الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويحرم نظر فحل ) ومجبوب وخصي وخنثى إذ هو مع النساء كرجل وعكسه فيحرم نظره لهما ونظرهما له احتياطا ، وإنما غسلاه بعد موته لانقطاع الشهوة بالموت فلم يبق للاحتياط حينئذ معنى لا ممسوح كما يأتي ( بالغ ) ولو شيخا هرما ومخنثا وهو المتشبه بالنساء عاقل مختار ( إلى عورة حرة ) خرج مثالها فلا يحرم نظره في نحو مرآة كما أفتى به جمع ; لأنه لم يرها وليس الصوت منها فلا يحرم سماعه ما لم يخف منه فتنة ، وكذا لو التذ به على ما بحثه الزركشي ، ومثلها في ذلك الأمرد ( كبيرة ) بأن بلغت حدا تشتهى فيه لذوي الطباع السليمة ( أجنبية ) وهي ما عدا وجهها وكفيها بلا خلاف لقوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } ; ولأنه إذا حرم نظر المرأة إلى عورة مثلها فأولى الرجل ( وكذا وجهها ) أو بعضه ولو بعض عينها ( وكفها ) أي كل كف منها ، وهو من رأس الأصابع إلى المعصم ( عند خوف فتنة ) إجماعا من داعية نحو مس لها أو خلوة بها وكذا عند النظر بشهوة بأن يلتذ به وإن أمن الفتنة قطعا ( وكذا عند الأمن ) من الفتنة فيما يظنه من نفسه من غير شهوة ( على الصحيح ) ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه وبأن النظر مظنة الفتنة ومحرك للشهوة ، فاللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية ، وبه اندفع القول بأنه غير عورة فكيف حرم نظره ; لأنه مع كونه غير عورة نظره مظنة للفتنة أو الشهوة ففطم الناس عنه احتياطا ، على أن السبكي قال : الأقرب إلى صنيع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر

                                                                                                                            والثاني لا يحرم ونسبه الإمام للجمهور والشيخان للأكثرين ، وقال في المهمات : إنه الصواب ، وقال البلقيني : الترجيح بقوة المدرك ، والفتوى على ما في المنهاج ، وما نقله الإمام من الاتفاق على منع النساء : [ ص: 188 ] أي منع الولاة لهن معارض لما حكاه القاضي عياض عن العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها ، وإنما ذلك سنة ، وعلى الرجال غض البصر عنهن للآية ، وحكاه المصنف عنه في شرح مسلم وأقره عليه ، ودعوى بعضهم عدم التعارض في ذلك إذ منعهن من ذلك ليس لكون الستر واجبا عليهن في ذاته بل ; لأن فيه مصلحة عامة وفي تركه إخلال بالمروءة مردودة ، إذ ظاهر كلامهما أن الستر واجب لذاته فلا يتأتى هذا الجمع ، وكلام القاضي ضعيف ، وحيث قيل بالجواز كره ، وقيل خلاف الأولى ، وحيث قيل بالتحريم ، وهو الراجح حرم النظر إلى المنتقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها كما بحثه الأذرعي ولا سيما إذا كانت جميلة فكم في المحاجر من خناجر ، وأفهم تخصيص الكلام بالوجه والكفين حرمة كشف ما سوى ذلك من البدن ، وما اختاره الأذرعي تبعا لجمع من حل نظر وجه وكف عجوز تؤمن الفتنة من نظرها لآية { والقواعد من النساء } ضعيف مردود بما مر من سد الباب وأن لكل ساقطة لاقطة ، ولا دليل في الآية كما هو جلي بل فيها إشارة للحرمة بالتقييد بغير متبرجات بزينة ، واجتماع أبي بكر وأنس بأم أيمن وسفيان وأضرابه برابعة رضي الله عنهم لا يستلزم النظر ، على أن مثل هؤلاء لا يقاس بهم غيرهم ، ومن ثم جوزوا لمثلهم الخلوة كما يأتي قبيل الاستبراء إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وإنما غسلاه ) أي بشرط عدم وجود محرم له ( قوله : لانقطاع الشهوة ) أي مع احتمال كونه كالمغسل ذكورة أو أنوثة .

                                                                                                                            فلا يرد أنه يحرم على الرجل تغسيل المرأة الأجنبية وبالعكس مع انقطاع الشهوة بالموت ( قوله : لا ممسوح ) أشار به إلى أن المراد بالفحل هنا ما يشمل الخصي والمجبوب ، ويدل له مقابلته بالممسوح الآتية في كلام المصنف ( قوله : عاقل مختار ) أما المجنون فليس مخاطبا ومع ذلك يجب عليها الاحتجاب منه كما يأتي ويجب على وليه منعه ( قوله : في نحو مرآة ) ومنه الماء ( قوله : وليس الصوت ) ومنه الزغاريت ( قوله : منها ) أي العورة ( قوله : وكذا لو التذ به ) أي فيجوز ; لأن اللذة ليست باختيار منه ( قوله : ومثلها في ذلك ) أي في قوله ما لم يخف منه فتنة ( قوله : وهي ) أي العورة ( قوله : إلى المعصم ) في نسخة إلى الكوع ، وعبارة المصباح : المعصم وزان مقود موضع السوار من الساعد ا هـ .

                                                                                                                            ولعل التعبير به أولى ; لأن المعصم شامل لرأس الساعد من جهة الإبهام والخنصر وما بينهما ، بخلاف الكوع فإنه خاص بالطرف الذي يلي الإبهام ( قوله : من داعية نحو مس ) يؤخذ منه أن ضابط خوف الفتنة أن يخاف أن تدعوه نفسه إلى مس لها أو خلوة بها ( قوله : ومحرك ) عطف مغاير ( قوله : وبه ) أي بما وجه به الإمام ، وقوله : اندفع القول بأنه : أي الوجه ( قوله : والفتوى على ما في المنهاج ) معتمد [ ص: 188 ] قوله : فكم في المحاجر ) جمع محجر كمجلس وهو ما يبدو من النقاب ا . هـ . مختار .

                                                                                                                            وفي القاموس : المحجر كمجلس ومنبر الحديقة ومن العين ما دار بها وبدا من البرقع أو ما يظهر من نقابها ( قوله : وما اختاره الأذرعي ) أي من حيث الدليل ( قوله : وأن لكل ساقطة إلخ ) أي ومن أن لكل إلخ ، فالعجوز التي لا تشتهي قد يوجد لها من يريدها ويشتهيها ( قوله : بل فيها إشارة ) يتأمل وجه الإشارة فإن ظاهرها جواز النظر إن لم تتبرج بالزينة ومفهومها الحرمة إذا تزينت وهو عين ما ذكره الأذرعي



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 187 ] قوله : عاقل ) أي أما المجنون فلا يحرم عليه لسقوط تكليفه ، وسيأتي وجوب الاحتجاب عليها منه ومنع الولي له من النظر ( قوله : و ; لأنه إذا حرم نظر المرأة إلى عورة مثلها فأولى الرجل ) قال الشهاب سم : لكن المراد بعورة مثلها غير المراد بعورتها فيما نحن فيه ( قوله : من داعية إلخ ) بيان للفتنة ( قوله : وكذا عند النظر بشهوة ) معطوف على قول المصنف عند خوف الفتنة ( قوله : وقال البلقيني الترجيح بقوة المدرك ) قال الشارح فيما كتبه على شرح الروض مراده بذلك أن المدرك مع ما في المنهاج كما أن الفتوى عليه . ا هـ .

                                                                                                                            وأقول : الظاهر أن قوله على ما في المنهاج خبر الترجيح ، والمعنى والترجيح على طبق ما في المنهاج من جهة قوة المدرك ومن جهة المذهب فهو راجح دليلا ومذهبا فتأمل [ ص: 188 ] قوله : ودعوى بعضهم ) هو حج ( قوله : مردودة إذ الظاهر كلامهما إلخ ) هذا لا يلاقي ما ادعاه هذا البعض ، ; لأن حاصل دعواه أن ما حكاه الإمام من الاتفاق على منع النساء لا يلزم منه أن ذلك لوجوب سترها وجهها في طريقها وإن فهمه منه الإمام حتى وجهه به ، بل يجوز أن يكون للمصلحة التي ذكرها وهذا لا محيد عنه ، ولا يصح رده بأن ظاهر كلامهما ما ذكر ; لأن المعارضة التي دفعها ليست بين الجواز الذي ذكره القاضي عياض والحرمة وإنما هي بينه وبين الاتفاق على منع النساء كما سبق ( قوله : وأفهم تخصيص الكلام بالوجه والكفين ) عبارة التحفة وأفهم تخصيص حل الكشف بالوجه حرمة كشف ما عداه من البدن حتى اليد ، وهو ظاهر في غير اليد ; لأنه عورة ، ومحتمل فيها ; لأنه لا حاجة لكشفها بخلاف الوجه انتهت .

                                                                                                                            وقوله تخصيص حل الكشف بالوجه : أي فيما ذكره القاضي عياض ومال في التحفة إلى ترجيحه ، فكأن الشارح فهم أن مرادهم ما في المتن فعبر عنه بما ذكره لكن قد يقال عليه إن ما في المتن ليس فيه ذكر حل ولا كشف




                                                                                                                            الخدمات العلمية