الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 248 ] الثانية : يحرم التعزير بحلق لحيته . وفي تسويد وجهه : وجهان . وأطلقهما في الفروع . قلت : الصواب الجواز . وقد توقف الإمام أحمد رحمه الله في تسويد الوجه . وسئل الإمام أحمد رحمه الله في رواية مهنا عن تسويد الوجه ؟ قال مهنا : فرأيت كأنه كره تسويد الوجه . قاله في النكت في شهادة الزور . وذكر في الإرشاد ، والترغيب : أن عمر رضي الله عنه حلق رأس شاهد الزور وذكر ابن عقيل عن أصحابنا : لا يركب ، ولا يحلق رأسه ، ولا يمثل به . ثم جوزه هو لمن تكرر منه ، للردع . قال الإمام أحمد رحمه الله : ورد فيه عن عمر رضي الله عنه : يضرب ظهره ويحلق رأسه . ويسخم وجهه . ويطاف به . ويطال حبسه . وقال في الأحكام السلطانية : له التعزير بحلق شعره ، لا لحيته ، وبصلبه حيا . ولا يمنع من أكل ووضوء . ويصلي بالإيماء ، ولا يعيد . قال في الفروع : كذا قال . قال : ويتوجه لا يمنع من صلاة . قلت : وهو الصواب .

وقال القاضي أيضا : هل يجرد في التعزير من ثيابه إلا ما يستر عورته ؟ اختلفت الرواية عنه في الحد . قال : ويجوز أن ينادى عليه بذنبه ، إذا تكرر منه ولم يقلع . ثم ذكر كلام الإمام أحمد في شاهد الزور ، وقال : فنص أنه ينادى عليه بذنبه . ويطاف به ، ويضرب مع ذلك . قال في الفصول : يعزر بقدر رتبة المرمي . فإن المعيرة تلحق بقدر مرتبته . [ ص: 249 ] قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : يعزره بما يردعه ، كعزل متول . وقال : لا يتقدر . لكن ما فيه مقدر لا يبلغه . فلا يقطع بسرقة دون نصاب ، ولا يحد حد الشرب بمضمضة خمر ونحوه . وقال : هو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله . واختيار طائفة من أصحابه . وقد يقال : بقتله للحاجة . وقال : يقتل مبتدع داعية . وذكره وجها ، وفاقا لمالك رحمه الله . ونقله إبراهيم بن سعيد الأطروش عن الإمام أحمد رحمه الله في الدعاة من الجهمية . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله في الخلوة بأجنبية ، واتخاذ الطواف بالصخرة دينا ، وفي قول الشيخ " انذروا لي ، واستعينوا بي " إن أصر ولم يتب : قتل . وكذا من تكرر شربه للخمر ما لم ينته بدونه ، للأخبار فيه ، ونص الإمام أحمد رحمه الله في المبتدع الداعية : يحبس حتى يكف عنها . وقال في الرعاية : من عرف بأذى الناس ومالهم ، حتى بعينه ، ولم يكف : حبس حتى يموت .

وقال في الأحكام السلطانية : للوالي فعله لا للقاضي . ونفقته من بيت المال لدفع ضرره . وقال في الترغيب : للإمام حبس العائن . وتقدم في أوائل " كتاب الجنايات " إذا قتل العائن : ماذا يجب عليه ؟ . قال في الفروع : ويتوجه إن كثر مجذومون ونحوهم : لزمهم التنحي ناحية . وظاهر كلامهم : لا يلزمهم ، فللإمام فعله . وجوز ابن عقيل قتل مسلم جاسوس للكفار . وزاد ابن الجوزي : إن خيف دوامه . [ ص: 250 ] وتوقف فيه الإمام أحمد رحمه الله . وقال ابن الجوزي في كشف المشكل : دل حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه على أن الجاسوس المسلم لا يقتل . ورده في الفروع . وهو كما قال . وعند القاضي : يعنف ذو الهيئة . وغيره يعزر . وقال الأصحاب : ولا يجوز قطع شيء منه ، ولا جرحه ، ولا أخذ شيء من ماله قال في الفروع : فيتوجه أن إتلافه أولى ، مع أن ظاهر كلامهم : لا يجوز . وجوز الشيخ تقي الدين رحمه الله التعزير بقطع الخبز ، والعزل عن الولايات . ونقل ابن منصور : لا نفي إلا للزاني والمخنث .

وقال القاضي : نفيه دون سنة . واحتج به الشيخ تقي الدين رحمه الله ، وبنفي عمر رضي الله عنه نصر بن حجاج وقال في الفنون : للسلطان سلوك السياسة . وهو الحزم عندنا . ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وقوله " الله أكبر عليك " كالدعاء عليه وشتمه بغير فرية ، نحو " يا كلب " فله قوله له ، أو تعزيره . ولو لعنه فهل له أن يلعنه ؟ ينبني على جواز لعنة المعين . ومن لعن نصرانيا : أدب أدبا خفيفا ، إلا أن يكون قد صدر من النصراني ما يقتضي ذلك . وقال أيضا : ومن دعي عليه ظلما : فله أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو " أخزاك الله " أو " لعنك الله " أو يشتمه بغير فرية ، نحو " يا كلب ، يا خنزير " فله أن يقول له مثل ذلك . وقال الإمام أحمد رحمه الله : الدعاء قصاص . ومن دعا على ظالمه فما صبر . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية