الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وليس للزوج ضرب زوجته على ترك الصلاة ونحوها إذ محل جواز ضربه لها في حق نفسه لا في حقوق الله تعالى .

                                                                                                                            وفي فتاوى ابن البزري أنه يجب عليه أمرها بالصلاة وضربها عليها ( ولا ) قضاء ( على ) شخص ( ذي حيض ) أو نفاس ولو في ردة إذا طهرتا كما مر وإن استجلب بدواء ، وتقدم الكلام على حكم قضائها في الباب المار ( أو ) ذي ( جنون أو إغماء ) أو سكر أو عته أو نحو ذلك بعد إفاقته حيث لم يكن متعديا لخبر { رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يبرأ } صححه ابن حبان والحاكم ، ورد النص في المجنون وقيس عليه كل من زال عقله بسبب يعذر فيه وسواء أقل زمن ذلك أم طال ، وإنما وجب قضاء الصوم على من استغرق إغماؤه جميع النهار لما في قضاء الصلاة من الحرج لكثرتها بتكررها بخلاف الصوم ، وظاهر كلامهم أن الإغماء يقبل طرو إغماء آخر عليه دون الجنون ، وأنه يمكن تميز انتهاء الأول بعد طرو الثاني عليه وفي تصور ذلك بعد ، إلا أن يقال : إن الإغماء مرض وللأطباء دخل في تمايز أنواعه ومددها بخلاف الجنون ، [ ص: 394 ] وعلم مما مر أن الجنون الطارئ على الردة يجب معه قضاء أيام الجنون الواقعة في ردته تغليظا عليه ، بخلاف من كسر رجليه تعديا وصلى قاعدا لا قضاء عليه لانتهاء معصيته بانتهاء كسره ولإتيانه بالبدل حالة العجز ، قال في الخادم : كذا أطلقوه ، وينبغي أن يستثنى منه ما إذا أسلم أبوه فإنه يحكم بإسلامه تبعا له ، فلا يجب عليه القضاء من حين أسلم أبوه إذ المسلم لا يغلظ عليه انتهى ، ويستحب للمجنون والمغمى عليه ونحوهما القضاء ( بخلاف ) ذي ( السكر ) أو الجنون أو الإغماء المتعدى به فيلزمه القضاء بعد إفاقته ، فإن جهل كونه محرما أو أكره عليه أو أكله ليقطع غيره بعد زوال عقله يدا له مثلا متأكلة لم يكن متعديا فيسقط عنه القضاء لعذره ، أما إذا علم أن جنسه يزيل العقل وظن أن ما تناوله منه لا يزيله لقلته فإنه يجب عليه القضاء لتقصيره ، ولو طرأ الجنون على السكر المتعدى به وجب قضاء المدة التي ينتهي إليها السكر غالبا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وليس للزوج ضرب زوجته ) أي لا يجوز له ذلك بل يجب عليه أمرها بذلك حيث لم يخش نشوزا ولا أمارته لوجوب الأمر بالمعروف على عموم المسلمين والزوج منهم ( قوله : ضرب زوجته ) أي البالغة العاقلة ، أما الصغيرة فله ضربها إذا كانت فاقدة الأبوين سم على منهج بالمعنى ( قوله : ابن البزري ) بكسر الباء وسكون الزاي نسبة لبزر الكتان ، كذا نقل عن المؤلف

                                                                                                                            والذي في تاريخ ابن خلكان وطبقات الشافعية الوسطى للسبكي إنما هو بفتح الباء الموحدة .

                                                                                                                            وفي المصباح : البزر بزر البقل ونحوه بالكسر والفتح لغة .

                                                                                                                            قال ابن السكيت : ولا يقوله الفصحاء إلا بالكسر فهو أفصح ( قوله : إنه يجب عليه ضربها ) ضعيف ( قوله : ولا قضاء على شخص ) دفع به كالمحلي ما يرد على المتن من أن الحيض صفة المرأة ، فالمناسب للمصنف أن يقول ذات حيض ، وإنما عبر المصنف بذلك المحوج للتأويل لعطف الجنون الشامل للذكر والأنثى على الحيض ( قوله : وتقدم الكلام على حكم قضائها ) وهو انعقاده على المعتمد مع القول بالكراهة ( قوله : أو ذي جنون ) انظر هل من الجنون بالتعدي الجنون الحاصل لمن يتعاطى الخلاوى والأوراد بغير طريق موصل لذلك أو لا ؟ الأقرب الثاني لأن ضابط التعدي أن يعلم ترتب الجنون على ما تعاطاه ويفعله ، وهذا ليس كذلك ( قوله : أو عته ) نوع من الجنون ( قوله : بخلاف الجنون ) قد [ ص: 394 ] يعارضه قولهم في زوال العقل إذا أخبر الأطباء بعوده انتظر .

                                                                                                                            وقد يجاب بأنه لا يلزم من ظهور علامات لهم يستدلون بها على إمكان العود جواز دخول جنون على جنون ، لأن الأول حصل به زوال العقل ، وحيث زال فلا يمكن تكرره ما دام الجنون قائما لأن العقل شيء واحد فلا يمكن تكرر زواله ( قوله : يجب معه قضاء أيام الجنون ) ومحله حيث لم يحكم بإسلامه زمن جنونه ، فإن حكم به كأن أسلم أحد أصوله فلا قضاء لما فات بعد الإسلام ، وسيأتي ذلك في قوله ويستثني إلخ ( قوله : كذا أطلقوه ) أي حيث قالوا من ارتد ثم جن وجب عليه قضاء ما فات في زمن الجنون ، فإن قضيته أن المرتد لو جن ثم أسلم أحد أبويه لا يسقط عنه القضاء ، لكن تعبير الشارح بقوله : أيام الجنون الواقع في ردته يخرج ما ذكره ، فإنه بإسلام أحد أبويه لا يصير مرتدا ، فلعل تعبير الأصحاب الذي استثنى منه الزركشي لم يقع فيه التقييد بقوله في زمن ردته ( قوله : أن يستثني منه ) أي من الجنون الواقع في زمن الردة ( قوله : ونحوهما ) وهو السكران بلا تعد ، والصبي لكن : بالنسبة لما أمر به وهو ما فاته بعد التمييز واستكمال السبع ، أما ما فاته قبل تميزه فلا ينعقد منه لو قضاه ( قوله : أو أكله ) ومثله ما لو أطعمه غيره لذلك ولم يعلم به فلا تعدي منه لعدم علمه بما أكله ويبقى الكلام في أن الفاعل هل يجوز له ذلك لما فيه من المصلحة للأكل أو لا لأنه ليس له التصرف في بدن غيره ؟ فيه نظر ، ولا يبعد الأول لقصد الإصلاح المذكور حيث كان عالما بأسباب المصلحة أو أخبره بها ثقة ( قوله : يزيل العقل وظن ) وظاهره وإن استند ظنه لخبر عدل أو عدول وينبغي خلافه ( قوله : التي ينتهي إليها السكر غالبا ) أي حقيقة ، أما المدة المشكوك فيها فلا يجب قضاؤها حج بالمعنى



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 393 ] قوله : وليس للزوج إلخ ) ظاهره وإن كانت صغيرة ولا ولي لها خاص ، وظاهره أنه ليس كذلك إذ هو من جملة المسلمين ، على أنه يتوقف فيه أيضا مع وجود الولي الخاص إذ لا يتقاعد عن المودع ، والمستعير إن لم يكن أولى منهما ، ولعل كلام الشارح محمول على غير هذا ( قوله : وظاهر كلامهم إلخ ) لم يظهر لهذا موقع هنا ، والشهاب ابن حجر إنما رتبه على قوله ، وكذا يجب القضاء على من أغمي عليه أو سكر بتعد ثم جن أو أغمي عليه أو سكر بلا تعد [ ص: 394 ] مدة ما تعدى به إلى آخر ما ذكره ( قوله : كذا أطلقوه ) الذي تقدم في كلام الشارح ليس فيه إطلاق بل هو مقيد بقوله الواقعة في ردته ، فهو مخرج لهذه الصورة ، فكلام الخادم إنما يتنزل على عبارة من لم يذكر هذا القيد ، وإتيان الشارح بلفظ كذا في قوله كذا أطلقوه بعد إيراده الحكم مقيدا فيه ما لا يخفى




                                                                                                                            الخدمات العلمية