الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويكره الإقعاء ) هنا وفي سائر قعدات الصلاة للنهي عنه كما أخرجه الحاكم وصححه ( بأن يجلس على وركيه ) هما أصل فخذيه ( ناصبا ركبتيه ) بأن يلصق ألييه بموضع صلاته وينصب ساقيه وفخذيه كهيئة المستوفز وهذا أحسن ما فسر به ، ووجه النهي عنه ما فيه من التشبيه بالكلب والقرد كما وقع الصريح به في بعض الروايات ، وقد يسن الإقعاء في الجلوس بين السجدتين بأن يضع أطراف أصابع رجليه وركبتيه على الأرض وألييه على عقبيه ، ومع كونه سنة الافتراش أفضل منه ، ويلحق بالجلوس بينهما كل جلوس قصير كجلسة الاستراحة ، ويكره أن يقعد مادا رجليه ( ثم ينحني ) المصلي قاعدا ( لركوعه بحيث تحاذي ) تقابل ( جبهته ما قدام ركبتيه ) في الأقل ( والأكمل أن تحاذي ) جبهته ( موضع سجوده ) وركوع القاعد في النفل كذلك ، وذلك قياسا على أقل ركوع القائم وأكمله ، إذ الأول يحاذي فيه ما أمام قدميه ، والثاني يحاذي فيه قريب محل سجوده ، فمن قال إنهما على وزن ركوع القائم أراد بالنسبة لهذا الأمر التقريب لا التحديد ( فإن عجز ) المصلي ( عن القعود ) بأن ناله منه المشقة الحاصلة بالقيام ( صلى لجنبه الأيمن ) ويكره من غير عذر على الأيسر كما في المجموع ( فإن عجز ) عن الجنب ( فمستلقيا ) على ظهره أخمصاه للقبلة كالمحتضر ورأسه أرفع بنحو وسادة ليتوجه بوجهه القبلة .

                                                                                                                            قال في المهمات : هذا في غير الكعبة ، أما فيها فالمتجه جواز استلقائه على ظهره وعلى وجهه لأنه كيفما توجه فهو متوجه لجزء منها .

                                                                                                                            نعم إن لم يكن لها سقف اتجه منع الاستلقاء : أي على ظهره والمسألة محتملة ، ولعلنا نزداد فيها علما أو نشهد فيها نقلا ا هـ .

                                                                                                                            وما ذكره ظاهر وإن رده ابن العماد .

                                                                                                                            ولو قدر المصلي على الركوع فقط كرره للسجود ، ومن قدر على زيادة على أكمل الركوع تعينت تلك الزيادة للسجود لأن الفرق واجب بينهما على المتمكن ولو عجز عن السجود ، إلا أن يسجد بمقدم رأسه أو صدغه وكان بذلك أقرب إلى الأرض وجب ، فإن عجز [ ص: 470 ] أومأ برأسه والسجود أخفض من الركوع ، فإن عجز عن الإيماء برأسه فبطرفه : أي بصره ومن لازمه الإيماء بجفنه وحاجبه ، وظاهر كلامهم أنه لا يجب هنا إيماء للسجود أخفض وهو متجه خلافا للجوجري لظهور التمييز بينهما في الإيماء بالرأس دون الطرف ، ثم إن عجز عن الإيماء بطرفه صلى بقلبه بأن يجري أركانها وسننها على قلبه قولية كانت أو فعلية إن عجز عن النطق أيضا بأن يمثل نفسه قائما وقارئا وراكعا لأنه الممكن ولا إعادة عليه والقول بندرته ممنوع ، ولا يلزم نحو القاعد والمومي إجراء نحو القيام والركوع والسجود على قلبه كما قاله الإمام ، وعلم مما تقرر أنه لا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا لوجود مناط التكليف ، ولو قدر في أثناء صلاته على القيام أو القعود أو عجز عنه أتى بمقدوره وبنى على قراءته ويستحب له إعادتها لتقع حال الكمال ، وإن قدر على القيام أو القعود قبل القراءة قرأ قائما أو قاعدا ولا تجزئه قراءته في نهوضه لقدرته عليها فيما هو أكمل منه ، فلو قرأ فيه شيئا أعاده .

                                                                                                                            وهنا فرع وهو أنه إذا قام هل يقوم مكبرا ؟ قال بعضهم : القياس المنع لأن الموالاة شرط في الفاتحة ، بل يقوم ساكتا ، ونظر فيه بأن الصلاة ليس فيها سكوت حقيقي في حق الإمام ، وتجب القراءة في هوي العاجز لأنه أكمل مما بعده ، وإن قدر على القيام بعدها وجب قيام بلا طمأنينة ليركع منه لقدرته عليه ، وإنما لم تجب الطمأنينة [ ص: 471 ] فيه لأنه غير مقصود لنفسه ، أو قدر عليه في الركوع قبل الطمأنينة ارتفع لها إلى حد الركوع ، فإن انتصب ثم ركع بطلت صلاته فيه من زيادة ركوع أو بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه ، ولا يلزمه أن ينتقل إلى حد الراكعين صرح به في الروضة ، ومفهومه أنه يجوز له ذلك وبه صرح الرافعي ، وقيده بما إذا انتقل منحنيا ومنعه فيما إذا انتقل منتصبا ، وعلى الأول يحمل إطلاق الروضة الجواز ، وعلى الثاني يحمل إطلاق المجموع المنع ، أو قدر عليه في الاعتدال قبل الطمأنينة قام واطمأن ، وكذا بعدها إن أراد قنوتا في محله وإلا فلا يلزمه القيام لأن الاعتدال ركن قصير فلا يطول .

                                                                                                                            وقضية المعلل جواز القيام ، وقضية التعليل منعه وهو الأوجه كما أفاده الشيخ رحمه الله تعالى ، فإن قنت قاعدا بطلت صلاته .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وفي سائر قعدات الصلاة ) وخرج بالصلاة غيرها فلا يكره فيها الإقعاء ولا غيره من سائر الكيفيات .

                                                                                                                            نعم إن قعد على هيئة مزرية أو تشعر بعدم اكتراثه بالحاضرين وهو ممن يستحى منهم كره ذلك وإن تأذوا بذلك ، لأنه ليس كل إيذاء محرما ( قوله : ويكره أن يعقد مادا رجليه ) أي في الصلاة وأما في غيرها فلا إلا إذا كان عند من يستحي منه ، ومحل ذلك حيث لم يكن له ضرورة تقتضي ذلك ( قوله : قال في المهمات ) أي الإسنوي ( قوله : تعينت تلك الزيادة ) أي فإن لم يقدر على زيادة كرر الأكمل ولا يكلف الاقتصار على الأقل للركوع ويفعل الزيادة للسجود ( قوله : أقرب إلى الأرض ) وصورته أن يصلي مستلقيا ولا يمكنه الجلوس ليسجد [ ص: 470 ] منه ، ولكن قدر على جعل مقدم رأسه على الأرض أو صدغيه دون جبهته وجب أن يأتي بمقدوره حيث كانت جبهته أقرب إلى الأرض في تلك الحالة مما كانت عليه قبل السجود ( قوله : فبطرفه ) أي بصره .

                                                                                                                            وعبارة المختار : الطرف العين ولا يجمع ا هـ ( قوله : الإيماء بجفنه ) قال ع على بهجة : فلو فعل بجفن واحد فالظاهر الاكتفاء ( قوله قولية كانت أو فعلية ) وهل يجب عليه مراعاة صفة القراءة من الإدغام وغيره ، لأنه لو كان قادرا على النطق وجب عليه ذلك أو لا ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            والأقرب الثاني لأن الصفات إنما اعتبرت عند النطق ليتميز بعض الحروف عن بعض خصوصا المتماثلة والمتقاربة ، وعند العجز عنها إنما يأتي بها على وجه الإشارة إليها فلا يشتبه بعضها ببعض حتى تحتاج إلى التمييز ( قوله وقارئا وراكعا ) أي ومعتدلا على ما مر : أي نظيره عن حج : أي بعد قوله ، ويزيد انحناءه لركوعه إن قدر إلخ ، ولكن قال ابن المقري : يسقط الاعتدال فلا تتوقف الصحة على تمثيله معتدلا ولا على مضي زمن يسع الاعتدال ( قوله : لأنه الممكن ) ولا يشترط فيما يقدر به تلك الأفعال أن يسعها لو كان قادرا وفعلها بل حيث حصل التمييز بين الأفعال في نفسه كأن مثل نفسه راكعا ومضى زمن بقدر الطمأنينة فيه كفى .

                                                                                                                            [ فائدة ] قال حج : فإن عجز كأن أكره على ترك كل ما ذكر في الوقت أجرى الأفعال على قلبه كالأقوال إذا اعتقل لسانه وجوبا في الواجبة وندبا في المندوبة ولا إعادة ، وتوقف سم في عدم الإعادة ونقل عن فتاوى الشارح وجوب الإعادة وهو الأقرب .

                                                                                                                            أقول : لأن الإكراه على ما ذكر نادر إذا وقع لا يدوم والإعادة في مثله واجبة ( قوله : هل يقوم مكبرا ) أي وهو في أثناء قراءة الفاتحة ( قوله : بل يقوم ساكتا ) معتمد ( قوله : في حق الإمام ) وعليه فيقوم مكبرا ، وينبغي أن لا تنقطع الموالاة لأن الذكر المطلوب لا يقطعها كالتأمين والفتح على الإمام ( قوله في هوي العاجز ) أي فلو تركها عامدا عالما بطلت صلاته لأن فوت القراءة الواجبة بتفويت محلها ( قوله : بعدها ) أي القراءة ( قوله : بلا طمأنينة ) أي بلا وجوب طمأنينة وعليه فلو اطمأن في قيامه لم يضر ( قوله : وإنما لم تجب الطمأنينة فيه ) [ ص: 471 ] أي القيام ( قوله : وعلى الأول ) أي إذا انتقل منحنيا ( قوله : وقضية المعلل ) هو قوله فلا يلزمه القيام ( قوله وقضية التعليل ) هو قوله لأن الاعتدال إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وقد يسن الإقعاء ) أي بالكيفية الآتية ، فالإقعاء المفسر بما مر مكرره مطلقا ( قوله : وكان بذلك أقرب إلى الأرض ) سقط منه لفظ بجبهته من النسخ عقب قوله أقرب كما هو كذلك في عبارة العباب .

                                                                                                                            واعلم أن من الواضح أن كلام الشارح فيما هو أعم من صلاة القائم ، والقاعد وغيرهما ، فما في حاشية الشيخ من قصره على المستلقي ليس في محله ، وعلى أن [ ص: 470 ] كونه يضع مقدم رأسه على الأرض ، وهو مستلق على ظهره غير ممكن لا يخفى ( قوله : ولا يلزم نحو القاعد ، والمومئ إجراء إلخ ) لعل المعنى أنه لا يلزم القاعد إجراء القيام المعجوز عنه ، ولا المنوي إجراء نحو الركوع والسجود المعجوز عنه على قلبه مع إتيانه بالإيماء وإلا ، فهو من أفراد ما قبله ( قوله : ويستحب له إعادتها ) أي فيما إذا قدر على القيام أو [ ص: 471 ] الركوع




                                                                                                                            الخدمات العلمية