الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والنفل ذو الوقت أو السبب كالفرض فيما سبق ) أي من اشتراط نية فعل الصلاة والتعيين ، فينوي في ذي السبب سببها كصلاة الكسوف والاستسقاء وعيد الفطر أو الأضحى وسنة الظهر مثلا القبلية أو البعدية سواء أكان صلى الفرض قبل القبلية أم لا ، خلافا لبعض المتأخرين ، ووجه بأن تعيينها إنما يحصل بذلك لاشتراكهما في الاسم والوقت ، كما يجب تعيين الظهر لئلا يلتبس بالعصر ، وكما يجب تعيين عيد الفطر لئلا يلتبس بالأضحى ، ولأن الوقت لا يعين ، وما بحثه ابن عبد السلام من أنه ينبغي في صلاة العيد أن لا يجب التعرض لكونها فطرا أو نحوا لأنهما مستويان في جميع الصفات فيلتحق بالكفارة رد بأن الصلاة آكد فإنها عبادة بدنية لا تدخلها النيابة ، ولا يجوز تقديمها على وقت وجوبها بخلاف الكفارة .

                                                                                                                            ويستثنى [ ص: 455 ] من ذي السبب تحية المسجد وركعتا الوضوء والإحرام والاستخارة والطواف وصلاة الجمعة وسنة الزوال وصلاة الغفلة بين المغرب والعشاء والصلاة في بيته إذا أراد الخروج للسفر والمسافر إذا نزل منزلا وأراد مفارقته كما في الكفاية في الأولى والإحياء في الثانية وقياسا عليهما في الثالثة والرابعة كما بحثه بعضهم لحصول المقصود بكل صلاة وإن نقل في الكفاية عن الأصحاب في الثالثة أنه لا يكفي فيها ذلك .

                                                                                                                            والتحقيق في هذا المقام عدم الاستثناء لأن هذا المفعول ليس عين ذلك المقيد وإنما هو نفل مطلق حصل به مقصود ذلك المقيد .

                                                                                                                            والوتر صلاة مستقلة فلا تجب إضافتها إلى العشاء ، بل ينوي سنة الوتر ، وينوي بجميعه إن أوتر بأكثر من ركعة الوتر أيضا وإن فصله كما ينوي التراويح بجميعها . والحاصل أنه ينوي في الأخيرة منه وفيما سواها الوتر أو سنته ، ويتخير فيما سوى الأخيرة منه إذا فصله بين نية صلاة الليل ومقدمة الوتر وسنته وهي أولى .

                                                                                                                            قال في المهمات : ومحل ذلك إذا [ ص: 456 ] نوى عددا فإن لم ينو فهل يلغو لإبهامه أو يصح ، ويحمل على ركعة لأنها المتيقن ، أو ثلاث لأنها أفضل كنية الصلاة فإنها تنعقد ركعتين مع صحة الركعة ، أو إحدى عشرة لأن الوتر له غاية هي أفضل ، فحملنا الإطلاق عليها بخلاف الصلاة فيه نظر ا هـ . قال ابن العماد : هذه الترديدات كلها باطلة ، لأن الأصحاب جعلوا للوتر أقل وأكمل وأدنى كمال ، وصرحوا بأن إطلاق النية إنما يصح في النفل المطلق ، ثم إن ما ذكره من الحمل على إحدى عشرة إن كان فيما إذا نوى مقدمة الوتر أو من الوتر لم يصح ذلك ، وإن كان فيما إذا أطلق وقال أصلي الوتر فالوتر أقله ركعة فينزل الإطلاق عليها حملا على أدنى المراتب ا هـ .

                                                                                                                            واستظهر الشيخ أنه يصح ويحمل على ما يريده من ركعة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة ، ورجح الوالد رحمه الله تعالى الحمل على ثلاث ، ويوجه بأنه أقل ما طلبه الشارع فيه فصار بمثابة أقله ، إذ الركعة قيل يكره الاقتصار عليها فلم تكن مطلوبة له بنفسها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لبعض المتأخرين ) أي حيث قال : إن لم يكن صلى الفرض لا يحتاج لنية القبلية لأن البعدية لم يدخل وقتها فلا يشتبه ما نواه بغيره ( قوله : ووجه ) أي اشتراط التعيين ولو قبل فعل الفرض ( قوله : إنما يحصل بذلك ) أي تعيين القبلية والبعدية ( قوله : بخلاف الكفارة ) أي فإنها عبادة [ ص: 455 ] مالية وتدخلها النيابة ، ويجوز تقديمها على وقت وجوبها في الجملة بأن كانت بالمال وقدمت على الحنث ( قوله : تحية المسجد ) أي فلا يشترط التعيين بالإضافة إلى السبب في شيء من المذكورات ( قوله وصلاة الحاجة ) وأقلها ركعتان ( قوله : وسنة الزوال ) سيأتي أن ذات السبب تفوت بزواله ، وعليه فلينظر بماذا تفوت سنة الزوال هل بصلاة الظهر أو بطول الزمن أو بغير ذلك ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم فواتها لأنها طلبت بعد الزوال ، فالزوال سبب لطلب فعلها وهو باق وإن طال الزمن فليراجع ، وهذا كله حيث دخل الوقت ولم يصل ما تحصل به ، فإن فعل ذلك كأن صلى سنة الظهر أو تحية المسجد مثلا بعد الزوال ثم أراد أن يصليها فهل تنعقد صلاته أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الانعقاد لأن الأصل أن العبادة إذا لم تطلب لا تنعقد ، وهذه غير مطلوبة حينئذ لدخولها فيما صلاه وإن لم ينوها .

                                                                                                                            وقياس عدم حصول تحية المسجد إذا نفاها انتفاء سنة الزوال إذا فعل سنة الظهر مثلا ونفى سنة الزوال عنها ( قوله : والصلاة في بيته ) وأقلها ركعتان ( قوله : والمسافر إذا نزل ) وأقلها ركعتان ( قوله : في الأولى ) أي تحية المسجد ( قوله : في الثانية ) أي ركعتا الوضوء ( قوله : لحصول المقصود إلخ ) وينبغي أن يلحق بذلك صلاة التوبة وركعتا القتل وعند الزفاف ونحو ذلك من كل ما قصد به مجرد الشغل بالصلاة ( قوله : حصل به مقصود ذلك ) كشغل البقعة في حق داخل المسجد وإيقاع صلاة بعد الوضوء في حق المتوضئ ، وأشار بقوله المقصود إلى أن المطلوب نفسه لم يحصل ، فلا يقال صلى تحية المسجد مثلا وإنما يقال صلى صلاة حصل بها المقصود من تحية المسجد وعلى هذا لو حلف لا يصلي سنة الوضوء أو تحية المسجد مثلا لا يحنث بما صلاه مما يحصل به مقصود ما حلف على عدم فعله ، وكذا لا يحصل ثوابها حيث لم تنو وإن سقط الطلب كما صرح به حج رحمه الله ، وعليه فلو أراد أن يعيد التحية هل تصح أم لا لدخولها في ضمن ما فعله ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لحصولها بما فعله أولا ، ولا ينافيه ما قالوه في الجنائز من أنه لو صلى على الميت ثم أعاد مرارا ولو منفردا صحت صلاته وإن سقط فعلها ، لأن تلك خرجت عن النظائر لغرض حصول الرحمة للميت .

                                                                                                                            ( قوله : فلا تجب إضافتها ) أي فلو أضافها لها صح كأن قال وتر العشاء ، والمعنى حينئذ الوتر المطلوب بعد العشاء ، بل قد يشعر بسن الإضافة اقتصاره على نفي الوجوب حيث قال : فلا يجب دون فلا يطلب ( قوله : وسنته ) هذه علمت من قوله أو سنته ، ولعل ذكرها هنا لقوله وهي أولى [ ص: 456 ] قوله : كنية الصلاة ) أي في النفل المطلق ( قوله : فإنها تنعقد ركعتين ) قضيته امتناع الزيادة عليهما حيث أطلق النية وليس مرادا ، فإنه والحالة ما ذكر يصلي ما شاء بتلك النية ، فلعل الغرض من هذا أنه لا يتعين حمل ما نواه على ركعة بل إن شاء اقتصر على ركعة أو يزيد كما يفهم من قول المصنف الآتي ، ولا حصر للنفل المطلق ، وقوله مع صحة الركعة المراد به أنه إذا أطلق النية لم يتعين حمله على الركعة وإن صحت نيتها استقلالا ( قوله : على ما يريده ) أي يختاره بعد إطلاق النية ( قوله : ويوجه بأنه إلخ ) وقياس ذلك أنه لو نوى سنة الظهر القبلية مثلا فركعتان أو الضحى فكذلك ا هـ مؤلف . ومثله في حاشية شيخنا الزيادي بالنسبة لسنة الظهر ، ثم رأيت في كلام سم على حج في صلاة النفل نقلا عن م ر ما نصه .

                                                                                                                            فرع : يجوز أن يطلق في نية سنة الظهر المتقدمة مثلا ويتخير بين ركعتين وأربع ا هـ م ر ا هـ وبقي ما لو نذر الوتر وأطلق فهل يحمل على ثلاث قياسا على ذلك أو على ركعة أو إحدى عشرة أو تلغو نيته ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، وعليه فالمعنى أن الثلاثة تثبت في ذمته وباقي الوتر باق على الندب ، ولا يجوز حمله على أن المعنى أنه يفعل الثلاث ويمتنع ما زاد عليها ، لأن عدم الزيادة لو قلنا به لكان من نذر ما ليس بقربة ونذر ما هو كذلك لا ينعقد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : سببها ) أي : الصلاة ( قوله : وعيد الأضحى إلخ ) هذا من ذي الوقت [ ص: 455 ] لا ذي السبب ، ولعل في نسخ الشارح سقطا ( قوله : وسنة الزوال وصلاة الغفلة ) هاتان ذاتا وقت لا سبب ( قوله : فلا تجب إضافتها إلى العشاء ) أفهم أنه يجوز وصرح به الشيخ في الحاشية والصورة أنه قال : الوتر سنة العشاء ، فلا يصح إذا لم يذكر لفظ الوتر كما هو ظاهر ، ولعل هذا مراد الروضة وغيرها بقولهم : ولا تضاف إلى العشاء [ ص: 456 ] قوله : فإنها تنعقد ركعتين ) أي : تنصرف إليهما فليس له الزيادة عليهما ولا النقض عنهما إلا بنية جديدة كما هو ظاهر ، وبه يندفع ما في حاشية الشيخ ( قوله : كلها باطلة ) أي إلا الأول منها كما يعلم من باقي كلامه ( قوله : ويحمل على ما يريده ) إن كان مراده ما يريده في ابتداء نيته خالف فرض المسألة ، وإن أراد ما يريده بعد خالف ما نقله ابن العماد من الحصر في كلامهم




                                                                                                                            الخدمات العلمية