الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويحرم عليه وطء أمة ولده ) الذكر والأنثى وإن سفل بالإجماع

                                                                                                                            ( والمذهب وجوب ) تعزير عليه لحقه تعالى إن رآه الإمام إذا وطئها عالما بالتحريم مختارا وأرش بكارة و

                                                                                                                            ( مهر ) للولد في ذمة الحر ورقبة غيره وإن طاوعته في أرجح القولين ، نعم المكاتب كالحر لأنه لا يملك ، ومحله إن لم يحبلها أو أحبلها وتأخر الإنزال عن مغيب الحشفة كما هو الغالب ، فإن أحبلها وتقدم إنزاله على تغييبها أو قارنه فلا مهر ولا أرش لأن وطأه وقع بعد أو مع انتقالها إليه لما يأتي أنه يملكها قبل الإحبال

                                                                                                                            ( لا حد ) ولو موسرا وإن كانت موطوءة فرعه أو مستولدة له كما اقتضاه كلام الروضة في مواضع وجرى عليه الإسنوي وغيره ، وجزم به ابن المقري وهو المعتمد ، وإن نقل في الروضة عن تجربة الروياني عن الأصحاب أنه يجب عليه الحد قطعا لعدم تصور ملكه لها بحال والأصل في ذلك خبر ابن حبان في صحيحه { أنت ومالك لأبيك } ولشبهة الإعفاف الذي هو من جنس ما فعله فأشبه ما لو سرق ماله ، ولأن الأصل

                                                                                                                            [ ص: 326 ] لا يقتل بولده فيبعد رجمه بوطء أمته ، وشمل ذلك ما لو وطئها في دبرها فلا حد : كما لو وطئ السيد أمته المحرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو تمجس في دبرها

                                                                                                                            ( فإن أحبل ) الأب

                                                                                                                            ( فالولد حر نسيب ) للشبهة وإن كان قنا كما نقلاه عن القفال وأقراه وهو المعتمد كولد المغرور فيطالبه بقيمة الولد بعد عتقه ، نعم الأوجه مطالبة المكاتب بها حالا لأنه يملكه والمبعض بقدر الحرية حالا وبقدر الرق بعد عتقه

                                                                                                                            ( فإن كانت مستولدة للابن لم تصر مستولدة للأب ) لأنها لا تقبل النقل ، فلو كان الأصل مسلما والفرع ذميا ومستولدة ذمية فهل يثبت الاستيلاد للأصل لأنها قابلة للنقل لو نقضت العهد وسبيت أو لا ؟ لأنها الآن على حالة تقتضي منع النقل ، تردد ، والأوجه القطع بالثاني

                                                                                                                            ( وإلا ) بأن لم تكن مستولدة له

                                                                                                                            ( فالأظهر أنها تصير ) مستولدة للأب الحر ولو معسرا لقوة الشبهة هنا وبه فارق أمة أجنبي وطئت بشبهة ولو ملك الولد بعضها والباقي حر نفذ استيلاد الأب في نصيب ولده أو قن نفذ فيه ، مطلقا ، وكذا في نصيب الشريك إن أيسر ، أما القن كله أو بعضه فلا تصير مستولدة له .

                                                                                                                            والثاني لا تصير لأنها غير ملك له ولا حاجة إلى تقدير انتقال الملك فيها إليه ، وما أفتى به القفال من أنه لو استعار أمة ابنه للرهن فرهنها ثم استولدها لم تصر أم ولد لأدائه إلى بطلان عقد عقده بنفسه ، بخلاف ما لو رهن أمة فاستولدها أبوه فإنها تصير لأنه لا يؤدي لذلك مردود بأن الراهن لو أحبل أمته المرهونة وهو موسر صارت أم ولد له وبطل الرهن مع أدائه إلى بطلان عقد عقده بنفسه

                                                                                                                            ( و ) الأظهر

                                                                                                                            ( أن عليه قيمتها ) يوم الإحبال سواء أنزل قبل ذلك أم بعده أم معه ، والقول في قدرها قول الأب لأنه غارم ، ولو تكرر وطؤه لها مدة واختلفت قيمتها فيما ولم يعلم متى علقت

                                                                                                                            [ ص: 327 ] بالولد اعتبرت قيمتها في آخر زمن يمكن علوقها به فيه .

                                                                                                                            قاله القفال ، وذلك ستة أشهر قبل ولادتها لأن العلوق من ذلك يقين وما قبله مشكوك فيه .

                                                                                                                            قال : ولا يؤخذ في ذلك بقول القوابل ، بخلاف نفقة الحامل المبتوتة لأنها كانت واجبة ، وهذا ظاهر حيث لم يستول عليها قبل زمن العلوق ، وإلا فظاهر أنه يلزمه أقصى قيمتها من استيلائه عليها إلى زمن العلوق .

                                                                                                                            أما المستولدة فلا يجب عليه قيمتها مطلقا لعدم انتقالها إليه ومقابل الأظهر مبني على أنها لا تصير

                                                                                                                            ( مع مهر ) بشرطه السابق كما لو استولد أحد الشريكين المشتركة ووجبا لاختلاف سببهما فالمهر للإيلاج والقيمة للاستيلاد

                                                                                                                            ( لا قيمة ولد ) فلا تلزمه وإن انفصل حيا أو ميتا بجناية مضمونة

                                                                                                                            ( في الأصح ) لأنه التزم قيمة أمه وهو جزء منها فاندرج فيها ولأنه انعقد في ملكه ولأن قيمته إنما تجب بعد انفصاله وذلك واقع في ملكه ، ويؤخذ من تعاليل عدم لزوم قيمة الولد لزومها فيما لو كانت مستولدة للابن وهو ظاهر ، ومتى حكمنا بالانتقال وجب الاستبراء صرح به البغوي في فتاويه ، ويحصل ملكها قبيل العلوق كما جرى عليه ابن المقري ، وهو المعتمد كما يقتضيه ترجيحهم عدم وجوب قيمة الوالد ، ومقابل الأصح يقول ينتقل الملك بعد العلوق لتحقق الصيرورة حينئذ .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لحقه تعالى ) أي لا لحق الابن ا هـ شيخنا زيادي نقلا عن الرافعي ، ويبقى النظر في أن كون التعزير ليس لحق الابن هل هو خاص بما هنا وأنه وجد لابنه إن وجد من الأب في حقه ما يقتضيه أم لا يعزر له في موضع كما لا يحد له فيه نظر ، والأقرب الأول لأنه علق بنظر الإمام فإن تعليقه بذلك يقتضي أنه إنما يفعله حيث ترتب عليه مصلحة ( قوله : ومهر للولد ) أي مهر ثيب ا هـ سم .

                                                                                                                            [ فرع ] قال في العباب : ومن تزوج أمة أخيه فوطئها أبوهما لزمه مهر للمالك ومهر للزوج ا هـ .

                                                                                                                            أما الذي للمالك فهو في مقابلة الوطء ، وأما الذي للزوج فهو لتفويته إياها عليه ( قوله : في ذمة الحر ) هل ولو مبعضا لأنه يملك أو يقال نصف المهر في رقبته ونصفه يتعلق بذمته فيه نظر ، والظاهر الثاني .

                                                                                                                            ثم رأيت قول الشارح بالنسبة لقيمة الولد والمبعض بقدر الحرية إلخ ، وهو مؤيد لما ذكرناه ( قوله : وإن طاوعته ) غاية ( قوله نعم المكاتب كالحر ) أي فيكون في ذمته ( قوله لما يأتي أنه يملكها قبل الإحبال ) ويظهر أن القول في التقدم وعدمه قول الأب بيمينه إذ لا يعلم إلا منه ، فإن شك فهو محل نظر لأن الأصل العام براءة الذمة والخاص إلزامها ، إذ إتلاف مال الغير الأصل فيه إيجابه للضمان ويقع لهم أنهم يرجحون هذا لخصوصه فهو أقوى ، ومع ذلك الأقرب الأول لأن الأب امتاز عن غيره بما يوجب خروجه عن هذا الخاص ا هـ حج ( قوله : كما اقتضاه ) أي عدم الحد في المستولدة ( قوله لعدم تصور ملكه لها ) أي المستولد ( قوله ومالك لأبيك ) أي يجب عليك أن تكون مع والدك

                                                                                                                            [ ص: 326 ] كالمملوك له بحيث لا تخالفه فيما أمرك به ولا تفعل معه ما يؤذيه ، ومعنى كون المال له أن ماله بمنزلة مال أبيه فيصرف عليه منه ما يدفع حاجته فكان له في مال ولده شبهة اقتضت دفع الحد عنه ( قوله : وشمل ذلك ما لو وطئها في دبرها فلا حد ) أي خلافا لحج ( قوله : وإن كان قنا ) أي الأب ويلغز به فيقال لنا حر بين رقيقين ( قوله : فيطالب بقيمة الولد بعد عتقه ) تقدم في باب معاملة العبيد أنه لو اشترى القن شيئا بغير إذن سيده وتلف في يده تعلق بدله بذمته ، وإنما يطالب به بعد العتق لجميعه ، وقياسه أن يكون هنا كذلك ، لكن قضية ما ذكره بعد في المبعض أنه إذا عتق بعضه طولب بقدر ما يخص جزء الحرية حالا ، وعليه فقد يفرق بين هذا وما مر بأنه ثم وجب عليه الدين برضا مستحقه فلم يضايق فيه بخلافه هنا ، إلا أن يقال يمكن التسوية بين ما هنا وما مر ، ويفرق بينه وبين المبعض الآتي بأن جناية المبعض وقعت مع حرية بعضه فتعلق الغرم بجملته وهو يقتضي التوزيع ، بخلاف مسألتنا فإن الوطء وقع منه وهو رقيق كله فاستصحب حتى عتق كله كما في مسألة البيع المذكور ( قوله والأوجه القطع بالثاني ) هو قوله أولا ( قوله : و به فارق ) أي ما ذكر من قوة الشبهة ( قوله : أمة أجنبي وطئت بشبهة ) أي فإنها لا تصير مستولدة للواطئ ولو موسرا وغير مستولدة لمالكها ( قوله : أو قن نفذ فيه ) أي نصيب ولده وقوله مطلقا : أي موسرا أو معسرا ( قوله : وكذا في نصيب الشريك إن أيسر ) أي الأب ، فإن كان الأب معسرا لم ينفذ في نصيب الشريك ويرق من الولد نصيب الشريك وينفذ الإيلاد في نصيب الابن من المبعضة ذكر ذلك في الروض وغيره ا هـ سم على منهج ( قوله : مردود ) أي فتصير مستولدة للأب ( قوله : والقول في قدرها ) أي القيمة

                                                                                                                            [ ص: 327 ] قوله : اعتبرت قيمتها ) وهل يجب مع ذلك مهر وإن سبقه الإنزال في الوطأة الأولى واحتمل كون العلوق من ذلك الوطء أولا لأن الأصل براءة ذمته منه ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأن الأصل في وطء ملك غيره وجوب المهر كسائر الإتلافات فلا يسقط إلا بيقين ، لكن قد يعارضه ما مر عن حج بالهامش من أن الأب امتاز عن غيره بما يوجب خروجه عن هذا الخاص وقوله يمكن علوقها به فيه شمل ذلك ما لو كانت قيمتها في ذلك الوقت أكثر وفيه أن الأصل براءة ذمته مما زاد على أقل القيم ، إلا أن يقال الأصل عدم الانتقال عن ملك الفرع فاستصحب ( قوله لعدم انتقالها ) أي ولكن يجب عليه مهره ( قوله بشرطه السابق ) أي في قوله ومحله إن لم يحبلها إلخ ( قوله : كما لو استولد أحد الشريكين المشتركة ) أي فإنه يجب عليه حصة شريكه من المهر والقيمة وتصير مستولدة للواطئ إن أيسر ، فإن كان معسرا لا ينفذ الاستيلاد في حصة الشريك ، وقياس ما ذكرنا عن الروض عن سم أن يكون الولد مبعضا ( قوله : وجب الاستبراء ) أي لحق الله تعالى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : كما اقتضاه كلام الروضة ) أي في المستولدة ( قوله : في ذلك ) أي نفي الحد [ ص: 326 ] قوله : وإن كان قنا ) أي الأب ( قوله : كولد المغرور ) أي إذا كان رقيقا ( قوله : فيطالب ) أي الأب الرقيق ، ولا ينافي هذا ما سيأتي من أن الأب لا يغرم قيمة الولد ; لأنه في الحر ; لأنه التزم قيمة الأم كما سيأتي ( قوله نفذ فيه ) أي في نصيب الابن ( قوله : ولا حاجة إلخ ) من تمام علة الضعيف يشير إلى الرد على الأظهر [ ص: 327 ] قوله : ويحصل ملكها قبيل العلوق ) وهذا مبني على الأصح المار في المتن كما يدل عليه قوله ومقابل الأصح إلخ لكن في سياقة قلاقة شديدة فلتراجع عبارة الجلال المحلي




                                                                                                                            الخدمات العلمية