الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] كتاب النكاح

فائدتان

إحداهما : " النكاح " له معنيان . معنى في اللغة ، ومعنى في الشرع . فمعناه في اللغة : الوطء . قاله الأزهري . وقيل للتزويج : نكاح ، لأنه سبب الوطء . قال أبو عمرو غلام ثعلب : الذي حصلناه عن ثعلب عن الكوفيين ، والمبرد عن البصريين : أن " النكاح " في أصل اللغة : هو اسم للجمع بين الشيئين قال الشاعر :

أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يجتمعان

وقال الجوهري : النكاح الوطء وقد يكون العقد . و " نكحتها " و " نكحت هي " أي تزوجت . وعن الزجاج : النكاح في كلام العرب بمعنى الوطء والعقد جميعا . وموضع " نكح " في كلامهم لزوم الشيء الشيء راكبا عليه . قال ابن جني : سألت أبا علي الفارسي عن قولهم " نكحها ؟ " . فقال . : فرقت العرب فرقا لطيفا ، يعرف به موضع العقد من الوطء . فإذا قالوا " نكح فلانة " أو " بنت فلان " أرادوا تزويجها ، والعقد عليها . وإذا قالوا " نكح امرأته " لم يريدوا إلا المجامعة ; لأن بذكر امرأته وزوجته تستغنى عن العقد . قال الزركشي : فظاهره الاشتراك ، كالذي قبله ، وأن القرينة تعين . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : معناه في اللغة : الجمع والضم على أتم الوجوه [ ص: 4 ] فإن كان اجتماعا بالأبدان : فهو الإيلاج الذي ليس بعده غاية في اجتماع البدنين . وإن كان اجتماعا بالعقود : فهو الجمع بينهما على الدوام واللزوم . ولهذا يقال : استنكحه المذي ، إذا لازمه وداومه . انتهى .

ومعناه في الشرع : عقد التزويج . فهو حقيقة في العقد ، مجاز في الوطء . على الصحيح . اختاره المصنف ، والشارح ، وابن عقيل ، وابن البنا . والقاضي في التعليق في كون المحرم لا ينكح ، لما قيل له ، إن النكاح حقيقة في الوطء قال : إن كان في اللغة حقيقة في الوطء ، فهو في عرف الشرع للعقد . قاله الزركشي . وجزم به الحلواني ، وأبو يعلى الصغير . قاله في الفروع . قال الحلواني : هو في الشريعة عبارة عن العقد بأوصافه ، وفي اللغة : عبارة عن الجمع . وهو الوطء . قال ابن عقيل : الصحيح أنه موضوع للجمع . وهو في الشريعة في العقد أظهر استكمالا . ولا نقول : إنه منقول . نقله ابن خطيب السلامية في تعليقه على المحرر . وقدمه ابن منجا في شرحه ، وصاحب الرعاية الكبرى ، والفروع . وذلك لأنه أشهر في الكتاب والسنة . وليس في الكتاب لفظ " النكاح " بمعنى الوطء ، إلا قوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } على المشهور . ولصحة نفيه عن الوطء ، فيقال : هذا سفاح ، وليس بنكاح . وصحة النفي : دليل المجاز . وقيل : هو حقيقة في الوطء ، مجاز في العقد . اختاره القاضي في أحكام القرآن ، وشرح الخرقي ، والعمدة . وأبو الخطاب في الانتصار ، وصاحب عيون المسائل ، وأبو يعلى الصغير . قاله الزركشي ، وابن خطيب السلامية . لما تقدم عن الأزهري ، وغلام ثعلب . والأصل عدم النقل . [ ص: 5 ] قال أبو الخطاب : وتحريم من عقد عليها الأب استفدناه من الإجماع والسنة . وهو بالإجماع القطعي في الجملة . وقيل : هو مشترك ، يعني : أنه حقيقة في كل واحد منهما بانفراده . وعليه الأكثر . قال في الفروع : والأشهر أنه مشترك . قال القاضي في المحرر : قاله الزركشي ، والجامع الكبير . قال ابن خطيب السلامية : الأشبه بأصولنا ومذهبنا : أنه حقيقة في العقد والوطء جميعا في الشريعة ; لقولنا بتحريم موطأة الأب من غير تزويج ، لدخولها في قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وذلك لورودها في الكتاب العزيز . والأصل في الإطلاق : الحقيقة . قال ابن خطيب السلامية ، قال أبو الحسين : النكاح عند الإمام أحمد رحمه الله حقيقة في الوطء والعقد جميعا . وقاله أبو حكيم . وجزم به ناظم المفردات . وهو منها . وقيل : هو حقيقة فيهما معا . فلا يقال : هو حقيقة على أحدهما بانفراده . بل على مجموعهما . فهو من الألفاظ المتواطئة . قال ابن رزين : والأشبه أنه حقيقة في كل واحد باعتبار مطلق الضم . لأن التواطؤ خير من الاشتراك والمجاز ; لأنهما على خلاف الأصل . انتهى .

وقال ابن هبيرة : وقال مالك وأحمد رحمهما الله : هو حقيقة في العقد والوطء جميعا . وليس أحدهما أخص منه بالآخر . انتهى .

مع أن هذا اللفظ محتمل أن يريد به الاشتراك . وقال في الوسيلة : كما قال ابن هبيرة وذكر : أنه عند الإمام أحمد رحمه الله كذلك . انتهى .

والفرق بين الاشتراك والتواطؤ : أن الاشتراك يقال على كل واحد منهما [ ص: 6 ] بانفراده حقيقة ، بخلاف المتواطئ . فإنه لا يقال حقيقة إلا عليهما مجتمعين لا غير . والله أعلم .

وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : هو في الإثبات لهما ، وفي النهي لكل منهما . بناء على أنه إذا نهي عن شيء نهي عن بعضه . والأمر به أمر بكله ، في الكتاب والسنة والكلام . فإذا قيل مثلا " انكح ابنة عمك " كان المراد العقد والوطء . وإذا قيل " لا تنكحها " تناول كل واحد منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية