الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويزكى المحرم ) من ذهب أو فضة ( من حلي ) بضم أوله وكسره مع كسر اللام وتشديد الياء واحده حلي بفتح الحاء وإسكان اللام ( و ) من ( غيره ) كالأواني إجماعا ولا أثر لزيادة قيمته بالصنعة ; لأنها محرمة ، فلو كان له إناء وزنه مائتا درهم وقيمته ثلثمائة وجبت زكاة مائتين فقط فيخرج خمسة من نوعه لا من نوع آخر دونه ولا من جنس آخر ولو أعلى ، أو يكسره ويخرج خمسة أو يخرج ربع عشره مشاعا ، [ ص: 89 ] وما كره استعماله كضبة الإناء الكبيرة لحاجة أو الصغيرة لزينة تجب فيها أيضا ( لا ) الحلي ( المباح في الأظهر ) فلا زكاة فيه ; لأنه معد لاستعمال مباح كعوامل المواشي ، وصح ذلك عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، وأجابوا عما ورد مما ظاهره يخالف ذلك بأن الحلي كان محرما في أول الإسلام وبأن فيه إسرافا ، والثاني يزكى لأن زكاة النقد تناط بجوهره ، ورد بأن زكاتنا إنماط بالاستغناء عن الانتفاع به لا بجوهره إذ لا غرض في ذاته ، ولو اشترى إناء ليتخذه حليا مباحا فحبس واضطر إلى استعماله في طهره ، ولم يمكنه غيره فبقي حولا كذلك فهل تلزمه زكاته ؟ الأقرب كما قاله الأذرعي لا لأنه معد لاستعمال مباح ، ولو ورث حليا مباحا ، ولم يعلم به إلا بعد حول وجبت زكاته ; لأنه لم ينو إمساكه لاستعمال مباح ، وفيه احتمال لوالد الروياني إقامة لنية مورثه مقام نيته ، ولا يشكل الأول بالحلي المتخذ بلا قصد شيء ; لأن في تلك اتخاذا دون هذه ، والاتخاذ مقرب للاستعمال بخلاف عدمه ( فمن المحرم الإناء ) من ذهب وفضة بالإجماع للذكر وغيره ، وذكر ذلك هنا لضرورة التقسيم وبيان الزكاة فيه فلا تكرار وهو محرم لعينه ومنه الميل للمرأة وغيرها فيحرم عليهما .

                                                                                                                            نعم إن صدئ ما ذكر بحيث لا يبين جاز له استعماله ، نقله في المجموع عن قطع الشيخ أبي حامد والبندنيجي وصاحب المهذب وآخرين ، ويظهر حمله على صدا يحصل منه شيء بالعرض على النار ليوافق ما مر ، وكذا ميل الذهب لحاجة التداوي ، قاله الماوردي .

                                                                                                                            وهو ظاهر [ ص: 90 ] إذا لم يقم غيره مقامه ، وطراز الذهب إذا حال لونه وذهب حسنه يلتحق بالذهب إذا صدئ على ما قاله البندنيجي كما نقله في الخادم فلا زكاة فيه في الأظهر وفيه نظر ( والسوار ) بكسر السين ويجوز ضمها ( والخلخال ) بفتح الخاء ( للبس الرجل ) والخنثى من ذهب أو فضة لخبر { أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها } والفضة بالقياس عليه ، ولما في ذلك من الخنوثة التي لا تليق بشهامة الرجال ، وما تتخذه المرأة من تصاوير الذهب والفضة حرام تجب فيه الزكاة كما قاله الجرجاني في الشافي ( فلو ) ( اتخذ ) الرجل ( سوارا ) مثلا ( بلا قصد ) من لبس أو غيره ( أو بقصد إجارته لمن له استعماله ) بلا كراهة ( فلا زكاة ) فيه ( في الأصح ) أما في الأولى فلأنها إنما تجب في مال نام والنقد غير نام ، وإنما ألحق بالنامي لتهيئته للإخراج ، وبالصياغة بطل تهيؤه له ، ويخالف قصد كنزه الآتي لصرفه هيئة الصياغة عن الاستعمال فصار مستغنى عنه كالدراهم المضروبة ، وأما في الثانية فكما لو اتخذه ليعيره ولا عبرة بالأجرة كأجرة العاملة ، ولو اتخذه لاستعمال محرم فاستعمله في المباح في وقت وجبت فيه الزكاة ، وإن عكس ففي الوجوب احتمالان ، أوجههما عدمه نظرا لقصد الابتداء .

                                                                                                                            فإن طرأ على ذلك قصد محرم ابتدأ لها حولا من وقته ، ولو اتخذه لهما وجبت قطعا وفيه احتمال ، ومقابل الأصح تجب لأن اسم الزكاة منوط بالذهب والفضة خرج عنه ما قصد به الاستعمال لغرض تزين النساء لأزواجهن فيبقى فيما عداه على الأصل ، وخرج بقوله بلا قصد ما لو قصد اتخاذه كنزا فتجب فيه على الصحيح ( وكذا لو ) ( انكسر الحلي ) المباح استعماله بحيث امتنع ذلك منه ( وقصد إصلاحه ) عند علمه بانكساره وأمكن من غير سبك وصوغ له بأن أمكن بالإلحام لبقاء صورته وقصد إصلاحه فلا زكاة فيه ، وإن دارت عليه أحوال ، فإن لم يقصد إصلاحه بل قصد جعله تبرا أو دراهم أو كنزه أو لم يقصد شيئا أو أحوج انكساره إلى سبك وصوغ وإن قصدهما فتجب زكاته ، وينعقد حوله من وقت انكساره ; لأنه غير مستعمل ولا معد للاستعمال ، وشمل كلامه بما قررته به أنه لو لم يعلم بانكساره إلا بعد عام أو أكثر فقصد إصلاحه لا زكاة أيضا ; لأن القصد يبين أنه كان مرصدا له ، وبه صرح في الوسيط ، فلو علم انكساره ولم يقصد إصلاحه حتى مضى عام وجبت زكاته إن قصد بعده إصلاحه الظاهر عدم الوجوب في المستقبل

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا أثر لزيادة قيمته بالصنعة لأنها محرمة ) أي فإن كانت مباحة اعتبرت القيمة مع الوزن ا هـ حج اعتبارا بهيئته الموجودة حينئذ ، وذلك كأن صاغ حليا لمن يجوز له لبسه ، ثم انتقل منه إلى غيره ممن لا يجوز له لبسه فأمسكه حتى مضى حول مثلا فيعتبر الوزن مع القيمة حيث اتخذه ليؤخره لمن له استعماله ، ثم اشتراه منه من لا يجوز له استعماله أو قصد مالكه استعماله ، وهو ممن يحرم عليه استعماله فيعتبر الوزن مع القيمة ( قوله : أو يخرج ربع عشره مشاعا ) هذا إن كانت الصنعة محرمة كما هو الفرض ، [ ص: 89 ] وإن كانت مباحة ووزنه وقيمته ما ذكر أخرج خمسة دراهم قيمتها مصوغة سبعة ونصف ، ولا يجوز أن يكسره ويخرج منه خمسة دراهم أو يخرج ربعه مشاعا فيبيعه الساعي بذهب ويقسمه بقسمه بين المالك والمستحقين ، كذا في شروح الروض .

                                                                                                                            وقضيته أنه لا يجوز أن يخرج سبعة دراهم ونصفا مضروبة ، ووجهه أن الواجب عليه خمسة دراهم مصوغة ، فإذا أخرج سبعة ونصفا كان ربا لزيادة المخرج على الواجب ، وقد يقال : يرد عليه أن الربا إنما يعتبر في العقود ، وما هنا ليس بعقد ، ثم رأيت في شرح الروض أيضا ما يصرح بجواز ذلك ، وعبارته بعد ما ذكر عنه : وظاهر أنه يجوز إخراج سبعة ونصف نقدا ولا يجوز كسره للأداء منه لضرر الجانبين ( قوله : وما كره استعماله ) كصاحب ضبة الإناء وعبارة سم على بهجة : قوله وكذا المكروه إلخ قوة الكلام تدل على كراهة استعمال إناء فيه ضبة مكروهة ا هـ .

                                                                                                                            وهي تفيد الكراهة في الجميع لا في محل الضبة فقط ( قوله : وصح ذلك عن جمع من الصحابة ) منهم ابن عمر فقد صح عنه أنه كان يحلي بناته وجواريه بالذهب ولا يخرج زكاته ، وصح نحوه عن عائشة وغيرها ا هـ شرح البهجة ( قوله : ورد بأن زكاته إنما تناط إلخ ) أي بعينه ، وإلا فهو غير مستغن عن الانتفاع بصرفه في الحوائج ا هـ سم على بهجة ( قوله : ولو اشترى إناء إلخ ) بقي ما لو صاغ إناء على وجه محرم ، ثم اضطر إلى استعماله في مباح فقصد إعداده له فهل تجب زكاته عملا بالأصل أو لا نظرا للقصد الطارئ ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني للعلة المذكورة ، ثم رأيت ما يأتي عن حج بالهامش وهو صريح فيما ذكر ( قوله : واضطر إلى استعماله ) أي أو لاستعماله للشرب منه لمرض أخبره الثقة أنه لا يزيله إلا هو ، وأمسكه لأجله أو اتخذه ابتداء ذلك ، وقوله في طهره أي مثلا ( قوله : وفيه احتمال لوالد الروياني ) ضعيف ( قوله : ولا يشكل الأول بالحلي إلخ ) أي من الاحتمالين وهو وجوب الزكاة ( قوله : بلا قصد شيء ) أي حيث لا زكاة فيه ( قوله لأن في تلك ) أي وهي ما لو اتخذه بلا قصد شيء ( قوله : دون هذه ) أي وهي ما لو ورث حليا إلخ ( قوله : جاز له استعماله ) أي ولا زكاة فيه حينئذ ; لأنه صار معدا للاستعمال مباحا ( قوله : ويظهر حمله على صدا ) بالقصر ( قوله : يحصل منه شيء بالعرض على النار ) أي لو كان الصدأ من النحاس ، وإلا فالصدأ الحاصل من مجرد الوسخ لا يحصل منه شيء بالعرض على النار ( قوله : وكذا ميل الذهب ) [ ص: 90 ] أي وكالذي صدئ ميل إلخ ( قوله : إذا لم يقم غيره مقامه ) أي أما إذا قام غيره مقامه لم يجز ، وإن كان الذهب أصلح ( قوله : إذا حال لونه ) أي تغير ( قوله : وفيه ) أي إلحاقه بالذهب نظر معتمد ، ووجهه أنه ذهب ذات وهية ، بخلاف ما صدئ فإن صداه يمنع صفة الذهب عنه ( قوله : ويجوز ضمها ) وفيه ثلاثة أسوار بضم الهمزة حكاها المصنف في شرح مسلم ، وحكى الحافظ المنذري الكسر أيضا ا هـ دم : أي كسر الهمزة .

                                                                                                                            ( قوله : حرام تجب فيه الزكاة ) أي حيث كان على صورة حيوان يعيش بتلك الهيئة ، بخلاف الشجر وحيوان مقصوع الرأس مثلا فلا يحرم اتخاذه واستعماله ، ولكن ينبغي أن يكون مكروها فتجب زكاته كما مر في الضبة للحاجة ( قوله أما في الأولى ) هي قوله بلا قصد وقوله وأما في الثانية هي قوله أو بقصد ( قوله : فإن طرأ على ذلك قصد محرم ) أي وإن طرأ على المحرم قصد مباح فقياس ما ذكر انقطاع تعلق الزكاة به من حين القصد ، وعبارة حج : ولو قصد مباحا ، ثم غيره لمحرم أو عكسه تغير الحكم ( قوله : وخرج بقوله بلا قصد ما لو قصد اتخاذه كنزا ) أي بأن اتخذه ليدخره ولا يستعمله لا في محرم ولا في غيره ، كما لو ادخره ليبيعه عند الاحتياج إلى ثمنه ، ولا فرق في هذه الصورة بين الرجل والمرأة ( قوله : أو لم يقصد شيئا ) قد يشكل هذا بعدم الوجوب في حلي اتخذه بلا قصد كما تقدم قريبا ، ويجاب بأن الكسر هنا المنافي للاستعمال قربه من التبر وأعطاه حكمه ا هـ سم على بهجة ( قوله : فقصد إصلاحه ) أفهم أنه لو لم يقصد إصلاحه حين علم به تجب الزكاة ، ويوجه بمثل ما علل به كأن يقال : لأن عدم قصد الإصلاح بعد [ ص: 91 ] العلم يبين أنه خرج عن قصد الاستعمال من حين الكسر فتجب زكاته من حينه




                                                                                                                            الخدمات العلمية