الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) يحل للرجل من الفضة ( حلية آلات الحرب كالسيف ) وأطراف السهام والدرع والخوذة ( والرمح والمنطقة ) بكسر الميم ما يشد بها الوسط والترس والخف وسكين الحرب ; لأن في ذلك إغاظة للكفار ، وقد ثبت { أن قبيعة سيفه صلى الله عليه وسلم كانت من فضة } ، ولأنه { صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة } رواه الترمذي وحسنه لكن خالفه ابن القطان فضعفه ، وهو الموافق لجزم الأصحاب بتحريم تحلية ذلك بالذهب .

                                                                                                                            أما سكين المهنة والمقلمة فيحرم على الرجل وغيره تحليتها كما يحرم عليهما تحلية الدواة والمرآة والمنطقة ( لا ) حلية ( ما لا يلبسه كالسرج واللجام ) والركاب والقلادة والثفر وأطراف السيور ( في الأصح ) ; لأنه غير ملبوس له كالآنية .

                                                                                                                            والثاني يجوز كالسيف وخرج بالفضة الذهب فلا يحل منه لمن ذكر شيء لما فيه من زيادة الخيلاء وظاهر من حل تحلية ما ذكر أو تحريمه حل استعماله أو تحريمه محلى ، لكن إن تعينت الحرب على المرأة والخنثى ولم يجدا غيره حل استعماله ، ومحل الخلاف في المقاتل أما غيره فيحرم جزما ، وظاهر كلامهم عدم الفرق في تحلية آلة الحرب بين المجاهد وغيره [ ص: 94 ] كذلك إذ هو بسبيل من أن يجاهد ، ووجهه أنها تسمى آلة حرب وإن كانت عند من لا يحارب ، ولأن إغاظة الكفار ولو من بدارنا حاصلة مطلقا ( وليس للمرأة ) ومثلها الخنثى احتياطا ( حلية آلة الحرب ) بذهب أو فضة وإن جاز لهن المحاربة بآلتها لما في ذلك من التشبه بالرجال ، وهو حرام كعكسه لما ورد من اللعن على ذلك ، وهو لا يكون على مكروه .

                                                                                                                            لا يقال : إذا جاز لهن المحاربة بآلتها غير محلاة فمع التحلية أجوز إذ التحلي لهن أوسع من الرجال .

                                                                                                                            لأنا نقول : إنما جاز لهن لبس آلة الحرب للضرورة ولا ضرورة ولا حاجة إلى الحلية ( ولها ) وللصبي أو المجنون ( لبس أنواع حلي الذهب والفضة ) إجماعا للخبر المار كسوار وخاتم وطوق وحلق في آذان وأصابع ومنه التاج فيحل لها لبسه مطلقا وإن لم تكن ممن اعتاده كما هو الصواب في باب اللباس من المجموع ، وهو المعتمد لعموم الخبر ودخوله في اسم الحلي ، ويحل لها النعل منهما ، ولو تقلدت دراهم أو دنانير مثقوبة بأن جعلتها في قلادتها زكتها بناء على تحريمها وهو المعتمد كما في الروضة ، وما في المجموع في باب اللباس من حلها محمول على المعراة وهي التي جعل لها عرى وجعلتها في قلادتها ، فإنه لا زكاة فيها ; لأنها صرفت بذلك عن جهة النقد إلى جهة أخرى بخلاف غيرها ( وكذا ) لها لبس ( ما نسج بهما ) أي الذهب والفضة من الثياب كالحلي ; لأن ذلك من جنسه ( في الأصح ) لعموم الأدلة .

                                                                                                                            والثاني لا ، لزيادة السرف والخيلاء ( والأصح تحريم المبالغة في السرف ) في كل ما أبحناه ( كخلخال ) أي مجموع فردتيه لا إحداهما للمرأة ( وزنه مائتا دينار ) أي مثقال ، إذ المقتضي لإباحة الحلي لها التزين للرجال المحرك للشهوة الداعي لكثرة النسل ، ولا زينة في مثل ذلك بل تنفر منه النفس لاستبشاعه ، ويؤخذ من هذا التعليل [ ص: 95 ] إباحة ما يتخذه النساء في زمننا من عصائب الذهب والتراكيب ، وإن كثر ذهبها إذ النفس لا تنفر منها بل هي في نهاية الزينة .

                                                                                                                            والثاني لا يحرم كما لا يحرم اتخاذ أساور وخلاخيل لتلبس الواحد منها بعد الواحد ، ويأتي في لبس ذلك معا ما مر في الخواتيم للرجل ، وخرج بالمبالغة ما لو أسرفت ولم تبالغ فلا يحرم لكنه يكره فتجب الزكاة في جميعه فيما يظهر لا في القدر الزائد ، وفارق ما مر في آلة الحرب ( حيث لم يغتفر فيه عدم المبالغة ) بأن الأصل في الذهب والفضة حلهما للمرأة ، بخلافهما لغيرها فاغتفر لها قبل السرف ، وما تقرر من اغتفار السرف من غير مبالغة هو ما اقتضاه كلام ابن العماد وجرى عليه بعض المتأخرين ، والأوجه الاكتفاء فيهما بمجرد السرف ، والمبالغة فيه جري على الغالب وكالمرأة الطفل في ذلك ، لكن لا يقيد بغير آلة الحرب فيما يظهر ، وخرج بالمرأة الرجل والخنثى فيحرم عليهما لبس حلي الذهب والفضة على ما مر ، وكذا ما نسج بهما إلا إن فجأتهما الحرب ، ولم يجدا غيره كما مر أيضا ( وكذا ) يحرم ( إسرافه ) أي الرجل ( في آلة الحرب ) في الأصح وإن لم يبالغ فيه لما مر ، والسرف مجاوزة الحد ، ويقال في النفقة التبذير وهو الإنفاق في غير حق ، فالسرف المنفق في معصية وإن قل إنفاقه وغيره المنفق في طاعة وإن أفرط

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والمنطقة ) لم يشترط الشيخ كونها معتادة ، وفي الدميري بشرط أن تكون معتادة فلو اتخذ منطقة ثقيلة لم يمكنه لبسها من فضة ، أو اتخذت المرأة حليا ثقيلا لا يمكنها لبسه وجبت الزكاة قطعا ; لأنه غير معد لاستعمال مباح ( قوله : أن قبيعة سيفه ) هي ما على مقبضه من فضة أو حديد ا هـ مختار ( قوله : لجزم الأصحاب بتحريم تحلية ذلك بالذهب ) معتمد ، والتحلية فعل عين النقد في محال متفرقة مع الإحكام حتى تصير كالجزء منها ، ولإمكان فصلها مع عدم ذهاب شيء من عينها فارقت التمويه السابق من أول الكتاب أنه حرام ، لكن قضية كلام بعضهم جواز لتمويه بها حصل منه شيء أو لا على خلاف ما مر في الآنية ، وقد يفرق بأن هنا حاجة للزينة باعتبار ما من شأنه بخلافه ثم ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم قوله السابق أول الكتاب إلخ تقدم بهامشه ما ينبغي مراجعته ( قوله أما سكين المهنة ) ومنها المقشط ( قوله : والمقلمة ) بالكسر وعاء الأقلام ا هـ مختار ( قوله : والمرآة والمنطقة ) تقدم عدها من آلة الحرب ، وأن تحليتها جائزة للرجل فعدها هنا مما يحرم على الرجل وغيره مخالف لذلك ; ثم رأيت في نسخ صحيحة إسقاطها من هنا ، وعلى تقدير ثبوتها فيمكن حملها على منطقة غير المقاتل ( قوله : ومحل الخلاف في المقاتل ) أي ولو بالقوة كالجند المعدين للحرب لكن التقييد [ ص: 94 ] بذلك ينافيه قوله وظاهر كلامهم إلخ ، وعبارة حج : آلات الحرب للمجاهد كالمرتزق ا هـ .

                                                                                                                            وهي تفيد أن المعدين للجهاد يجوز لهم ذلك دون غيرهم ، ويمكن دفع المنافاة بأن يراد بالمقاتل ما من شأنه ذلك ، وبما يأتي من يتأتى منه في الجملة ، على أنه قد يقال وهو الظاهر أن قوله ومحل الخلاف مفروض فيما لا يلبسه كالسرج ونحوه دون آلة الحرب ، فإنه لم يحك فيها خلافا ، وقوله وظاهر كلامهم إلخ مفروض في آلة الحرب ( قوله : وإن جاز لهن ) أي للنساء والخناثى ( قوله : في أذان وأصابع ) أي سواء أصابع اليدين والرجلين .

                                                                                                                            وعبارة سم على منهج : قوله وحرم عليهما أصبع التقييد بهما كالصريح في حل الأصبع للمرأة وهو ظاهر لحل الذهب لها ولأن فيه زينة ، لكن منعه مر فقال بالحرمة فيها أيضا ( قوله : ويحل لها ) ومثلها الصبي والمجنون فذكر المرأة للتمثيل ( قوله : محمول على المعراة ) وهي التي تجعل لها عروة من ذهب أو فضة وتعلق بها في خيط كالسبحة وإطلاق العروة يشمل ما لو كانت من حرير أو نحوه وفيه نظر ( قوله : وكذا لها ) في نسخة ولمن ذكر ممن مر ( قوله : ما نسج بهما ) أفهم أن غير اللبس من الافتراش والتدثر بذلك لا يجوز ، وقياس ما مر في افتراش الحرير حله لها إلا أن يفرق بأنه إنما جوز لها لبس ما نسج بالذهب والفضة لحصول الزينة المطلوب منهما تحصيلها للزوج ، وهو منتف في الفرش وإنما جاز لها افتراش الحرير لأن بابه أوسع .

                                                                                                                            وفي الروضة : ولبس الثياب المنسوجة بالذهب والفضة فيه وجهان أصحهما الجواز انتهى .

                                                                                                                            قال السيد في حاشيتها : لم يتعرضوا لافتراش المنسوج بهما كالمقاعد المطرزة بذلك .

                                                                                                                            قال الجلال البلقيني : وينبغي أن يبنى ذلك على القولين في افتراش الحرير ، ووجه البناء أن الحرير لهن لبسه وفي افتراشه قولان ، وكذلك الذهب والفضة يحل لهن لبسهما فبقي مجيء القولين في الافتراش .

                                                                                                                            قلت : وقد يلحظ مزيد السرف في الافتراش هنا كما سبق في لبس النعل بخلاف الحرير انتهى شوبري .

                                                                                                                            وقوله في لبس النعل المعتمد فيه الجواز فيكون المعتمد في الفرش [ ص: 95 ] الجواز أيضا ( قوله : من عصائب الذهب والتراكيب ) التي تفعل بالصوغ ، وتجعل على العصائب .

                                                                                                                            أما ما يقع لنساء الأرياف من الفضة المثقوبة أو الذهب المخيط على القماش فحرام كالدراهم المثقوبة المجعولة في القلادة كما مر ، وقياس ذلك أيضا حرمة ما جرت به العادة من ثقب دراهم وتعليقها على رأس الأولاد الصغار وهو قضية قوله الآتي : وكالمرأة الطفل في ذلك ( قوله : ولم تبالغ فلا يحرم ) ضعيف ( قوله بمجرد السرف ) والمراد بالسرف في حق المرأة أن تفعله على مقدار لا يعد مثله زينة كما أشعر به قوله السابق بل تنفر منه النفس إلخ ، وعليه فلا فرق فيه بين الفقراء والأغنياء ( قوله : والسرف مجاوزة الحد ) عبارة الكرماني على البخاري في أول كتاب الوضوء نصها : الإسراف هو صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي ، بخلاف التبذير فإنه صرف الشيء فيم لا ينبغي ا هـ .

                                                                                                                            وعليه فالصرف في المعصية يسمى تبذيرا ومجاوزة الثلاث في الوضوء يسمى إسرافا ، وهو خلاف ما اقتضاه كلام الشارح



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وظاهر من حل تحلية ما ذكر أو تحريمه حل استعماله ) فيه نظر ( قوله : لكن إن تعينت إلخ ) استدراك على ما شمله ما قبله ممن كونه إذا حرم التحلية حرم اللبس فتستثنى منه هذه فتحرم تحليته لها ويحل لها لبسه في الحالة المذكورة [ ص: 94 - 95 ] قوله : حيث لم يغتفر فيه عدم المبالغة ) أي حيث يغتفر فيه أصل السرف للرجل وإن لم يبالغ




                                                                                                                            الخدمات العلمية