الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ومن الأقط ، في إحدى الروايتين ) ، وأطلقهما في الهداية ، والفصول ، والخلاصة ، والتلخيص ، والبلغة . إحداهما : الإجزاء مطلقا ، وهو المذهب . نقله الجماعة عن الإمام أحمد ، قال الزركشي : هذا المذهب انتهى ، واختاره أبو بكر ، وابن أبي موسى ، والقاضي وأبو الخطاب في خلافيهما ، وابن عقيل ، وابن عبدوس المتقدم ، وابن البنا ، والشيرازي ، وغيرهم ، وجزم به في تذكرة ابن عقيل ، والمبهج ، والعقود لابن البنا ، والوجيز ، والمنور ، والمنتخب ، والإفادات ، وقدمه في الفروع ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والمحرر ، وابن تميم ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، وإدراك الغاية وغيرهم ، وصححه في الصحيح ، والمجد في شرحه ، والناظم ، قال في تجريد العناية : ويجزئ صاع أقط على الأظهر ، وعنه يجزئ لمن يقتاته دون غيره ، اختاره الخرقي ، وقدمه ، في المذهب ، نقله المجد وغيره ، وقال أبو الخطاب ، والمصنف ، وصاحب التلخيص ، وجماعة : وعنه لا يجزئ إلا عند عدم الأربعة ، فاختلف نقلهم في محل الرواية ، وعنه لا يجزئ مطلقا ، وهو ظاهر ما جزم به في التسهيل . قال في الفروع : اختاره أبو بكر . قلت : قال في الهداية ، فأما الأقط : فعنه أنه لا يخرج منه مع وجود هذه الأصناف ، وعنه أنه يخرج منه على الإطلاق ، وهو اختيار أبي بكر ، فحكى اختيار أبي بكر جواز الإخراج مطلقا ، وحكى في الفروع اختياره عدم الجواز مطلقا . [ ص: 181 ] فلعل أن يكون له في المسألة اختياران ، فعلى المذهب : هل يجزئ اللبن غير المخيض والجبن ، أو لا يجزئان ؟ أو يجزئ اللبن دون الجبن ، أو عكسه ؟ أو يجزئان عند عدم الأقط ؟ فيه أقوال ، وأطلقهن في الفروع ، والرعاية الكبرى ، وابن تميم ، وأطلق الثلاثة الأول في الرعاية الصغرى ، والحاويين ، والفائق ، وأطلق الأوليين : الزركشي . قال ابن تميم ، وابن حمدان : ظاهر كلام الإمام أحمد : إجزاء اللبن ، دون الجبن . قال في الفروع : والذي وجد عن الإمام أحمد : أنه قال " يروى عن الحسن صاع لبن ; لأن الأقط ربما ضاق " فلم يتعرض للجبن . انتهى .

قلت : الجبن أولى من اللبن ، والقول الرابع : احتمال في الرعاية ، وابن تميم ، والفروع ، وقال في المذهب ، ومسبوك الذهب : إذا قلنا يجوز إخراج الأقط مطلقا ، فإذا عدمه أخرج عنه اللبن . قال القاضي : إذا عدم الأقط وقلنا : له إخراجه جاز إخراج اللبن ، قال ابن عقيل في الفصول : إذا لم يجد الأقط على الرواية التي تقول يجزئ وأخرج عنه اللبن : أجزأه ; لأن الأقط من اللبن ; لأنه لبن مجمد مجفف بالمصل ، وجزم به ابن رزين في شرحه ، وقال : لأنه أكمل منه ، وقال المصنف : ظاهر كلام الخرقي : أنه لا يجزئ اللبن بحال ، وقال في المستوعب : وإذا قلنا يجوز إخراج الأقط : لم يجز إخراج اللبن مع وجوده ، ويجزئ مع عدمه . ذكره القاضي . وذكر ابن أبي موسى : لا يجزئ .

قوله ( ولا يجزئ غير ذلك ) يعني إذ وجد شيء من هذه الأجناس التي ذكرها لم يجزئه غيرها ، وإن كان يقتاته ، وهو الصحيح ، وهو من المفردات ، ويأتي كلام الشيخ تقي الدين قريبا . [ ص: 182 ] وظاهر كلامه : إجزاء أحد الأجناس المتقدمة ، وإن كان يقتات غيره ، وهو صحيح . لا أعلم فيه خلافا . وصرح به الأصحاب .

تنبيه : دخل في كلام المصنف وهو قوله " ولا يجزئ غير ذلك " القيمة والصحيح من المذهب : أنها لا تجزئ ، وعليه جماهير الأصحاب ، ونص عليه ، وعنه رواية مخرجة يجزئ إخراجها ، وقيل : يجزئ كل مكيل مطعوم ، وقال ابن تميم : وقد أومأ إليه الإمام أحمد ، واختاره الشيخ تقي الدين : يجزئه من قوت بلده مثل الأرز وغيره . ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث ، وذكره رواية ، وأنه قول أكثر العلماء ، وجزم به ابن رزين ، وحكاه في الرعاية قولا .

قوله ( إلا أن يعدمه ، فيخرج مما يقتات عند ابن حامد ) . سواء كان مكيلا أو غيره ، كالذرة والدخن واللحم واللبن ، وسائر ما يقتات به ، وجزم به في العمدة ، والتلخيص ، والبلغة . قال في التلخيص : هذا المذهب ، وقيل : لا يعدل عن اللحم واللبن . ( وعند أبي بكر : يخرج ما يقوم مقام المنصوص ) من حب وتمر يقتات فلا بد أن يكون مكيلا مقتاتا يقوم مقام المنصوص . وهذا المذهب ، قال المجد : هذا أشبه بكلام أحمد . نقل حنبل : ما يقوم مقامها صاع ، وهو قول الخرقي ، ومعناه : قول أبي بكر ، وجزم به في الوجيز ، والمنور ، والمنتخب ، والإفادات ، وغيرهم ، وقدمه في الكافي ، والمحرر ، والفروع ، والرعايتين ، والنظم ، وابن تميم ، والفائق ، والحاويين . زاد في التلخيص ، والبلغة ، وابن تميم ، وابن حمدان : مما يقتات غالبا ، وقيل : يجزئ ما يقوم مقامها ، وإن لم يكن مكيلا ، قال الزركشي : ولأبي الحسن بن عبدوس احتمال : لا يجزئ غير الخمسة [ ص: 183 ] المنصوص عليها ، وتبقى عند عدم هذه الخمسة في ذمته ، حتى يقدر على أحدها .

التالي السابق


الخدمات العلمية