الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( لكن يكره ) للمسلم إن لم يخش العنت فيما يظهر كتابية ( حربية ) ولو تسريا في دارهم كما يأتي لئلا يرق ولدها إذا سبيت حاملا فإنها لا تصدق أن حملها من مسلم ، ولأن في الإقامة بدار الحرب تكثير سوادهم ، ومن ثم كرهت مسلمة مقيمة ثم ، كما صرح به في الأم ( وكذا ) تكره ( ذمية على الصحيح ) لئلا تفتنه بفرط ميله إليها ، أو ولده وإن كان الغالب ميل النساء إلى دين أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات ، نعم الكراهة فيها أخف منها في الحربية .

                                                                                                                            والثاني لا تكره ، لأن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك ، والأوجه كما بحثه الزركشي ندب نكاحها إذا رجي إسلامها كما وقع لعثمان رضي الله عنه أنه نكح نصرانية كلبية فأسلمت وحسن إسلامها ، ومحل كراهة الذمية كما قاله الزركشي إذا وجد مسلمة وإلا فلا كراهة ( والكتابية يهودية أو نصرانية ) لقوله تعالى { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } ( لا متمسكة بالزبور وغيره ) كصحف شيث وإدريس وإبراهيم صلى الله عليهم وعلى نبينا وسلم فلا تحل له وإن أقروا بالجزية سواء أثبت تمسكها بذلك بقولها أم بالتواتر أم بشهادة عدلين أسلما لأنه أوحي إليهم معانيها لا ألفاظها ، أو لكونها حكما ومواعظ لا أحكاما [ ص: 291 ] وشرائع ، وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن فيها نقص الكفر في الحال وغيرها فيه مع ذلك نقص فساد الدين في الأصل ( فإن لم تكن الكتابية ) أي لم يتحقق كونها ( إسرائيلية ) أي من نسل إسرائيل وهو يعقوب صلى الله على نبينا وعليه وسلم ، ومعنى إسرا : عبد ، وإيل : الله بأن عرف أنها غير إسرائيلية ، أو شك أهي إسرائيلية ، أو غيرها ( فالأظهر حلها ) للمسلم ، أو الكتابي ( إن علم ) بالتواتر ، أو شهادة عدلين لا بقول المتعاقدين على المعتمد وإنما قبل ذلك بالنسبة للجزية تغليبا لحقن الدماء ( دخول قومها ) أي أول آبائها ( في ذلك الدين ) أي دين موسى ، أو عيسى صلى الله عليهما وسلم ( قبل نسخه وتحريفه ) ، أو قبل نسخه وبعد تحريفه واجتنبوا المحرف يقينا لتمسكهم به حين كان حقا فالحل لفضيلة الدين وحدها ، ومن ثم سمى صلى الله عليه وسلم هرقل وأصحابه أهل كتاب في كتابه إليه مع أنهم ليسوا إسرائيليين ( وقيل يكفي ) دخولهم بعد تحريفه وإن لم يجتنبوا المحرف إذا كان ( قبل نسخه ) لأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم ولم يجتنبوا ،

                                                                                                                            والأصح المنع لبطلان فضيلة الدين بتحريفه ، وخرج بعلم ما لو شك هل دخلوا قبل التحريف ، أو بعده ، أو قبل النسخ ، أو بعده ، فلا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم أخذا بالأحوط ، ويقبل ذلك الذي ذكره وذكرناه ما لو دخلوا بعد التحريف ولم يجتنبوا ولو احتمالا ، أو بعد النسخ كمن تهود ، أو تنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ، أو تهود بعد بعثة عيسى بناء على الأصح أنها ناسخة لشريعة موسى صلى الله عليه وسلم ، وقيل إنها مخصصة لقوله تعالى { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } ولا دلالة فيه لاحتماله النسخ أيضا إذ لا يشترط في نسخ الشريعة لما قبلها رفع جميع أحكامها بها ، وقول السبكي : ينبغي الحل ممن علم دخول أول أصولهم وشك هل هو قبل نسخ أو تحريف ، أو بعدهما قال ، وإلا فما من كتابي اليوم لا يعلم أنه إسرائيلي إلا ويحتمل فيه ذلك فيؤدي إلى عدم حل ذبائح أحد منهم اليوم ولا مناكحتهم ، بل ولا في زمن الصحابة كبني قريظة والنضير وقينقاع ، وطلب مني بالشام منعهم من الذبائح فأبيت لأن يدهم على ذبيحتهم دليل شرعي ، ومنعهم قبلي محتسب لفتوى بعضهم ولا بأس بالمنع ، وأما الفتوى به فجهل واشتباه على من أفتى به ا هـ ملخصا ضعيف [ ص: 292 ] مردود ، أما الإسرائيلية يقينا بالتواتر ، أو بقول عدلين لا المتعاقدين كما مر فتحل مطلقا لشرف نسبها ما لم يتيقن دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه لسقوط فضيلته بنسخه ، وهي بعثة عيسى أو نبينا صلى الله عليه وسلم لا بعثة من بين موسى وعيسى لأنهم كلهم أرسلوا بالتوراة والزبور ، وقد مر أنه حكم ومواعظ ، ولا يؤثر تمسكهم هنا بالمحرف قبل النسخ لما ذكر ، وقول الشارح : أما بعد النسخ ببعثة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام فلا تفارق فيه الإسرائيلية غيرها يفهم أن الإسرائيلية لو تهود أول آبائها بعد بعثة عيسى تحل مناكحتها وليس كذلك ، والمراد بأول آبائها أول جد يمكن انتسابها له ولا نظر لمن بعده ، ويعلم مما يأتي من حرمة المتولدة بين من تحل وبين من لا تحل أن المراد بقولهم هنا في الإسرائيلية وغيرها أول آبائها : أي أول المنتقلين منهم ، وأنه يكفي في تحريمها دخول واحد من آبائها بعد النسخ والتحريف على ما مر وإن لم ينتقل أحد منهم لا أنها حينئذ صارت متولدة بين من تحل وتحرم ، وظاهر أنه يكفي هنا بعض آبائها من جهة الأم نظير ما يأتي ثم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : إن لم يخش العنت ) أي وإن لم يجد مسلمة ( قوله : ، أو ولده ) أي ، أو تفتن ولده ( قوله : ندب نكاحها ) أي الذمية ويظهر أن مثلها الحربية ( قوله : ومحل كراهة الذمية إلخ ) قضيته أن الحربية باقية على الكراهة وإن لم يجد مسلمة أيضا ( قوله : لأنه أوحى إليهم معانيها ) [ ص: 291 ] أي فشرفها دون شرف ما أوحي لفظه ومعانيه ( قوله : بأن فيها ) أي بأن الكتابية ( قوله : ومعنى إسرا ) أي بالعربية ( قوله : بأن عرف أنها إلخ ) أي إما بالتواتر أو بشهادة عدلين أسلما ، ولا يكفي قول المتعاقدين إنها إسرائيلية قياسا على ما يأتي قريبا ( قوله : فالأظهر حلها للمسلم ) قضية اقتصاره هنا على المسلم والكتابي وذكره غيرهما فيمن تحل له الكتابية في قوله السابق وغيرهما أنه لا يشترط لحل نكاح المجوسي والوثني ونحوهما للكتابية اعتبار الشروط وهو غير مراد ( قوله : إن علم بالتواتر ) أي ولو من كفار ( قوله : وإنما قبل ذلك ) أي دعوى الكافر أن أول آبائه دخل قبل النسخ ( قوله : فالحل لفضيلة الدين ) أي حل نكاحها ( قوله : الذي ذكره ) أي المصنف في قوله قبل نسخه ، وقوله وذكرناه : أي في قوله ، أو قبل نسخه وبعد تحريفه ، وقوله ما لو دخلوا بعد التحريف : أي فلا تحل ( قوله : ولا دلالة فيه ) [ ص: 292 ] أي في قوله تعالى { ولأحل لكم } ( قوله : ولا يؤثر تمسكهم هنا ) أي في قوله أما الإسرائيلية يقينا ( قوله ويعلم مما يأتي من حرمة المتولدة إلخ ) وفي نسخ بعد قوله ولا نظر لمن بعده : وظاهر أنه يكفي إلخ وهي الأولى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : سواء أثبت تمسكها بذلك إلخ ) [ ص: 291 ] لا حاجة إلى هذا التعميم هنا ( قوله : نقص فساد الدين في الأصل ) قال الشهاب سم يتأمل . ا هـ .

                                                                                                                            أقول : لعل وجه التأمل أنه كيف يقال بفساد الدين في الأصل فيمن تمسك بالزبور ونحوه ، فإن كان هذا مراده بالأمر بالتأمل فالجواب عنه أن الزبور ونحوه لا يصح التمسك به لما مر أنه حكم ومواعظ لا أحكام وشرائع ( قوله : فالحل لفضيلة الدين وحدها ) أي في غير الإسرائيلية التي الكلام فيها ، أما الإسرائيلية فسيأتي أن النظر لنسبها ( قوله : وقيل إنها مخصصة ) يعني ناسخة للبعض دون البعض لا للجميع الذي هو مراد الأصح كما لا يخفى لاستحالة إرادة التخصيص هنا حقيقة الذي هو قصر العام على بعض أفراده ، فتعين ما ذكرته من إرادة النسخ به الذي هو رفع [ ص: 292 ] الحكم الشرعي بخطاب إذ هو المتحقق هنا كما لا يخفى على المتأمل ، وحينئذ فلا يتوجه قول الشارح تبعا للشهاب حج ولا دلالة فيه إلخ ( قوله : أول المنتقلين منهم ) قال الشهاب سم : أي فاعتبار الأول ; لأن الغالب تبعية أبنائه له وللاحتراز عن دخول ما عدا الأول مثلا قبل النسخ والتحريف فلا اعتبار به فيكون الحاصل أن شرط الحل دخول الأول بشرطه يقينا مطلقا أو احتمالا في الإسرائيلية وتبعية من بينهما أي المنكوحة وبينه أي أبي المنكوحة المذكور له أو جهل الحال فيه ولو في غير الإسرائيلية .

                                                                                                                            فالحاصل أن الشرط عدم علم عدم التبعية فليتأمل . ا هـ . ( قوله : وإن لم ينتقل أحد منهم ) أي غيره كما في التحفة




                                                                                                                            الخدمات العلمية