الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويشترط كونها ) أي الأجرة السابقة ( فاضلة عن الحاجات ) ( المذكورة فيمن حج بنفسه ) وقد مر بيانها ( لكن لا يشترط نفقة العيال ) ولا غيرها من مؤنتهم ( ذهابا وإيابا ) لإقامته عندهم وتمكنه من تحصيل مؤنته ومؤنتهم .

                                                                                                                            نعم يشترط كون الأجرة فاضلة عن مؤنته ومؤنتهم يوم الاستئجار ( ولو ) وجد دون الأجرة ورضي الأجير به لزمه الاستئجار لاستطاعته ، والمنة فيه دون المنة في المال فلو لم يجد أجرة و ( بذل ) بالمعجمة أي أعطى له ( ولده أو أجنبي مالا للأجرة لم يجب قبوله في الأصح ) لما فيه من المنة .

                                                                                                                            والثاني يجب كبذل الطاعة والأب كالابن في أصح احتمالي الإمام ، وعلى الأول لو كان الولد المطيع عاجزا عن الحج أيضا وقدر على أن يستأجر له من يحج عنه وبذل له ذلك وجب الحج عن المبذول له كما نقله في الكفاية عن البندنيجي وجماعة .

                                                                                                                            وفي المجموع عن تصحيح المتولي : لو استأجر المطيع إنسانا للحج عن المطاع المعضوب فالمذهب لزومه إن كان المطيع ولدا لتمكنه ، فإن كان المطيع أجنبيا فوجهان ا هـ .

                                                                                                                            والأوجه عدم اللزوم كما اقتضاه كلام المصنف واعتمده الأذرعي ، [ ص: 254 ] وإن اقتضى كلام أبي حامد لزومه وكالولد في هذا الوالد ( ولو بذل الولد ) وإن سفل ذكرا كان أو أنثى ( الطاعة ) في فعل النسك بنفسه ( وجب قبوله ) وهو الإذن له ذلك لحصول الاستطاعة مع خفة المنة بالنسبة للمال ، فإن امتنع لم يأذن عنه الحاكم في الأصح إذ مبنى الحج على التراخي ، كذا صرح به في الروضة ، ووقع في المجموع أن الحاكم يلزمه بالإنابة .

                                                                                                                            قال الإسنوي : وهو غير مستقيم ولم نر من قال به ، والمدرك في الإنابة والاستئجار واحد ، واعترضه الزركشي في خادمه ( وكذا الأجنبي ) لو بذل الطاعة يجب قبوله ( في الأصح ) لما ذكر والأب والأم والأخ في بذل الطاعة كالأجنبي . والثاني لا لكون الولد بضعة منه فنفسه كنفسه بخلاف غيره ، ومحل اللزوم إذا وثق بهم ولم يكن عليهم حج ولو نذرا وكانوا ممن يصح منهم فرض الإسلام ولا عضب بهم . ولو توسم طاعة واحد منهم لزمه سؤاله كما اقتضاه كلام الأنوار وغيره ولا يلزم الولد طاعته ، بخلاف إعفافه لعدم الضرر على الوالد هنا بامتناع ولده من الحج إذ هو حق الشرع ، فإذا عجز عنه لم يأثم ولم يكلف به بخلافه ثم فإنه لحق الوالد وضرره عليه فأشبه النفقة .

                                                                                                                            قاله في المجموع ، ومتى كان الأصل وإن علا أو الفرع وإن سفل ماشيا أو معولا على الكسب أو السؤال ولو راكبا أو كان كل منهما ومن الأجنبي مغررا بنفسه بأن يركب مفازة لا كسب بها ولا سؤال لم يلزمه قبول في ذلك لمشقة مشي من ذكر عليه بخلاف مشي الأجنبي ، والكسب قد ينقطع والسائل قد يمنع والتغرير بالنفس حرام ، ومر أن القادر على المشي والكسب في يوم كفاية أيام غير معذور في السفر القصير فيظهر كما قاله الأذرعي وجوب القبول في المكي ونحوه ، وحيث أجاب المطاع لم يرجع ، وكذا المطيع إن أحرم ، ولو مات المطيع أو المطاع أو رجع المطيع فإن كان بعد إمكان الحج سواء أذن له المطاع أم لا كما أفاده كلام المجموع خلافا لما يوهمه كلام الروضة استقر الوجوب في ذمة المطاع وإلا فلا ، واقتضاء كلام المجموع أن الاستقرار إنما هو في ذمة المطيع غير مراد وإن اغتر به في الإسعاد إذ كيف يستقر في ذمته مع جواز الرجوع كما مر ، ووجوب قبول المطيع خاص بالمعضوب خلافا لما يوهمه كلام الحاوي ، فلو تطوع آخر عن ميت بفعل حجة الإسلام لم يجب على الوارث قبوله ; لأن له الاستقلال بذلك من غير إذن كما مر ، ولو كان له مال ولم يعلم به أو من يطيعه ولم يعلم بطاعته وجب عليه الحج اعتبارا بما في نفس الأمر ، وما استشكله الشيخان من أنه معلق بالاستطاعة ولا استطاعة مع عدم العلم بالمال والطاعة يمكن الجواب عنه بأن الاستطاعة : إما استطاعة بالنسبة للمباشرة وهذه منتفية مع الجهل وإما بالنسبة للاستقرار وهي غير منتفية فيه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لو كان الولد المطيع عاجزا ) فهم أن القادر إذا بذل ذلك لا يجب قبوله وهو ظاهر ( قوله : والأوجه عدم اللزوم ) أي عدم لزوم قبول ذلك من الولد في المسألتين خلافا لابن حجر فيهما والكلام في الولد القادر لما مر

                                                                                                                            [ ص: 254 ] في العاجز ( قوله : بضعة منه ) بفتح الباء ، قال في المختار : والبضعة بالفتح : القطعة من اللحم والجمع بضع مثل تمرة وتمر ، وقيل بضع مثل بدرة وبدر ( قوله : ولو توسم ) أي جوز ( قوله : وحيث أجاب المطاع لم يرجع ) أي لم يجز له الرجوع حتى لو رجع وترتب على رجوعه امتناع المطيع من الفعل تبين عصيانه واستقرار الحج في ذمته ( قوله وهي غير منتفية فيه ) أي ومع ذلك فلا إثم عليه لعذره



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وبذل له ) أي الأجير ( قوله لو كان الولد المطيع عاجزا ) قال في التحفة : أو قادرا ا هـ .

                                                                                                                            وأخذ الشيخ في الحاشية بمفهوم هذا القيد ثم استظهره ، والظاهر أنه بحسب ما فهم ولم يطلع على ما قاله في التحفة فليراجع ( قوله : على المبذول له ) اللام للتعليل أي المبذول لأجله ( قوله وفي المجموع إلخ ) صدر ما في المجموع هو ما في البيان وإنما ساقه بعده لبيان حكم الأجنبي ( قوله : والأوجه ) أي من الوجهين فهو في الأجنبي خلافا لما وقع في حاشية الشيخ من رجوعه للمسألتين وعبارة الأذرعي .

                                                                                                                            وقال البغوي في تعليقه بعد قوله إن الأصح أنه لا يلزم قبول المال .

                                                                                                                            وقال الشيخ أبو حامد إذا قال رجل للمعضوب ائذن لي حتى أستأجر من يحج عنك يلزم كما بذل له الطاعة ، والأصح أنه لا يلزم لأنه في ضمنه تقليد منة المال ا هـ وهو كما قال .

                                                                                                                            وادعى [ ص: 254 ] الروياني أن المذهب ما قاله أبو حامد ا هـ كلام الأذرعي ( قوله : سواء أذن له المطاع أم لا ) هذا لا ينافيه أنه لا يصح حجه عنه إلا بإذنه ، لأن الكلام هنا في مجرد الاستقرار كما لا يخفى ( قوله : ووجوب قبول المطيع ) المصدر مضاف لمفعوله .




                                                                                                                            الخدمات العلمية