الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 336 ] فائدتان

إحداهما : ما يعفى عن يسيره يعفى عن أثر كثيره على جسم صقيل بعد مسحه قاله المصنف ومن بعده . الثانية : حد اليسير هنا : ما لم ينقض الوضوء . وحد الكثير : ما نقض على ما تقدم في باب نواقض الوضوء من الأقوال والروايات . فما لم ينقض هناك فهو يسير هنا ، وما نقض هناك فهو كثير هنا . وهذا المذهب . وعليه أكثر الأصحاب ، وهو ظاهر ما جزم به في الفروع ، لكن ظاهر عبارته مشكل ، يأتي بيانه ، وقطع به المصنف ، والشارح ، وابن منجا في شرحه ، وغيرهم . ولكن قدم في الفائق هنا : ما يستفحشه كل إنسان بحسبه . وقدم هناك : ما فحش في أنفس أوساط الناس . وقدم في المستوعب هناك : ما فحش في النفس . وقدم هنا : اليسير ما دون شبر في شبر . وقال في الرعاية الكبرى ، وتبعه ابن عبيدان بعد أن ذكر بعض الأقوال التي في المسألة هنا وقيل : الكثير ما ينقض الوضوء . وقال في نواقض الوضوء : وعنه الكثير ما لا يعفى عنه في الصلاة . فظاهره عدم البناء . وقدم في الرعايتين هنا : أن الكثير ما فحش في نفوس أوساط الناس ، كما قدمه هناك . وقدم ابن تميم في الموضعين : ما فحش في نفس كل إنسان بحسبه . وعنه اليسير ما دون شبر في شبر ، وقدمه في المستوعب كما تقدم . وعنه ما دون قدر الكف . وعنه ما دون فثر في فثر ، وهو قول في المستوعب . وعنه هو القطرة والقطرتان ، وما زاد عليهما فكثير . وعنه اليسير ما دون ذراع في ذراع . حكاها أبو الحسين . وعنه ما دون قدم ، وعنه ما يرفعه الإنسان بأصابعه الخمس . وعنه هو قدر عشر أصابع . حكاها ابن عبيدان . وقال ابن أبي موسى : ما فحش في نفس المصلي ، لا تصح الصلاة معه ، وما لم يفحش إن بلغ الفتر لم تصح ، وإلا صحت .

قلت : هذه الأقوال التسعة الضعيفة : لا دليل عليها ، والمذهب أن : الكثير [ ص: 337 ] ما فحش في النفس . واليسير ما لم يفحش في النفس . لكن هل كل إنسان بحسبه أو الاعتبار بأوساط الناس ؟ على ما تقدم في باب نواقض الوضوء .

تنبيهات

أحدهما : قال في الفروع : واليسير : قدر ما نقض . وظاهره مشكل ; لأن اليسير قدر ما لم ينقض . فإما أن يكون " والكثير قدر ما نقض " وحصل سبق قلم . فكتب " واليسير " وإما أن يكون " قدر ما لم ينقض " وسقط لفظ " لم " قال شيخنا : ويحتمل أن يكون لفظ " قدر " منونة ، و " ما " نافية . فيستقيم الكلام وهو بعيد . الثاني : محل الخلاف هنا في اليسير عند ابن تميم ، وابن حمدان في الرعاية الكبرى : في الدم ونحوه لا غير . قال ابن تميم بعد أن حكى الخلاف المتقدم كثير القيء ملء الفم . وعنه نصفه . وعنه ما زاد على النواة . وعنه هو كالدم سواء ، ذكرها أبو الحسين . وملء الفم : ما يمتنع الكلام معه في وجه ، وفي آخر : ما لم يمكن إمساكه . ذكرهما القاضي في مقنعه . انتهى . وظاهر كلام غيرهما : شمول غير الدم مما يمكن وجوده كالقيء ونحوه ، وقدمه في الفائق .

التالي السابق


الخدمات العلمية