الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وهو ) أي يوم الشك ( يوم الثلاثين من شعبان ) ( إذا تحدث الناس برؤيته ) ولم يعلم من رآه ( أو شهد بها صبيان أو عبيد أو فسقة ) أو نساء وظن صدقهم ، ، أو عدل ولم يكتف به وإنما لم يصح صومه عن رمضان لعدم ثبوت كونه منه .

                                                                                                                            نعم من ( اعتقد صدق من قال إنه رآه ممن ذكر يصح منه صومه بل يجب عليه ) كما قاله البغوي وغيره ، ومر صحة نية معتقد ذلك ولو بقول واحد ممن ذكر وقوع الصوم عن رمضان إذا تبين كونه منه فلا تنافي بين ما ذكر في المواضع الثلاث كما زعمه بعضهم ، وأجيب عما زعمه أيضا بأجوبة أخرى فيها نظر ، وأجاب العراقي عن ذلك أخذا من كلام السبكي بأن كلامهم هناك فيما إذا تبين كونه من رمضان وهنا فيما إذا لم يتبين شيء ، فليس الاعتماد على هؤلاء في الصوم بل في النية فقط ، فإذا نوى اعتمادا على قولهم ثم تبين ليلا كونه من رمضان لا يحتاج إلى تجديد نية أخرى : ألا تراهم لم يذكروا هذا فيما يثبت به الشهر وإنما ذكروه فيما يعتمد عليه في النية ا هـ .

                                                                                                                            وقال الأذرعي : يجوز أن يكون الكلام في يوم الشك في عموم الناس لا في أفرادهم ، فيكون شكا بالنسبة إلى غير من ظن صدقهم وهو أكثر الناس دون أفراد ; من اعتقد صدقهم

                                                                                                                            [ ص: 180 ] لوثوقه بهم ألا ترى أنه ليس بشك بالنسبة إلى من رآه من الفساق والعبيد والنساء بل هو رمضان في حقهم قطعا ومر أن الجمع في الصبيان ونحوهم غير معتبر فالاثنان كذلك .

                                                                                                                            وقضية كلامه كأصله أن يوم الشك يحصل بما ذكر سواء أطبق الغيم أم لا ، لكن قيده صاحب البهجة تبعا للطاوسي والبارزي والقونوي بعدم إطباق الغيم فمع إطباقه لا يورث شيء مما ذكر الشك والأول كما أفاده الشيخ أوجه ، وقول الشارح والسماء مصحية تبع فيه من ذكر ، ويمكن حمله على التمثيل وقد عمت البلوى كثيرا بثبوت هلال الحجة يوم الجمعة مثلا ثم يتحدث الناس برؤيته ليلة الخميس وظن صدقهم ولم يثبت فهل يندب صوم يوم السبت لكونه يوم عرفة على تقدير كمال ذي القعدة أم يحرم لاحتمال كونه يوم العيد ؟ وقد أفتى الوالد رحمه الله تعالى بالثاني لأن دفع مفسدة الحرام مقدمة على تحصيل مصلحة المندوب ( وليس إطباق الغيم ) ليلة الثلاثين ( بشك ) لأنا تعبدنا فيه بإكمال العدة فلا يكون هو يوم شك بل يكون من شعبان للخبر المار ، ( ولا أثر لظننا رؤيته لولا السحاب لبعده عن الشمس ولو كانت السماء مصحية ) وتراءى الناس الهلال فلم يتحدث برؤيته فليس بيوم شك ، وقيل هو يوم شك ، ولو كان في السماء قطع سحاب يمكن أن يرى الهلال من خلالها وأن يخفى تحتها ولم يتحدث برؤيته فقيل هو يوم شك وقيل لا ، قال في الروضة : الأصح ليس بشك

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولم يكتف به ) أي على المرجوح السابق ( قوله : ثم تبين ليلا كونه من رمضان ) قال سم على شرح البهية ، قوله ليلا يتجه على هذا الجواب أن التبين نهارا كذلك ، ولعل اقتصار الشارح على قوله ليلا ليتأتى قوله لا يحتاج إلى تجديد نية أخرى

                                                                                                                            [ ص: 180 ] قوله : فالاثنان كذلك ) ومثلهما الواحد كما تقدم له ( قوله : وقيل هو يوم شك ) انظر ما فائدة الخلاف مع أنه يحرم صومه على كل تقدير ، إذ بفرض أنه ليس بشك هو يوم من النصف الثاني من شعبان وصومه حرام ثم رأيت سم على شرح البهجة قال ما نصه : قوله وإذا انتصف شعبان حرم الصوم إلخ ، هذا قد يوجب أنه لا خصوصية ليوم الشك لأنه مع الواصل بما قبله يجوز صوم يوم الشك وغيره ، ومع عدم الوصل يمتنع صوم كل واحد منهما إلا أن تجعل الخصوصية أنه عند عدم الوصل يحرم صوم يوم الشك من جهتين بخلاف غيره فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                            وقد يقال أيضا : فائدة الخلاف تظهر في التعاليق كما لو قال إن كان اليوم الفلاني يوم شك فعبدي حر أو نحوه فيؤاخذ بذلك حيث قلنا إنه شك



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 179 ] قوله : ومر صحة نية معتقد ذلك ) أي ظانه كما مر تفسيره به في كلامه وهو الذي ينتفي به التنافي .

                                                                                                                            وحاصل ذلك كما قرره حج في مبحث النية أن ظن صدق هؤلاء مصحح للنية فقط ، ثم إن تبين كونه من رمضان بشهادة معتبرة صح صومه اعتمادا على هذه النية ، وإن لم يتبين فهو يوم شك يحرم صومه ، هذا إذا لم يعتقد صدقهم ، فإن اعتقد ذلك بأن وقع الجزم بخبرهم ; صح الصوم اعتمادا على ذلك ( قوله : كما زعمه بعضهم ) يعني التنافي وكان الأولى أن يقول : وإن زعمه بعضهم ( قوله : بأن كلامهم هناك ) يعني في مبحث النية فهذا جمع بين موضعين فقط على أنه هو عين الجمع الذي قبله ، فلا حاجة إليه معه ( قوله : فإذا نوى اعتمادا على قولهم ) أي بأن كان الواقع مجرد الظن كما علم ( قوله : بالنسبة إلى غير من ظن صدقهم ) [ ص: 180 ] يعني : اعتقده كما يعلم مما بعده




                                                                                                                            الخدمات العلمية