الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا تجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة ) كإجارة هذه الدار السنة المستقبلة أو سنة أولها من غد ، وكذا إن قال أولها من أمس وكإجارة أرض مزروعة لا يمكن تفريغها إلا بعد مدة لمثلها أجرة ، وذلك كما لو باعه عينا على أن يسلمها له بعد ساعة بخلاف إجارة الذمة كما مر ، ولو قال وقد عقد آخر النهار أولها يوم تاريخه لم يضر كما هو ظاهر لأن القرينة ظاهرة في أن المراد باليوم الوقت أو في التعبير باليوم عن بعضه وكل منهما سائغ شائع ولو قالا بقسطين متساويين في السنة ، فإن أراد النصف في أول أو آخر نصفها الأول والنصف في أول أو آخر نصفها الثاني صح [ ص: 276 ] كما هو واضح أيضا لاستغراقهما السنة حينئذ مع احتمال اللفظ له وإن اختلفا بطل للجهل به إذ يصدق تساويهما بثلاثة أشهر وثلاثة أشهر مثلا من السنة وذلك مجهول ، ويستثنى من المنع في المستقبلة صور كما أجره ليلا لما يعمل نهارا وأطلق نظير ما مر في إجارة أرض للزراعة قبل ريها ، وكإجارة عين شخص للحج عند خروج قافلة بلده أو تهيئهم للخروج ولو قبل أشهره إذا لم يتأت الإتيان به من بلد العقد إلا بالسير في ذلك الوقت وفي أشهره قبل الميقات ليحرم منه وإجارة دار ببلد غير بلد العاقدين ودار مشغولة بأمتعة وأرض مزروعة يتأتى تفريغها قبل مضي مدة لها أجرة ، وكما في قوله ( فلو ) ( آجر السنة الثانية لمستأجر الأولى ) أو مستحقها بنحو وصية أو عدة بالأشهر ( قبل انقضائها ) ( جاز في الأصح ) لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر كما لو آجر منه السنتين في عقد ، ولا نظر إلى احتمال انفساخ العقد الأول لأن الأصل عدمه ، فإن وجد ذلك لم يقدح في الثاني كما صرح به في العزيز . والوجه [ ص: 277 ] الثاني لا يجوز كما لو آجرها لغيره ، واحترز بقبل انقضائها عما لو قال آجرتكها سنة فإذا انقضت فقد آجرتكها سنة أخرى فلا يصح العقد الثاني كما لو علق بمجيء الشهر فلم ترد على كلامه ، ولو استأجر سنة فللمالك أن يؤجرها السنة الأخرى من الثاني لأنه المستحق للمنفعة ، وفي إيجارها من الأول وجهان أصحهما لا لأنه الآن غير مستحق للمنفعة ، وبه جزم صاحب الأنوار ، وهو مقتضى كلام القاضي والبغوي وإليه ميل الروضة ، ويجوز للمشتري لما آجره البائع من غيره إيجار ذلك من المستأجر كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى واقتضاه كلام جمع ، خلافا لابن المقري .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله وكذا إن قال أولها من أمس ) صريح هذا بطلان الإجارة في الجميع ، وقد تصح الإجارة فيما بقي من السنة بالقسط من المسمى وتبطل فيما مضى تفريقا للصفقة لاشتمال العقد على ما يقبل الإجارة وما لا يقبلها ، ولو قال بقسطين متساويين المراد من هذه العبارة أن القسط الأول ستة أشهر متوالية من أول السنة والقسط الثاني سنة متوالية تلي السنة الأولى ( قوله : أو آخر نصفها الأول ) والمراد آخر جزء من النصف الأول أو أول جزء منه وبما بعده آخر [ ص: 276 ] جزء من النصف الثاني أو أول جزء منه فأو بإسكان الواو ، والمراد الأول أو الآخر على التعيين لا واحد مبهم منهما ( قوله : غير بلد العاقدين ) هل ابتداء المدة من زمن الوصول إليها كما هو قضية كون الإجارة لمنفعة مستقبلة بدليل استثنائها من المنع أو من زمن العقد ، وعليه فهل يلزمه أجرة المدة السابقة أو لا تلزمه إلا أجرة ما بقي من المدة بعد الوصول ؟ ولو كان الوصول يستغرق المدة فهل تمتنع الإجارة في كل ذلك ، ولم أر منه شيئا ، ويتجه الأول وهو أن المدة إنما تحسب من زمن الوصول فليحرر ا هـ حج . ونقل هذا عن فتاوى النووي قال : فلا يضر فراغ السنة قبل الوصول إليها لأن المدة إنما تحسب من وقت الوصول إليها والتمكن منها : أي وعلى الثاني فلو انقضت المدة قبل الوصول إليها كانت الإجارة فاسدة ( قوله : يتأتى تفريغها قبل ) في كل من الدار والأرض ( قوله : قبل مضي مدة لها أجرة ) مفهومه أنه إذا كان زمن التفريغ يقابل بأجرة عدم الصحة ، وقياس ما مر في مسألة الدار عن إفتاء النووي الصحة هنا ، وتحسب المدة من التفريغ بالفعل والتمكن منها ، وقد يفرق بأن العاقدين لما كانا في محل الزرع لم يكن بها ضرورة إلى العقد قبل التفريغ ، بخلاف الدار المؤجرة إذا كانت في غير محل العقد سيما إذا فرط بعدها فقد تتعذر الإجارة إذا توقفت صحتها على الوصول إلى محلها فقلنا بصحة العقد ثم للحاجة بخلافه هنا ( قوله : كما لو آجر منه ) أي له ( قوله : فإن وجد ذلك ) أي الانفساخ ( قوله : لم يقدح ) أي لأنه يغتفر في الدوام [ ص: 277 ] ما لا يغتفر في الابتداء ، وقوله في الثاني : وفي صحة العقد الثاني ( قوله لما آجره البائع من غيره ) أي غير المشتري ، وقوله من المستأجر : أي مدة ثانية .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 276 ] قوله : وإجارة دار ببلد غير بلد العاقدين ) قال الشهاب سم : هل ابتداء المدة من زمن الوصول إليها كما هو قضية كون الإجارة لمنفعة مستقبلة بدليل استثنائها من المنع ، أو من زمن العقد ، وعليه فهل يلزمه أجرة المدة السابقة على الوصول أو لا يلزمه إلا أجرة ما بقي من المدة بعد الوصول ، ولو كان الوصول يستغرق المدة فهل تمتنع الإجارة ؟ في كل ذلك نظر ، ولم أر فيه شيئا ، ويتجه الأول وهو أن المدة إنما تحسب من زمن الوصول فليحرر ا هـ . ما قاله الشهاب المذكور .

                                                                                                                            قال شيخنا في حاشيته : ونقل هذا : يعني الأول الذي استوجهه سم عن إفتاء النووي ، قال : أي النووي ، فلا يضر فراغ السنة قبل الوصول إليها ; لأن المدة إنما تحسب من وقت الوصول إليها والتمكن منها ا هـ . ما في حاشية الشيخ .

                                                                                                                            وما نقل له عن إفتاء النووي لم أره في فتاويه المشهورة .

                                                                                                                            وفي فتاوى الشارح خلافه ، وهو أن المدة تحسب من العقد ، ونص ما فيها : سئل عما لو أجر دارا مثلا بمكة شهرا والمستأجر بمصر مثلا هل يصح ذلك وإن كان لا يمكنه الوصول إلى مكة إلا بعد شهر ويستحق الأجرة أو لا بد من قدر زائد على ما يمكن الوصول فيه ، وإذا فعل ذلك فهل يستحق جميع المسمى أو القسط منه بقدر الزائد المذكور ؟ فأجاب بأنه لا بد من زيادة مدة الإجارة قبل وصوله وإلا لم تصح ، فإن زادت استقر عليه من الأجرة بقسط ما بقي منها فقط ، وفيها : أعني فتاوى الشارح جواب آخر يوافق هذا فليراجع . ( قوله : لم يقدح في الثاني ) قال في التحفة : وللمؤجر حينئذ إيجار ما انفسخت فيه لغير مستأجر الثانية ; لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء [ ص: 277 ] قوله : سنة ) الظاهر أنه تنازعه من قوله استأجرت وقوله : المستأجر ، احترازا عما إذا استؤجرت سنة من المستأجر لها سنتين فلا يجوز للمالك أن يؤجرها إلا من الأول لتأخر مدته




                                                                                                                            الخدمات العلمية