قوله : ثم الأقرب فالأقرب ) أي بعد الأفقه من المحارم الأقرب إلخ ، ويقدم من المحارم محرم النسب على محرم الرضاع ومحرم الرضاع على العبيد كما علم مما مر ، ولو ذكر حكمه بعد قوله ثم عبدها لكان أولى ، وكذا لو أخر قوله قال الأذرعي إلخ عن قوله ثم الخصي إلخ لكان أولى ( قوله : ثم الممسوح ) أي الأجنبي : وينبغي أيضا تقديمه على ما بعده بالنسبة لعبدها ( قوله : والخناثى كالنساء ) وينبغي تقديمهم على النساء لاحتمال ذكورتهم ( قوله : أقرع ) أي ندبا ( قوله : والسيد في الأمة ) أي فيقدم ( قوله : وهو أولى ) راجع لقوله وإن لم يكن بينهما محرمية ( قوله فهو أحق بدفنه من الأجانب ) قضيته أن أقارب العبد تقدم على سيده وهو قياس ما في الصلاة ، وتقدم لنا عند قول المصنف ثم ذوو الأرحام أنه قد يقال إن السيد [ ص: 7 ] أولى لأن دفنه من مؤن تجهيزه ، وهي على السيد ( قوله : حتما ) أي من غير تردد للأصحاب في ذلك ( قوله : والوالي هنا لا يقدم على القريب جزما ) عبارة حج : ولا خلاف أن الوالي لا حق له هنا ، قاله ابن الرفعة ، ونازعه الأذرعي بأن القياس أنه أحق فله التقديم أو التقدم



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 4 - 5 ] قوله : الأحق بالصلاة عليه درجة ) أي والصورة أنهم متفقون في صفة الفقه أو عدمها بقرينة ما يأتي ( قوله الأولى بها صفة ) المراد بالصفة هنا خصوص الفقه لا مطلق الصفة كما يعلم من كلامه ، وحينئذ فقد يقال لأي معنى : لم يبقى المتن على إطلاقه ليكون أفيد ثم يستثنى منه الأفقه .

                                                                                                                            واستثناء صورة واحدة من المتن مع إبقائه على إطلاقه أسهل من إخراجه عن إطلاقه لأجل هذه الصورة ( قوله : عكس ما في الصلاة ) هو عكس ما في الصلاة من جهتين : [ ص: 6 ] الأولى تقديم مراعاة الصفة على الدرجة إذ الذي مر في الصلاة النظر للدرجة أولا فإن استوت نظر إلى الصفة .

                                                                                                                            الثاني تقديم الفقيه على الأسن




                                                                                                                            الخدمات العلمية