الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يصح ) ( نذر معصية ) لخبر مسلم { لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم } وأفهم كلام المصنف أنه لو نذر أن يصلي في مغصوب لم ينعقد ، وبه قال الزركشي وهو أوجه من قول غيره ينعقد ويصلي في غيره ، ويؤيد الأول عدم انعقاد نذر صلاة لا سبب لها في وقت الكراهة وصلاة في ثوب نجس وكالمعصية المكروه لذاته أو لازمه كصوم الدهر لمن يتضرر به ، ولا يستثنى من ذلك صحة إعتاق الراهن الموسر لأنه جائز كما مر في بابه ، وقد اختلف من أدركناه من العلماء في نذر من افترض شيئا لمقرضه كل يوم كذا ما دام دينه أو شيء منه في ذمته ، فذهب بعضهم لعدم صحته لأنه على هذا الوجه الخاص ليس قربة بل يتوصل به إلى ربا النسيئة ، وذهب بعضهم وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى إلى صحته لأنه في مقابل نعمة ربح المقرض أو اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لارتفاق ونحوه ، ولأنه يسن للمقترض رد زيادة عما اقترضه ، فإذا التزمها ابتداء بالنذر لزمته فهو حينئذ مكافأة إحسان لا وصلة للربا إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع ، ومن ثم لو شرط عليه النذر في عقد القرض كان ربا ، وذهب بعضهم إلى الفرق بين مال اليتيم وغيره ، ولا وجه له .

                                                                                                                            ولو اقتصر على قوله في نذره ما دام مبلغ القرض في ذمته ثم دفع المقترض شيئا منه بطل حكم النذر لانقطاع الديمومة ( ولا ) نذر ( واجب ) عيني كصلاة الظهر أو مخير كأحد خصال كفارة اليمين [ ص: 224 ] مبهما ، بخلاف ما لو التزم أعلاها أو واجب على الكفاية تعين بخلافه إذا لم يتعين فيصح نذره سواء احتيج في أدائه لمال كجهاد وتجهيز ميت أم لا كصلاة جنازة وذلك لأنه لزم عينا بالتزام الشرع قبل النذر فلا معنى لالتزامه ، ولو نذر ذو دين حال عدم مطالبة غريمه فإن كان معسرا لم يصح لأن إنظاره واجب أو موسرا قصد إرفاقه لارتفاع سعر سلعته ، ونحو ذلك لزمه لأن القربة فيه حينئذ ذاتية وهو مع ذلك باق على حلوله لكن منع من المطالبة به مانع ، وكثيرا ما تنذر المرأة أنها ما دامت في عصمته لا تطالب زوجها بحال صداقها وهو حينئذ نذر تبرر إن رغبت حال نذرها في بقائها في عصمته ، ولها أن توكل في مطالبته وأن تحيل عليه لأن النذر شمل فعلها فقط ، فإن زادت فيه ولا بوكيلها ولا تحيل عليه لزم وامتنع جميع ذلك كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، ولو أسقط المديون حقه من النذر لم يسقط ، ولو نذر أن لا يطالبه مدة فمات قبلها كان لوارثه المطالبة كما قاله الولي العراقي وغيره خلافا للإسنوي ومن تبعه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وكالمعصية المكروه لذاته ) أي كالصلاة في الحمام ( قوله : صحة إعتاق الراهن الموسر ) قال : وبفرض حرمته هي لأمر خارج وهي لا تمنع انعقاد النذر ومن ثم صح نذر المدين بما يحتاجه لوفاء دينه وإن حرم عليه التصدق لأنها لأمر خارج ، ووهم بعضهم في قوله لا يصح النذر هنا ( قوله : إلى صحته ) ومحل الصحة حيث نذر لمن ينعقد نذره له ، بخلاف ما لو نذر لأحد بني هاشم والمطلب فلا ينعقد لحرمة الصدقة الواجبة كالزكاة والنذر والكفارة عليهم ( قوله : لأنه في مقابلة نعمة ربح المقرض ) لكن مر أنه لو نذر شيئا لذمي أو مبتدع جاز صرفه لمسلم أو سني ، وعليه فلو اقترض من ذمي ونذر له بشيء ما دام دينه في ذمته انعقد نذره ، لكن يجوز دفعه لغيره من المسلمين فتفطن له فإنه دقيق ، وهذا بخلاف ما لو اقترض الذمي من مسلم ونذر له بشيء ما دام الدين عليه فإنه لا يصح نذره لما مر من أن شرط الناذر الإسلام ( قوله : ولا وجه له ) أي للفرق ( قوله : بطل حكم النذر ) ولو دفع للمقرض مالا مدة ولم يذكر له حال الإعطاء أنه عن القرض ولا عن النذر ثم بعد مدة ادعى أنه نوى دفعه عن القرض قبل منه ، فإن كان المدفوع يستغرق القرض سقط حكم النذر من حينئذ ، وله مطالبته بمقتضى النذر إلى براءة ذمته ، بخلاف ما لو ذكر حال الدفع أنه للقرض فلا تقبل دعواه بعد أنه قصد غيره وكاعترافه بأنه عن نذر المقرض ما جرت به العادة من كتابة الوصولات المشتملة ، على أن المأخوذ عن نذر المقرض حيث [ ص: 224 ] اعترف حال كتابتها أو بعدها بما فيها ( قوله : وامتنع جميع ذلك ) أي ومع ذلك ، ولو خالفت وأحالت عليه فينبغي صحة الحوالة لأن الحرمة لأمر خارج وكذلك لو وكلت فليراجع ( قوله : ولو أسقط المديون حقه ) كأن قال لمن نذر أن لا يطالبه أسقطت ما أستحقه عليك من عدم المطالبة فإنه لا يسقط بل تمتنع المطالبة مع ذلك على الناذر ، هذا وقد يشكل ما ذكر بما مر له من أنه يشترط عدم الرد ، إذ قوله أسقطت ما أستحقه إلخ رد للنذر ، اللهم إلا أن يقال : إن ما هنا مصور بما إذا لم يرد أولا واستقر النذر فلا يسقط بإسقاطه بعد ، وما مر مصور بما إذا رد من أول الأمر ( قوله : كان لوارثه المطالبة ) لأن النذر إنما شمل فعل نفسه أخذا مما قبله في مسألة الزوجة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ويؤيد الأول عدم انعقاد نذر صلاة لا سبب لها إلخ ) أي حيث لم يقولوا بصحة النذر ويصلي في غير وقت الكراهة وفي غير الثوب النجس ( قوله : شيئا ) مفعول نذر [ ص: 224 ] قوله : قصد إرفاقه إلخ ) أي بخلاف ما إذا لم يكن له في الإنظار وفق أو كان ولم يقصد الإرفاق كما هو ظاهر فليراجع ( قوله : فإن زادت ) أي أو زاد مطلق الدائن كما هو ظاهر ( قوله ولو أسقط المديون حقه ) قال شيخنا في حواشيه : وقد يشكل ذلك بما مر من أنه يشترط عدم الرد إذ قوله أسقطت ما استحقه إلخ رد للنذر قال : اللهم إلا أن يقال إن ما هنا مصور بما إذا لم يرد أولا واستقر النذر فلا يسقط بإسقاطه بعد ، وما مر مصور بما إذا رد من أول الأمر ا هـ ( قوله ولو نذر أن لا يطالبه مدة فمات إلخ ) انظر هل مثله ما لو نذر بقاءه في ذمته مدة فمات قبلها




                                                                                                                            الخدمات العلمية