الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا رجوع لغير الأصول في هبة ) مطلقة أو ( مقيدة بنفي الثواب ) أي العوض للخبر المار ولقوة شفقة الأصل ، ولهذا كان أفضل البر بر الوالدين بالإحسان لهما وفعل ما يسرهما مما ليس بمنهي عنه ، وعقوقهما كبيرة وهو إيذاؤهما بما ليس هينا ما لم يكن ما أذاهما به واجبا .

                                                                                                                            قال الغزالي : فلو كان في مال أحدهما شبهة ودعاه للأكل منه تلطف في الامتناع فإن عجز فليأكل ويصغر اللقمة ويطول المضغة ، وكذا لو ألبسه ثوبا من شبهة وكان يتأذى برده فليقبله وليلبسه بين يديه وينزعه إذا غاب ويجتهد أن لا يصلي فيه إلا بحضرته ، وتسن صلة القرابة وتحصل بالمال وقضاء الحوائج والزيارة والمكاتبة والمراسلة بالسلام ونحو ذلك ، ويتأكد استحباب الوفاء بالعهد كما يتأكد كراهة خلافه ، ويكره شراء ما وهبه من الموهوب له .

                                                                                                                            قال في الإحياء : لو طلب من غيره هبة شيء في ملأ من الناس فوهبه منه استحياء منهم ولو كان خاليا ما أعطاه حرم كالمصادر ، وكذا كل من وهب له شيء لاتقاء شره أو سعايته ( ومتى وهب مطلقا ) بأن لم يقيد بثواب ولا نفيه ( فلا ثواب ) أي عوض ( إن وهب له لدونه ) في المرتبة الدنيوية إذ [ ص: 423 ] لا يقتضيه لفظ ولا عادة ( وكذا ) لا ثواب له وإن نواه إن وهب ( لأعلى منه ) في ذلك ( في الأظهر ) كما لو أعاره داره إلحاقا للأعيان بالمنافع ولأن العادة ليس لها قوة الشرط في المعاوضات والثاني يجب الثواب لاطراد العادة بذلك ( و ) كذا لا ثواب له وإن نواه إن وهب ( لنظيره على المذهب ) لأن القصد من مثله الصلة وتأكد الصداقة والطريق الثاني طرد القولين السابقين ، والهدية في ذلك كالهبة كما قاله المصنف تفقها ونقله في الكفاية عن تصريح البندنيجي ، ومثل ذلك الصدقة ، وإن اختار الأذرعي دليلا أن العادة متى اقتضت الثواب وجب هو أو رد الهدية ، والأوجه كما بحثه أيضا أن محل التردد ما إذا لم يظهر حالة الإهداء قرينة حالية أو لفظية دالة على طلب الثواب ، وإلا وجب هو أو الرد لا محالة ، ولو قال وهبتك ببدل فقال بل بلا بدل صدق المتهب بيمينه لأن الأصل عدم البدل ، ولو أهدى له شيئا على أن يقضي له حاجة فلم يفعل لزمه رده إن بقي ، وإلا فبدله كما قاله الإصطخري ، فإن كان فعلها حل : أي وإن تعين عليه تخليصه بناء على الأصح أنه يجوز أخذ العوض عن الواجب العيني إذا كان فيه كلفة خلافا لما يوهمه كلام الأذرعي وغيره هنا ( فإن وجب ) الثواب على مقابل المذهب أو على البحث المار لتلف الهدية أو عدم إرادة المتهب ردها ( فهو قيمة الموهوب ) أي قدرها يوم قبضه ولو مثليا ( في الأصح ) فلا يتعين للثواب جنس من الأموال بل الخيرة فيه للمتهب .

                                                                                                                            والثاني يلزمه ما يعد ثوابا لمثله عادة ، وقيل إلى أن يرضى ولو بأضعاف قيمته ( فإن ) قلنا بوجوب إثابته و ( لم يثبه ) هو ولا غيره ( فله الرجوع ) في هبته إن بقيت وبدلها إن تلفت .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : واجبا ) دخل فيه ما لو امتنع من بيع أمواله وعتق أرقائه وطلاق نسائه ونحو ذلك مما يشق عليه وقد أمره به ، والظاهر أن ذلك ليس مرادا .

                                                                                                                            ( قوله : والمراسلة ) أي من غير كتاب كأن يقول لشخص سلم على فلان .

                                                                                                                            ( قوله : ويتأكد استحباب الوفاء بالعهد ) ونقل شيخنا الشوبري عن حج أن الوعد مع نية عدم الوفاء كبيرة .

                                                                                                                            ( قوله : حرم ) أي ولا يملكه ( قوله : أو سعايته ) [ ص: 423 ] أي المتكلم فيه بسوء عند من يخافه .

                                                                                                                            ( قوله : لزمه رده ) أي فلو بذلها ليخلص له محبوسا مثلا فسعى في خلاصه فلم يتفق له ذلك وجب عليه رد الهدية لصاحبها لأن مقصوده لم يحصل .

                                                                                                                            نعم لو أعطاه ليشفع له فقط سواء قبلت شفاعته أو لا ففعل لم يجب الرد فيما يظهر لأنه فعل ما أعطاه لأجله ، وقوله على أن يقضي : أي بأن شرطه عند الدفع أو دلت قرينة على ذلك .

                                                                                                                            ( قوله : خلافا لما يوهمه كلام الأذرعي وغيره هنا ) ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا تعين ما لم يرد التبسط : أي وتدل قرينة حاله عليه كما مر لأن القرينة محكمة هنا ومن ثم قالوا لو أعطى فقيرا درهما بنية أن يغسل به ثوبه : أي وقد دلت القرينة على ذلك تعين ، ولو شكا إليه أنه يوفه أجره كاذبا فأعطاه درهما أو أعطى بظن صفة فيه أو في نسبه ولم تكن فيه باطنا لم يحل قبوله ولم يملكه ، ويكتفي في كونه أعطى لظن تلك الصفة بالقرينة ، ومثل هذا ما يأتي في أواخر الصداق مبسوطا من أن من دفع لمخطوبته أو وكيلها طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد رجع على من أقبضه ، وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء حرم الأخذ ولم يملكه .

                                                                                                                            قال الغزالي إجماعا ، وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال كتزويج بنته بخلاف إمساك زوجته حتى تبرئه أو [ ص: 424 ] تفتدي بمال ، ويفرق بأنه هنا في مقابلة البضع المتقوم عليه بمال . ا هـ . حج .

                                                                                                                            أقول : وظاهر التمثيل بتزويج بنته أنه لا فرق بين أن تطلب الثيب تزويجها منه ويمتنع بحيث يكون عاضلا وبين ما جرت به العادة من أن الخاطب يطلب من الولي التزويج فيمتنع من إجابته إلا بجعل ، غير أن هذه الثانية بخصوصها قد يقال فيها : إنه لم يمتنع من فعل واجب عليه لأن له الإعراض عنه والتزويج لغيره .

                                                                                                                            بقي أنه جرت عادة كثير أنهم عند الخطبة يدفعون أمورا اعتيدت فيما بينهم للمولى من غير سبق امتناع منه من التزويج لو لم يعطوه ، فهل يكون ذلك تبرعا محضا فلا يحرم قبوله ، أو لا لأنه لما كان من عادتهم الامتناع من التزويج بدونه نزلت عادتهم منزلة طلبه ، فيه نظر ؟ ولا يبعد عدم الحرمة وعدم الرجوع أيضا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 423 ] قوله : خلافا لما يوهمه كلام الأذرعي ) كلام الأذرعي ليس في هذا ، وإنما هو فيما إذا أهداه بعد أن خلصه بالفعل ، وعبارة التحفة : ولو أهدى لمن خلصه من ظالم لئلا ينقض ما فعله لم يحل له قبوله وإلا حل : أي وإن تعين عليه تخليصه بناء على الأصح أنه يجوز أخذ العوض على الواجب العيني إذا كان فيه كلفة خلافا لما يوهمه كلام الأذرعي وغيره هنا انتهت .

                                                                                                                            وهذا هو الموافق لما في شرح الأذرعي ; لأنه نقل ما ذكر عن فتاوى القفال ثم تردد فيما إذا تعين عليه التخليص ، ولعل في نسخ الشارح سقطا من الكتبة والله أعلم . ( قوله : على مقابل المذهب ) عبارة التحفة : على الضعيف ، وهي الأصوب .




                                                                                                                            الخدمات العلمية