الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( أو ) اختلفا في ( الثياب التي على العبد المغصوب أو في عيب خلقي ) كأن قال الغاصب ولد فاقد الرجل أو أعمى وقال المالك كان سليما وإنما حدث عندك ( صدق الغاصب بيمينه ) في ذلك [ ص: 173 ] لأن الأصل براءة ذمته في الأولى من الزيادة وعلى المالك البينة . فإن أقام المالك بينة على أن القيمة أكثر مما قاله الغاصب من غير تقدير سمعت وكلف الغاصب الزيادة على ما قاله إلى حد لا تقطع البينة بالزيادة عليه ، وإن أقامها على الصفات ليقومه المقومون بها لم تقبل . نعم يستفيد المالك بإقامتها إبطال دعوى الغاصب مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات وصار كما لو أقر الغاصب بالصفات وذكر قيمة حقيرة فيؤمر بالزيادة إلى حد اللائق ، وإن أقامها بقيمته قبل الغصب لم تسمع على الصحيح ولأن يد الغاصب في الثانية على العبد وما عليه . أما الحر فلا يثبت على نحو غاصبه يد كما مر ، ولأن الأصل في الثالثة العدم وإقامة البينة ممكنة ( وفي عيب حادث ) بعد تلفه كأن قال الغاصب كان أقطع أو سارقا ( يصدق المالك بيمينه ) ( على الصحيح ) لأن الأصل والغالب السلامة ، والثاني يصدق الغاصب لأن الأصل براءة ذمته . فإن رده الغاصب معيبا وقال غصبته هكذا وادعى المالك حدوثه عنده صدق [ ص: 174 ] الغاصب إذ الأصل براءة ذمته مما يزيد على تلك الصفة ، وما قيل من عدم تقييد ذلك برد المغصوب إذ لو تلف فالحكم كذلك أخذا من التعليل المذكور ومن مسألة الطعام الآتية رد بأن الغاصب في التلف قد لزمه الغرم فضعف جانبه بخلافه بعد الرد ، ولو غصب ثوبا ثم أحضر للمالك ذلك وقال هذا الذي غصبته منك وقال المالك بل غيره جعل المغصوب كالتالف على ما اعتمده البلقيني فيلزم الغاصب القيمة ، فإذا قال المالك غصبت مني ثوبا قيمته عشرة وقال الغاصب هو هذا الثوب وقيمته خمسة لزم الغاصب للمالك خمسة ، هذا . والأوجه أنه مقر بثوب لمن ينكره فيبقى في يد المقر ويحلف أنه لم يأخذ سواه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 173 ] قوله : سمعت ) أي بخلاف الدعوى في هذا وغيره فإنها لا بد أن تكون بقدر معين نبه عليه السبكي ا هـ سم على منهج . أقول : وعليه فتصور المسألة هنا بأن يدعي المالك الزيادة على ما ذكره الغاصب بقدر معين فتشهد البينة بأن قيمته تزيد على ما ذكره الغاصب من غير تعيين شيء ( قوله : لا تقطع البينة ) أي بأن تجوز الزيادة وعدمها ( قوله : وإن أقامها ) أي المالك ( قوله بإقامتها ) أي على الصفات ( قوله : وصار ) أي الحال بعد إقامة إلخ ( قوله : إلى الحد اللائق ) أي فإن امتنع من ذلك حبس عليه ( قوله : وإن أقامها هو ) وقوله السابق وإن أقامها على الصفات مقابلان لقوله أولا : فإن أقام المالك بينة على أن القيمة أكثر مما قاله الغاصب إلخ ( قوله : لم تسمع ) أفهم على أنها لو شهدت على أن قيمته بعد الغصب كذا قبلت ، وعليه يحمل كلام التجريد السابق ( قوله : على العبد وما عليه ) ومن ثم لو غصب حرا أو سرقه لم تثبت يده على ثيابه فيصدق الولي أنها لموليه حج : أي بلا يمين فتبقى تحت يده من غير استعمال لها ، وكتب عليه سم قال في شرح الروض : فينتظر بلوغ الصبي ليحلف ا هـ ومثله إفاقة المجنون فينتظر ، فإن امتنع بعد البلوغ والإفاقة من الحلف ردت اليمين على الغاصب وقضي له بها ، فإن أيس من إفاقة المجنون فهل ترد اليمين على الغاصب فيقضى له بما ذكره أو لا ويوقف الأمر ؟ فيه نظر ( قوله : أما الحر إلخ ) أي وأما المبعض البالغ لو اختلف هو والغاصب في الثياب التي عليه فينبغي تصديق المبعض فيما يقابل الحرية وتصديق الغاصب فيما يقابل الرق . وأما الصبي فينبغي أيضا أن يوقف الأمر فيما يخص الحرية إلى البلوغ ثم يحتمل تخصيص ما ذكر بمن بينه وبين سيده مهايأة ، ويحتمل وهو الظاهر أنه لا فرق لأن اليد للمبعض على ثيابه المنسوبة إليه لا فرق في ذلك بين نوبة السيد ونوبته ( قوله : فلا يثبت على نحو غاصبه يد ) الأولى فلا يثبت لنحو غاصبه على ما عليه يد ، ولعل الأصل لا يثبت عليه لنحو إلخ ، ويمكن بقاؤها على ظاهرها وتصوره بما لو غصب حرا وعليه ثياب وبليت تحت يد المغصوب فلا يطالب الغاصب بها حينئذ ( قوله : والغالب ) عطف تفسير ( قوله فإن رده ) محترز قوله بعد تلفه ( قوله : معيبا ) . [ ص: 174 ]

                                                                                                                            [ فرع ] لو حم العبد عنده فرده محموما فمات بيد المالك غرم جميع قيمته ، بخلاف المستعير إذا حم العبد في يده كذلك فمات بيد المالك فإنه يغرم ما نقص فقط م ر ا هـ سم على منهج . أقول : ولعل الفرق بينهما التغليظ على الغاصب ومن ثم ضمن بأقصى القيم ، بخلاف المستعير فإنه إنما يضمن بقيمته يوم التلف ولا نظر إلى ما قبله ، فكما أنهم لم ينظروا لما قبل وقت التلف لم ينظروا إلى ما بعد الرد ( قوله : وما قيل من عدم تقييد ذلك ) أي تصديق الغاصب ( قوله : ثم أحضر للمالك ذلك ) أي ثوبا ، ولو عبر به كان أولى ( قوله : فيلزم الغاصب القيمة ) أي التي يدعيها وهو تفريع على ما اعتمده البلقيني ( قوله : ويحلف أنه لم يأخذ إلخ ) أي ولا شيء عليه للمقر له ، وقد يتوقف فيه بأن الغصب ثابت باتفاقهما ، ودعوى المالك أنه ثوب آخر لا تسقط حق المالك . قال سم ببعض الهوامش : وهو فاسد لأنه بإنكار المالك وحلفه سقط حقه من هذا الثوب ويحلف الغاصب أنه لم يأخذ غيره انتفى لزوم غيره فلم يبق في جهة الغاصب شيء لا من المدعى به لحلف المالك أن الثوب المدفوع له ليس ملكه ولا من غيره لحلف الغاصب على نفيه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 173 ] قوله : وإن أقامها على الصفات إلخ ) عبارة التحفة : ولا تسمع : أي : لا تقبل لإفادة ما يأتي أنه يصغي إليها بالصفات ; لاختلاف القيمة مع استوائها ، لكن يستفيد بإقامتها إبطال دعوى الغاصب بقيمة حقيرة إلخ . وقوله : بالصفات متعلق بقوله ولا تسمع ، وقوله : لإفادة علة لتفسير نفي السماع بنفي القبول . ( قوله : أما الحر إلخ ) عبارة التحفة : ومن ثم لو غصب حرا أو سرقه لم تثبت يده على ثيابه فيصدق الولي أنها لموليه [ ص: 174 ] قوله : مما يزيد على تلك الصفة ) لعل على هنا تعليلية : أي : مما يزيد من الغرم لأجل تلك الصفة ، وعبارة التحفة ; لأن الأصل براءة ذمته من الزيادة .




                                                                                                                            الخدمات العلمية