الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فصل في أركان النكاح وتوابعها وهي خمسة : زوجان ، وولي ، وشاهدان ، وصيغة ، وقدمها لانتشار الخلاف فيها المستدعي لطول الكلام عليها فقال ( إنما ) ( يصح النكاح بإيجاب ) ولو من هازل ومثله القبول ( وهو ) أن يقول العاقد ( زوجتك [ ص: 210 ] أو أنكحتك ) موليتي فلانة مثلا ( وقبول ) مرتبط بالإيجاب كما مر آنفا ( بأن يقول الزوج ) ومثله وكيله كما سيذكره ( تزوجت ) ها ( أو نكحت ) ها فلا بد من دال عليها من نحو اسم ، أو ضمير ، أو إشارة ( أو قبلت ) ، أو رضيت كما حكاه ابن هبيرة الوزير عن إجماع الأئمة الأربعة ، وإن توقف فيه السبكي ، ومثله أحببت ، أو أردت كما قاله بعض المتأخرين ( نكاحها ) بمعنى إنكاحها ليطابق الإيجاب ولاستحالة معنى النكاح هنا إذ هو المركب من الإيجاب والقبول كما مر ( أو تزويجها ) ، أو النكاح ، أو التزويج لا قبلت ولا قبلتها ولا قبلته إلا في مسألة المتوسط على ما في الروضة لكن رده ، ولا يشترط فيها أيضا تخاطب ، فلو قال للولي زوجته ابنتك فقال زوجت على ما اقتضاه كلامهما ، لكن جزم غير واحد بأنه لا بد من زوجته ، أو زوجتها ثم قال للزوج قبلت نكاحها فقال قبلته على ما مر ، أو تزوجتها فقال تزوجت صح ، ولا يكفي هنا نعم ونبه الوالد رحمه الله تعالى على أنه لا بد أن يقول الولي : زوجتها لفلان ، فلو اقتصر على زوجتها لم يصح كما يؤخذ من مسألة الوكيل ، وأو في كلام المصنف للتخيير مطلقا إذ لا يشترط توافق اللفظين ، وما قيل من أنه كان ينبغي تقديم قبلت لأنه القبول الحقيقي ممنوع بل الكل قبول حقيقي شرعا ، وبفرض ذلك لا يرد عليه لأن غير الأهم قد يقدم لنكتة كالرد على مشكك ، أو مخالف فيه والتنظير في صحة تزوجت ، أو نكحت لتردده بين الإخبار والقبول ، وفي تعليق البغوي في قوله تزوجت قال أصحابنا : لا يصح لأنه إخبار لا عقد انتهى .

                                                                                                                            [ ص: 211 ] مردود لبنائه على الاكتفاء بمجرد تزوجت من غير نحو ضمير والأصح خلافه كما مر ، وحينئذ فما في التعليق صحيح لكن لخلوه عن ذلك الموجب لتمحضه للإخبار به ، أو قربه منه لا للتردد الذي ذكر لأن هذا إنشاء شرعا كبعت ولا يضر فتح تاء متكلم ولو من عارف كما أفتى به ابن المقري ، ولا ينافي ذلك عدهم كما مر في أنعمت بضم التاء وكسرها مخلا للمعنى ، لأن المدار في الصيغة على المتعارف في محاورات الناس ، ولا كذلك القراءة وإبدال الزاي جيما وعكسه والكاف همزة كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى ، وفي فتاوى بعض المتقدمين يصح أنكحك كما هو لغة قوم من اليمن ، وقال الغزالي : لا يضر زوجت لك ، أو إليك لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطإ في الإعراب والتذكير والتأنيث انتهى .

                                                                                                                            ومراده بالخطإ في الصيغة الصلات ، وهو صريح فيما ذكر وغيره من اغتفار كل ما لا يخل بالمعنى ، وسيعلم مما يأتي صحته مع نفي الصداق فيعتبر للزومه هنا ذكره في كل من شقي العقد مع توافقهما فيه كتزوجتها به وإلا وجب مهر المثل صرح به الماوردي والروياني ( ويصح تقدم لفظ الزوج ) ، أو وكيله سواء قبلت وغيرها ( على ) لفظ ( الولي ) أو وكيله لحصول المقصود ( ولا يصح ) النكاح ( إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح ) أي ما اشتق منهما ، ولا تكرار في هذا مع ما مر لإبهام حصر الصحة في تلك الصيغ فيصح نحو أنا مزوجك إلى آخره وذلك لخبر مسلم { اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله } وكلمته ما ورد في كتابه ، ولم يرد فيه سواهما ، والقياس ممنوع لأن في النكاح ضربا من التعبد فلم يصح بنحو لفظ إباحة وتمليك وهبة وجعله تعالى النكاح بلفظ الهبة خصوصية له صلى الله عليه وسلم لقوله { خالصة لك من دون المؤمنين } صريح واضح في ذلك ، وخبر البخاري { ملكتكها [ ص: 212 ] بما معك من القرآن } إما وهم من معمر كما قاله النيسابوري لأن رواية الجمهور زوجتكها والجماعة أولى بالحفظ من الواحد أو رواية بالمعنى لظن الترادف ، أو جمع صلى الله عليه وسلم بين اللفظين إشارة إلى قوة حق الزوج وأنه كالمالك وينعقد نكاح الأخرس بإشارته التي لا يختص بفهمها الفطن ، وكذا بكتابته على ما في المجموع ، وهو محمول على ما إذا لم تكن له إشارة مفهمة وتعذر توكيله لاضطراره حينئذ ، ويلحق بكتابته في ذلك إشارته التي يختص بفهمها الفطن .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في أركان النكاح

                                                                                                                            ( قوله : وتوابعها ) أي كنكاح الشغار وكالشهادة على إذن المرأة ( قوله : وهي ) أي الأركان ( قوله وشاهدان ) عدهما ركنا لعدم اختصاص أحدهما دون الآخر ، بخلاف الزوجين فإنه يعتبر في كل منهما ما لا يعتبر في الآخر ، وجعلهما حج ركنا واحدا لتعلق العقد بهما فلا تخالف بينهما ( قوله : ومثله القبول ) أي في أنه يعتد به من الهازل [ ص: 210 ] قوله : كما مر آنفا ) أي في آخر الفصل قبله بقوله فإن طال الذكر الفاصل بينهما لم يصح إلخ ( قوله : من دال عليها ) أي الزوجة ( قوله : وإن توقف فيه السبكي ) أي في رضيت ( قوله : لا قبلت ) أي فقط من غير ذكر نكاحها أو تزويجها ، وقوله لكن ردوه معتمد ( قوله : ولا يشترط فيها ) أي في مسألة المتوسط .

                                                                                                                            والحاصل في مسألة المتوسط أن يقول الولي بعد قول المتوسط زوجت بنتك فلانا زوجتها له ، أو زوجته إياها ، ولا يكفي زوجت بدون الضمير ولا زوجتها بدون ذكر الزوج ، وأن يقول الزوج بعد قول المتوسط تزوجتها مثلا تزوجت أو قبلت نكاحها لا قبلت وحدها ولا مع الضمير نحو قبلته ( قوله : لكن جزم غير واحد إلخ ) معتمد ( قوله : ، أو زوجتها ) أي فلا يكفي زوجت فقط ولا بد مع ذلك من ضم لفلان على ما يأتي ( قوله فقال قبلته على ما مر ) مرجوح ( قوله : ، أو تزوجتها ) أي ، أو قال المتوسط إلخ ( قوله : فقال تزوجت ) أي ولا يحتاج إلى ذكر ما يدل عليها ، وفي هذه تخالف مسألة المتوسط غيرها لما مر في قوله ولا بد من دال عليها من نحو إلخ ( قوله ولا يكفي هنا ) أي في مسألة المتوسط بخلافه في البيع ( قوله : على أنه لا بد ) أي في مسألة المتوسط ( قوله : للتخيير مطلقا ) أي سواء أتى الولي بلفظ الإنكاح ، أو التزويج فليس قبلت نكاحها راجعا لأنكحت وقبلت تزويجها راجعا لزوجت ( قوله : إذ لا يشترط توافق اللفظين ) أي أما التوافق معنى فلا بد منه كما مر في قوله قبيل الفصل وأن يقبل على وفق الإيجاب لا بالنسبة للمهر إلخ ، وقضيته أنه لو كان الولي جدا وله بنتا ابنين فقال للزوج زوجتك موليتي فقبل نكاح إحداهما البطلان ، وهو ظاهر قياسا على البيع .

                                                                                                                            ( قوله : كان ينبغي تقديم قبلت ) أي على تزوجت ( قوله وفي تعليق البغوي ) مستند النظر ولو قال لما [ ص: 211 ] في إلخ كان أوضح ( قوله والأصح خلافا ) أي فما في التعليق صحيح لما بينه من أن التنظير مبني على عدم اشتراط ما يدل على المرأة ، والأصح أنه لا بد من ذكر ما يدل عليها فعدم الصحة بتزوجت فقط ظاهر والتنظير فيه مندفع ( قوله فما في التعليق ) أي من عدم الصحة ( قوله : عن ذلك الموجب ) وهو الضمير ، أو نحوه ( قوله : الذي ذكر ) أي في قوله لتردده بين إلخ ( قوله ولو من عارف ) خلافا لحج في العارف ( قوله ولا ينافي ذلك ) أي عدم الضرر هنا ( قوله : لأن المدار في الصيغة على المتعارف ) في كون فتح تاء المتكلم من المتعارف في محاورات الناس ولو من العارف نظر فالقلب إلى ما قاله حج أميل ( قوله : وإبدال الزاي جيما ) أي لا يضر ، ويأتي مثل ذلك فيما لو قال الزوج في المراجعة راجعت زوجتي لعقد نكاحي فلا يضر ، أو قال زوزتك ، أو زوزني ( قوله : والكاف همزة ) ظاهره ولو من عارف ، وظاهره وإن لم تكن لغته ولا لثغة بلسانه ( قوله : يصح أنكحك ) ويصح أيضا أزوجتك ولو من عالم ، ونقل في الدرس عن الرملي ما يوافقه ، ووجهه أن معنى أزوجتك فلانة صيرتك زوجا لها ، وهو مساو في المعنى كزوجتكها ، ونقل عن شيخ الإسلام أيضا ما يخالفه .

                                                                                                                            ( قوله : والتذكير والتأنيث ) أي وكل منهما لا يحل ( قوله : الصلات ) أي وهي لك ، أو إليك إلخ ( قوله : مع نفي الصداق ) أو الاقتصار على بعض ما سماه الولي ( قوله : لحصول المقصود ) أي مع تقدمه ( قوله : إلا بلفظ التزويج ) ولا يضر الخطأ فيهما على ما مر من إبدال الزاي جيما وعكسه ( قوله بأمانة الله ) أي بجعلهن تحت أيديكم كالأمانات الشرعية ( قوله : وكلمته ما ورد في كتابه ) أي من نحو { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } و { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } ( قوله : واضح في ذلك ) أي [ ص: 212 ] منع القياس ( قوله : بما معك من القرآن ) ينبغي أن المراد من هذه الصيغة بتعليمك إياها ما معك من القرآن وقد كان معلوما لهما : أي الزوجين ( قوله : وكذا بكتابته ) ظاهره ولو لغائب ، وعبارة سم على حج ، قال في متن الروض : ولا بكتابة ، قال في شرحه : في غيبة أو حضور لأنها كناية ، قال : بل لو قال لغائب زوجتك ابنتي ، أو قال زوجتها من فلان ثم كتب فبلغه الكتاب ، أو الخبر فقال قبلت لم يصح كما صححه في أصل الروضة في الأولى ، وسكت عن الثانية لأنها سقطت من كلامه ، إلى أن فرق في شرح الروض بين ما هنا والبيع بأنه أوسع بدليل انعقاده بالكناية وثبوت الخيار فيه انتهى .

                                                                                                                            وهو صريح في عدم الصحة بالكتابة لكونها كناية ، وهو شامل للأخرس وغيره لكن حيث صح عقد الأخرس بالكتابة للضرورة على ما ذكر فيحتمل تخصيصه بالحاضر لتحقق الضرورة فيه ويحتمل التعميم وهو الأقرب هذا ، وقد يقال : ما المانع من أن القاضي يزوجه حيث لم تكن إشارة صريحة كما يتصرف في أمواله ( قوله : وهو محمول ) أي صحة نكاحه بالكتابة ( قوله : إشارة مفهمة ) أي لكل أحد ، أما إذا فهمها الفطن دون غيره ساوت الكتابة فيصح نكاحه بكل منهما ( قوله وتعذر توكيله ) مفهومه أنه لو أمكنه التوكيل بالكتابة ، أو الإشارة التي يختص بفهمها الفطن تعين لصحة نكاحه توكيله ، وهو قريب لأن ذلك وإن كان كناية أيضا فهي في التوكيل وهو ينعقد بالكناية بخلاف النكاح ( قوله : إشارته التي يختص بفهمها إلخ ) أي فيصح نكاحه بها للضرورة حيث تعذر توكيله .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) في أركان النكاح [ ص: 210 ] قوله : كما حكاه ابن هبيرة الوزير ) أي الحنبلي في كتابه المسمى بالإشراق ( قوله : فقال تزوجت صح ) عبارة التحفة : تزوجتها ، وهي الأصوب لما مر ( قوله : ونبه الوالد إلخ ) أي في مسألة المتوسط : أي فقوله فيها لكن جزم غير واحد بأنه لا بد من زوجته أو زوجتها : أي مع قوله لفلان في الشق الثاني ، وظاهر أنه لا يشترط قوله فلانة في الشق الأول فليراجع ( قوله : وفي تعليق البغوي إلخ ) من جملة كلام المنظر كما يعلم من قول الشارح انتهى .

                                                                                                                            لكن ليس في كلام الشارح ما يصح تسليطه عليه ، وعبارة التحفة : وقد قيل في صحة تزوجت أو نكحت نظر [ ص: 211 ] لتردده إلى قوله انتهى ، فقوله وفي تعليق البغوي إلخ من جملة ما قيل ( قوله : لأن هذا إنشاء شرعا ) قال الشهاب سم : لا وجه لكونه إنشاء مع نحو الضمير ومتمحضا للأخبار أو قريبا منه مع عدمه . ا هـ . ( قوله : وإبدال إلخ ) معطوف [ ص: 212 ] على فتح تاء المتكلم




                                                                                                                            الخدمات العلمية