الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن عجز ) وهو ناطق عن إتيانه بالتكبير بالعربية ولم يتمكن من التعلم في الوقت ( ترجم ) حتما بأي لغة كانت من فارسية وسريانية وعبرانية وغيرها فيأتي بمدلول التكبير بتلك اللغة إذ لا إعجاز فيه ، بخلاف الفاتحة حيث لا يترجم عنها لأن القرآن معجز ( ووجب التعليم إن قدر ) عليه سواء في ذلك التكبير والفاتحة والتشهد وما بعده ولو بسفر أطاقه وإن طال كما اقتضاه كلامهم ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وإنما لم يجب السفر للماء على فاقده لدوام نفع هذا بخلافه ، ويجب عليه تأخير الصلاة لأجل التعلم إلا أن يضيق وقتها فلا تجوز الصلاة للقادر عليه ما دام الوقت متسعا ، إذ لو جازت له حينئذ لم يلزمه التعلم أصلا لأنه بعد أن صلى لا يلزمه التعلم في هذا الوقت وفي الوقت الثاني مثله ، وإنما جاز التيمم أول الوقت مع تيقن الماء آخره لأن وجوده لا يتعلق بفعله ، فإن ضاق الوقت صلى لحرمته وأعاد ككل صلاة ترك التعلم لها مع إمكانه ، وإمكانه معتبر من الإسلام فيمن طرأ عليه ، وفي غيره يتجه كما قاله الإسنوي وغيره أن يعتبر من تمييزه لكون الأركان [ ص: 463 ] والشروط لا فرق فيها بين الصبي والبالغ ، ويطرد ذلك في جميع نظائره وقد ينازع فيه ، والأوجه خلافه لما فيه من مؤاخذته بما مضى في زمن صباه ، ويجب على السيد تعليم غلامه العربية لأجل التكبير ونحوه أو تخليته ليكتسب أجرة معلمه ، فإن لم يعلمه واستكسبه عصى بذلك .

                                                                                                                            أما العاجز لنحو خرس فيجب تحريك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير قدر إمكانه .

                                                                                                                            قال في المجموع : وهكذا حكم تشهده وسلامه وسائر أذكاره ، قال ابن الرفعة : فإن عجز عن ذلك نواه بقلبه كما في المريض . قال بعضهم : إن كان مراد الشافعي والأصحاب بذلك من طرأ خرسه أو خبل لسانه بعد معرفته القراءة وغيرها من الذكر الواجب فهو واضح ، لأنه حينئذ يحرك لسانه وشفتيه ولهواته بالقراءة على مخارج الحروف ، ويكون كناطق انقطع صوته فيتكلم بالقوة ولا يسمع صوته ، وإن أرادوا أعم من ذلك فهو بعيد .

                                                                                                                            والظاهر أن مرادهم الأول ، وإلا لأوجبوا تحريكه على الناطق الذي لا يحسن شيئا إذ لا يتقاعد حاله عن الأخرس خلقة ، وعلى تقدير أن لا يريد الأئمة من طرأ خرسه فأقل الدرجات أن يقال : لا بد أن يسمع الأخرس القراءة والذكر بحيث يحفظهما بقلبه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ترجم حتما بأي لغة كانت ) أي فلو عجز عن الترجمة هل ينتقل إلى ذكر آخر أو يسقط التكبير بالكلية ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني أخذا من مقتضى عدم التعرض له فليراجع ، لكن قضية قوله بعد قول المصنف الآتي . قلت : الأصح المنصوص جواز التفرقة إلخ من قوله ومثل ذلك قدرته على الذكر قبل أن تمضي وقفة بقدر الفاتحة فيلزمه الإتيان به ، وهذا غير خاص بالفاتحة بل يطرد في التكبير والتشهد ا هـ يقتضي خلافه ( قوله : إذ لا إعجاز فيه ) أي التكبير ( قوله : ولو بسفر أطاقه ) الظاهر من أطاقه أنه لا بد من الراحلة لما في المشي من المشقة حيث بعدت المسافة كما في الحج ، ويحتمل الفرق فيجب السفر ماشيا حيث قدر عليه لأن الصلاة فورية ، فحيث قدر على تحصيل ما يعتبر فيها وجب مطلقا ، ثم رأيت في حج ما نصه : ولو بسفر لكن إن وجد المؤن المعتبرة في الحج فيما يظهر وإن أمكن الفرق بأن هذا فوري لأنه لا ضابط يظهر هنا إلا ما قالوه ثم .

                                                                                                                            نعم لو قيل هنا يجب المشي على من قدر عليه [ ص: 463 ] وإن طال كمن لزمه الحج فورا لم يبعد ، وذلك لأن ما لا يتم إلخ وهو صريح فيما قلناه ( قوله : والأوجه خلافه ) أي خلاف قوله من التمييز فيكون من البلوغ ( قوله : لأجل التكبير ونحوه ) يؤخذ منه أنه يخلص من الإثم بتعليمه من العربية ما يتمكن به من ذلك ( قوله : فإن لم يعلمه واستكسبه ) أي فحيث لم يستكسبه فلا عصيان لإمكان أن يتعلم ولو بإيجار نفسه .

                                                                                                                            ولا يقال : العبد لا يؤجر نفسه .

                                                                                                                            لأنا نقول : الشرع جعل له الولاية على نفسه فيما يضطر إليه وهذه منه لأن الشرع ألجأه لذلك ( قوله : ولهاته بالقراءة ) وهي الهنة المنطبقة في أقصى سقف الفم كما قاله شيخنا الزيادي ( قوله : أعم من ذلك ) أي بأن أرادوا ما يشمل الخرس الطارئ والأصلي ( قوله : والظاهر أن مرادهم الأول ) أي من طرأ خرسه ، وخرج به الخلقي فلا يجب معه تحريك ذلك لأنه لا يحسن شيئا من الحروف حتى يحرك لسانه به ، فلو حرك لسانه وشفتيه من غير شعور بشيء من الحروف لم تبطل ، كما لو حرك أصابعه في حك أو غيره لأن هذه حركات خفيفة وهي لا تبطل وإن كثرت ، وفي سم على بهجة : ويشبه أن يكون مبطلا ا هـ .

                                                                                                                            وقد يتوقف فيه ويقال بعدم البطلان للعلة المذكورة نعم إن فرض تصوره للحروف كأن سمع على خلاف العادة فانتقش في ذهنه صور حروف الفاتحة وجب التحريك .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 462 - 463 ] قوله : واستكسبه ) الظاهر أنه ليس بقيد في العصيان ، بل العصيان ثابت إذا لم يعلمه ولم يخله ليكتسب أجرة المعلم كأن حبسه كما علم مما قدمه قبل هذا




                                                                                                                            الخدمات العلمية