الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في الحالين الباقيين للمتحيرة فقال ( وإن حفظت ) من عادتها ( شيئا ) وجهلت آخر بأن ذكرت الوقت دون القدر أو بالعكس ( فلليقين ) من حيض وطهر ( حكمه ) ومقتضى كلامه تبعا للغزالي تسمية هذه متحيرة ، والجمهور على خلافه ، ويمكن حمل كلامهم على التحير المطلق وهذه تحيرها نسبي لما مر أن للمتحيرة ثلاثة أحوال ( وهي ) أي المتحيرة الذاكرة لأحدهما ( في ) الزمن ( المحتمل ) للحيض والطهر ( كحائض في الوطء ) وما ألحق به مما مر ( وطاهر في العبادة ) لما تقدم من وجوب الاحتياط في حقها ( وإن احتمل انقطاعا وجب الغسل لكل فرض ) بخلاف ما إذا لم يحتمله فإنه لا يجب عليها إلا الوضوء فقط ، ويسمى ما يحتمل الانقطاع طهرا مشكوكا فيه [ ص: 354 ] وما لا يحتمله حيضا مشكوكا فيه ، والذاكرة للوقت كأن تقول : كان حيضي يبتدئ أول الشهر ، فيوم وليلة منه حيض بيقين ، ونصفه الثاني طهر بيقين ، وما بين ذلك يحتمل الحيض والطهر والانقطاع والذاكرة للقدر كأن تقول : كان حيضي خمسة في العشر الأول من الشهر لا أعلم ابتداءها وأعلم أني في اليوم الأول طاهرة ، فالسادس حيض بيقين والأول طهر بيقين كالعشرين الأخيرين .

                                                                                                                            والثاني إلى آخر الخامس محتمل للحيض والطهر .

                                                                                                                            والسابع إلى آخر العاشر محتمل لهما وللانقطاع ، ولو قالت : كنت أخلط شهرا بشهر : أي كنت في آخر كل شهر وأول ما بعده حائضا فلحظة من أول كل شهر ولحظة من آخره حيض بيقين ، ولحظة من آخر الخامس عشر ولحظة من أول ليلة السادس عشر طهر بيقين ، وما بين اللحظة من أول الشهر واللحظة من آخر الخامس عشر يحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، وما بين اللحظة من أول ليلة السادس عشر واللحظة من آخر الشهر يحتملهما دون الانقطاع ، ولو قالت : كنت أخلط شهرا بشهر طهرا فليس لها حيض بيقين ولها لحظتان طهر بيقين في أول كل شهر وآخره ، ثم قدر أقل الحيض بعد اللحظتين لا يمكن فيه الانقطاع وبعده يحتمل ، والحافظة للقدر إنما تخرج عن التحير المطلق [ ص: 355 ] بحفظ قدر الدور وابتدائه وقدر الحيض ، فإذا قالت : دوري ثلاثون أولها كذا وحيضي عشرة فعشرة في أولها لا تحتمل الانقطاع والباقي يحتمله والجميع يحتمل الحيض والطهر ، ولو قالت : حيضي إحدى عشرات الشهر فهذه كالأولى إلا أن احتمال الانقطاع هنا لا يكون إلا في آخر كل عشرة ، ولو قالت : حيضي عشرة في عشرين من أول الشهر فالعشرة الأخيرة طهر بيقين والعشرون تحتمل الحيض والطهر والعشرة الثانية منها تحتمل الانقطاع أيضا ، ولو قالت : كان حيضي خمسة عشر من العشرين الأولى فالعشرة الأخيرة طهر بيقين والخمسة الثانية والثالثة حيض بيقين والأولى تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع والرابعة تحتمل الجميع .

                                                                                                                            ولو قالت : حيضي خمسة وكنت في اليوم الثالث عشر طاهرا فخمسة من أول الدور تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع وما بعدها يحتمل الجميع إلى آخر الثاني عشر ، ثم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر طهر بيقين ، ومن أول السادس عشر إلى آخر العشرين يحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع ، ومنه إلى آخر الشهر يحتمل الجميع ، ومتى كان القدر الذي أضلته زائدا على نصف المضل فيه حصل حيض بيقين من وسطه ، وهو الزائد على النصف مع مثله ( والأظهر أن دم الحامل ) حيض إذا توفرت شروطه وإن تعقبه الطلق لعموم الأدلة لخبر { دم الحيض أسود يعرف } ولأنه دم لا يمنعه الرضاع بل إذا وجد معه حكم بكونه حيضا وإن ندر فكذا لا يمنعه الحمل ، وإنما حكم الشارع ببراءة الرحم به بناء على الغالب ، لكن لا يحرم طلاقها فيه لانتفاء تطويل العدة به ، ولا تنقضي العدة به إن كان له حكم الحمل في انقضائها بالحمل بأن كانت لصاحبه ; فإن لم تكن له ، فإن كان الحمل من زنا كأن فسخ نكاح صبي بعيب أو غيره بعد دخوله وهي حامل من زنا أو تزوج الرجل حاملا من زنا ثم طلقها أو فسخ بعد الدخول [ ص: 356 ] انقضت العدة بالحيض مع وجود الحمل وإن كان من غير زنا كأن طلقها حاملا منه فوطئها غيره بشبهة أو بالعكس لم تنقض به خلافا للقاضي .

                                                                                                                            والثاني وهو القديم أنه ليس بحيض بل هو حدث دائم كسلس البول لأن الحمل يسد مخرج الحيض وقد جعل دليلا على براءة الرحم فدل على أن الحامل لا تحيض ، والأول أجاب عنه بأنه إنما حكم ببراءة الرحم عملا بالغالب كما مر ( و ) أن ( النقاء بين ) دماء ( أقل الحيض ) فأكثر ( حيض ) تبعا لنقص النقاء عن أقل الطهر فأشبه الفترة بين دفعات الدم ويسمى قول السحب .

                                                                                                                            والثاني أنه طهر لأنه إذا دل الدم على الحيض وجب أن يدل النقاء على الطهر ، ويسمى هذا قول اللقط وقول التلفيق ، ومحل القولين في الصلاة والصوم ونحوهما فلا يجعل النقاء طهرا في انقضاء العدة إجماعا .

                                                                                                                            وشرط جعل النقاء بين الدم حيضا أن لا يجاوز خمسة عشر يوما ولا ينقص مجموع الدماء عن أقل الحيض ، وأن يكون النقاء زائدا على الفترات المعتادة بين دفعات الحيض فإن تلك حيض قطعا .

                                                                                                                            والفرق بين الفترة والنقاء أن الفترة هي الحالة التي ينقطع فيها جريان الدم ويبقى أثر لو أدخلت قطنة في فرجها لخرجت ملوثة .

                                                                                                                            والنقاء أن تخرج نقية لا شيء عليها ولو عبر التقطع خمسة عشر جاء ما مر في المستحاضات والدم المرئي بين التوأمين بشروط الحيض حيض كالخارج بعد عضو منفصل من الولد المجتن لأنه خرج قبل فراغ الرحم كدم الحامل ، بل أولى بكونه حيضا إذ إرخاء الدم بين الولادتين أقرب منه قبلهما لانفتاح فم الرحم بالولادة ، وقول المصنف بين الدم .

                                                                                                                            قال البرهان الفزاري : كذا هو في عدة نسخ ، وقيل إنه كان هكذا في نسخة المؤلف ثم أصلحه بعضهم على ما ذكرناه بقوله بين أقل الحيض لأن الراجح أنه إنما ينسحب إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض ا هـ وهذه النسخة هي التي شرح عليها السبكي .

                                                                                                                            وقال المنكت : قد رأيت نسخة المصنف التي بخطه وأصلحت كما قال بغير خطه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويسمى ما يحتمل إلخ ) أي كما بين اليوم الأول والليلة والنصف الثاني في مثال الذاكرة للوقت ، وقوله : وما لا يحتمل : أي كما قبل السادس في مثال الذاكرة للقدر الآتي . وقوله : حيض بيقين انظر كيف يكون بيقين مع احتمال تغير العادة فليتأمل ، والاستحاضة لا تمنع تغير العادة كما يعلم من تصفح مسائلها فليحرر الجواب .

                                                                                                                            ويمكن أن يجاب بأن المراد أنه حيض بيقين ظاهرا لأن حكم الله في حق المعتادة ظاهرا أنها ترد لعادتها فليتأمل .

                                                                                                                            وقوله : ونصفه الثاني طهر بيقين فيه بحث أيضا ا هـ سم على منهج ( قوله : ويسمى ما يحتمل الانقطاع طهرا مشكوكا فيه ) والظاهر أنها لا تفعل طواف الإفاضة في هذا الحال ولا في الحيض المشكوك [ ص: 354 ] فيه ولا فيما لو نسيت انتظام عادتها فردت لأقل النوب واحتاطت في الزائد ، وذلك لأن الطواف لا آخر لوقته وهي في زمن الشك يحتمل فساد طوافها فيجب تأخيره لطهرها المحقق ، بخلاف الناسية لعادتها قدرا ووقتا فإنها مضطرة إلى فعله ، إذ لا زمن لها ترجو الانقطاع فيه حتى تؤمر بالتأخير إليه ، هذا ولم يتعرضوا لما لو طافت طواف الإفاضة زمن التحير هل تجب إعادته في زمن يغلب على الظن معه وقوعه في الطهر كما في قضاء الصلوات أو لا ، وقياس ما في الصلاة وجوب ذلك لأنها إذا طافت زمن التحير احتمل وقوع الطواف زمن الحيض فليتأمل .

                                                                                                                            وقولنا لا آخر لوقته لا يقال : انتظارها للطهر المحقق مع الإحرام فيه مشقة شديدة .

                                                                                                                            لأنا نقول : يمكن دفع المشقة بما ذكروه من أن الحائض حيضا محققا تتخلص من الإحرام بالهجوم على الطواف مقلدة مذهب الحنفية أو غير ذلك مما يأتي في الحج كأن ترحل إلى أن تصل إلى حل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة .

                                                                                                                            وعبارة الشارح في فصل للطواف بأنواعه واجبات نصها : وسيأتي أيضا أن من حاضت قبل طواف الركن ولم يمكنها الإقامة حتى تطهر لها أن ترحل ، فإذا وصلت إلى محل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة جاز لها حينئذ أن تتحلل كالمحصر وتحل حينئذ من إحرامها ويبقى الطواف في ذمتها إلى أن تعود ، والأقرب أنه على التراخي وأنها تحتاج عند فعله إلى إحرام لخروجها من منسكها بالتحلل ، بخلاف من طاف بتيمم تجب معه الإعادة لعدم تحلله حقيقة وقول الرافعي : ليس لها أن تسافر حتى تطوف ، قال غيره : إنه غلط منه ا هـ .

                                                                                                                            وقوله : بخلاف من طاف بتيمم إلخ : أي فإنه لا يحتاج إلى إحرام جديد لما علل به ( قوله : وما بين ذلك ) الذي يظهر أنه ليس مرادهم باحتمال الطهر هنا طهرا أصليا لا يكون بعد الانقطاع كما يتوهم من عطف الانقطاع عليه وجعل كل منهما أحد المحتملات فإنه مستحيل بعد فرض تقدم الحيض يقينا بل مرادهم الطهر في الجملة .

                                                                                                                            فالمراد باحتمال الطهر والانقطاع احتمال طهر بعد الانقطاع أو معه الانقطاع .

                                                                                                                            والحاصل أنه ليس المراد أن كلا منهما يحتمل حصوله على الانفراد فإنه غير ممكن كما تبين ، بل المراد احتمال طهر معه انقطاع فليتأمل .

                                                                                                                            وبعبارة أخرى قال : انظر ما المراد بالطهر بدون انقطاع مع تقدم الحيض يقينا في المثال ، وكأن المراد بالطهر والانقطاع الطهر بعد الانقطاع ، فالطهر قسمان أصلي بأن لا يتقدمه انقطاع حيض كما بين الأول والسادس في مثال ذاكرة القدر الآتي ، وطهر بعد الانقطاع كما هنا .

                                                                                                                            ويجوز أن يراد هنا باحتمال الطهر احتمال الطهر إن حصل منها غسل بعد اليوم والليلة ا هـ سم على منهج ( قوله : في العشر الأول ) هو بضم الهمزة وفتح الواو وبفتح الهمزة وتشديد الواو كما يفيده المصباح ، وسيأتي لنا في الاعتكاف زيادة إيضاح ( قوله : وبعده إلخ ) أي فيتوضأ [ ص: 355 ] في اليوم والليلة الواليين للحظة الأولى لكل فرض لأن ذلك حيض مشكوك فيه ، وتغتسل فيما بعدهما لكل فرض إلى اللحظة الأخيرة من الشهر لأنه طهر مشكوك فيه ( قوله : لا تحتمل الانقطاع ) أي فتتوضأ فيها لكل فرض ، و قوله والباقي يحتمله أي فتغتسل لكل فرض لاحتمال الانقطاع ( قوله : تحتمل الحيض والطهر ) أي فيحرم الوطء في جميعه لاحتمال الحيض ( قوله : إحدى عشرات الشهر ) أي عشرة من العشرات الثلاث المشتمل عليها الشهر ( قوله : كالأولى ) هي قوله فإذا قالت : دوري ثلاثون أولها كذا إلخ ( قوله : إن دم الحامل إلخ ) أي وإن خالف عادتها حيث لم ينقص عن يوم وليلة ولا زاد على خمسة عشر ولو بصفته غير صفة الدم الذي كانت تراه في غير زمن الحمل ، وقوله : إذا توفرت شروطه منها أن لا ينقص عن يوم وليلة ، وعليه فلو رأت دون يوم وليلة ويعقبه الطلق واستمر الدم لا يكون الخارج مع الطلق حيضا ، ونظر فيه سم على حج ، والأقرب أنه حيض لأنه بمجرد رؤيته حكم عليه بذلك فيستصحب إلى تحقق ما ينافيه ( قوله : وإن تعقبه الطلق ) أي جاء بعده .

                                                                                                                            قال في المصباح : وعقبه تعقيبا فهو معقب جاء بعده ا هـ بالمعنى ، ومثله ما لو خرج مع الطلق ( قوله : لا يحرم طلاقها فيه ) أي الحيض زمن الحمل ( قوله : ولا تنقضي العدة ) أي بالحيض إن كان إلخ ( قوله : وهي حامل من زنا ) بقي ما لو لم يعلم هل هو من زنا أو شبهة ، وحكمه أنه إن لم يمكن لحوقه بالزوج حمل على أنه من زنا ، وعبارة الشارح في كتاب العدد بعد قول المصنف وعدة حرة ذات أقراء ثلاثة ما نصه : ولو جهل حال الحمل ولم يمكن لحوقه بالزوج حمل على أنه من زنا كما نقلاه وأقراه : أي من حيث صحة نكاحها معه وجواز وطء الزوج لها .

                                                                                                                            أما من حيث عدم عقوبتها بسببه فيحمل على أنه من شبهة .

                                                                                                                            فإن أتت به للإمكان منه لحقه كما اقتضاه إطلاقهم وصرح به البلقيني وغيره ولم ينتف عنه إلا بلعان ا هـ [ ص: 356 ] قوله : انقضت العدة بالحيض ) أي ويحرم طلاقها فيه لتضررها بطول العدة فإن زمنه لا يحسب منها ( قوله : لم تنقض به ) أي الحيض ( قوله : والفرق بين الفترة والنقاء ) أي على الثاني ( قوله : وهذه النسخة ) هي قوله : بين أقل الحيض إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 353 ] قوله : ومقتضى كلامه إلخ ) هذا على جعل الضمير فيه راجعا إلى المتحيرة .

                                                                                                                            قال سم : ولا يتعين بل يجوز أن يكون راجعا إلى ما رجع إليه ضمير كانت في قوله أو كانت متحيرة ، وهي من جاوز دمها أكثر الحيض الذي هو مقسم لجميع الأقسام المتقدمة وادعى أنه المتبادر ، ولا يخفى أنه يبعده الإتيان به بصيغة الفعل دون المتقدمة حيث أتى بها بصيغة اسم الفاعل ، وأيضا مقابلة النسيان بالحفظ ، ولهذا عدل عنه الشارح كالشهاب ابن حجر [ ص: 354 - 355 ] قوله : إذا توفرت شروطه ) بخلاف ما إذا انتفى شيء منها كأن رأت يوما فقط ثم وضعت متصلا به كما نبه عليه سم




                                                                                                                            الخدمات العلمية