الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته ، وما يقضيه أولها ) هذا المذهب بلا ريب ، وعليه الأصحاب وجزم به في الهداية ، والمحرر ، والوجيز ، وغيرهم وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، والحاويين ، وابن تميم ، والفائق ، وغيرهم ، وعنه ما أدرك مع الإمام فهو أول صلاته ، وما يقضيه آخرها .

تنبيه : لهذا الخلاف فوائد كثيرة ، ذكرها ابن رجب في قواعده وغيره فمنها محل الاستفتاح فعلى المذهب : يستفتح فيما يقضيه ، وعلى الثانية : فيما أدركه ، وهذا الصحيح من المذهب ، وقال القاضي في شرح المذهب : لا يشرع الاستفتاح على كلا الروايتين لفوت محله ، ومنها : التعوذ إذا قلنا : هو مخصوص بأول ركعة فعلى المذهب : يتعوذ فيما يقضيه ، وعلى الثانية فيما أدركه .

قلت : الصواب هنا : أن يتعوذ فيما أدركه على الروايتين ، ولم أر أحدا من الأصحاب قاله ، وأما على القول بمشروعيته في كل ركعة : فتلغو هذه الفائدة ، ومنها : صفة القراءة في الجهر والإخفات فإذا فاتته ركعتان من المغرب والعشاء جهر في قضائهما من غير كراهة نص عليه في رواية الأثرم ، وإن أم فيهما وقلنا : بجوازه سن له الجهر بناء على المذهب ، وعلى الثانية : لا جهر هنا ، وتقدمت المسألة في صفة الصلاة ، عند قوله ويجهر الإمام بالقراءة بأتم من هذا . [ ص: 226 ] ومنها : مقدار القراءة ، وللأصحاب فيه طريقان أحدهما : إن أدرك ركعتين من الرباعية ، فإنه يقرأ في المقضيتين بالحمد وسورة معها ، على كلا الروايتين قال ابن أبي موسى : لا يختلف قوله في ذلك .

وذكر الخلال : أن قوله استقر عليه قال المصنف في المغني : هو قول الأئمة الأربعة لا نعلم عنهم فيه خلافا ، وذكره الآجري عن أحمد ، الثاني : يبني قراءته على الخلاف في أصل المسألة ، ذكره ابن هبيرة ، وفاقا للأئمة الأربعة ، وقاله الآجري ، وهي طريقة القاضي ومن بعده قال في الفروع : وجزم به جماعة ، وذكره ابن أبي موسى قال العلامة ابن رجب في فوائده : وقد نص عليه الإمام أحمد في رواية الأثرم وأومأ إليه في رواية حرب وغيره . واختاره المجد ، وأنكر الطريقة الأولى ، وقال : لا يتوجه إلا على رأي من رأى قراءة السورة في كل ركعة ، أو على رأي من رأى قراءة السورة في الأخريين إذا نسيها في الأوليين ، وقال : أصول الأئمة تقتضي الطريقة الثانية .

صرح به جماعة قال ابن رجب ، قلت : وقد أشار الإمام أحمد إلى مأخذ ثالث ، وهو الاحتياط للتردد فيهما ، وقراءة السورة سنة مؤكدة فيحتاط لها أكثر من الاستفتاح والتعوذ . انتهى . ومنها : لو أدرك من الرباعية ركعة فعلى المذهب : يقرأ في الأوليين بالحمد وسورة ، وفي الثالثة : بالحمد فقط ، ونقل عنه الميموني : يحتاط ويقرأ في الثلاثة بالحمد وسورة قال الخلال : رجع عنها أحمد ، ومنها : قنوت الوتر إذا أدركه المسبوق مع من يصليه بسلام واحد فإنه يقع في محله ، ولا يعيد على المذهب ، وعلى الثانية : يعيده في آخر ركعة يقضيها ، ومنها : تكبيرات العيد الزوائد . إذا أدرك المسبوق الركعة الثانية فعلى المذهب : يكبر في المقضية سبعا ، وعلى الثانية : خمسا ، ومنها : إذا سبق ببعض تكبيرات صلاة الجنازة . [ ص: 227 ] فعلى المذهب : يتابع الإمام في الذكر الذي هو فيه ، ثم يقرأ في أول تكبيرة يقضيها ، وعلى الثانية : لا يتابع الإمام ، بل يقرأ الفاتحة خلف الإمام ، ومنها : محل التشهد الأول في حق من أدرك من المغرب ، أو من رباعية : ركعة فالصحيح من المذهب : أنه يتشهد عقيب ركعة على كلا الروايتين ، وعليه الجمهور منهم الخلال ، وأبو بكر ، والقاضي قال الخلال : استقرت الروايات عليها وقدمه في الفروع ، والمحرر ، وقال : في الأصح عنه ، وعنه يتشهد عقيب ركعة في المغرب فقط ، وعنه يتشهد عقيب ركعتين في الكل .

نقلها حرب وقدمه في الرعاية الكبرى وأطلقهما ابن تميم والشارح ، وقال المصنف والشارح : الكل جائز ، ورده ابن رجب ، واختلف في بناء هاتين الروايتين فقيل : هما مبنيتان على الروايتين في أصل المسألة إن قلنا : ما يقضيه أول صلاته ، لم يجلس إلا عقب ركعتين وإن قلنا : ما يقضيه آخرها تشهد عقيب ركعة ، وهي طريقة ابن عقيل في الفصول ، وأومأ إليه في رواية حرب ، وقيل : هما مبنيتان على القول بأن ما يدركه آخر صلاته ، وهي طريقة المجد ونص على ذلك صريحا في رواية عبد الله والبرقاني ، ومنها : تطويل الركعة الأولى على الرواية الثانية ، وترتيب السورتين في الركعتين ، ذكره ابن رجب تخريجا له ، وقال أيضا : فأما رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول إذا قلنا : باستحبابه فيحتمل أن يرفع إذا قام إلى الركعة المحكوم بأنها ثالثة ، سواء قام عن تشهد أو غيره ، ويحتمل أن يرفع إذا قام من تشهده الأول المعتد به ، سواء كان عقيب الثانية أو لم يكن قال : وهو أظهر . انتهى . ومنها : التورك مع إمامه والصحيح من المذهب : أنه يتورك مع إمامه ، على الرواية الأولى كما يتورك إذا قضى قال في الفروع : وعلى الأولى يتورك مع إمامه كما يقضيه في الأصح ، وعنه يفترش ، وعنه يخير ، وهو وجه في الرعاية . [ ص: 228 ]

فائدة : قال في الفروع : ومقتضى قوله " إنه هل يتورك مع إمامه أو يفترش ؟ " أن هذا القعود هل هو ركن في حقه ؟ على الخلاف ، وقال القاضي في التعليق : القعود الفرض ما يفعله آخر صلاته ، ويعقبه السلام ، وهذا معدوم هنا فجرى مجرى التشهد الأول ، على أن القعود هل هو ركن في حقه بعد سجدتي السهو من آخر صلاته وليس بفرض ؟ كذا هنا ، وقال المجد : لا يحتسب له بتشهد الإمام الأخير إجماعا ، لا من أول صلاته ولا من آخرها ، ويأتي فيه بالتشهد الأول فقط ، لوقوعه وسطا ، ويكرره حتى يسلم إمامه ، وقال في الرعاية الكبرى : وعنه من سبق بركعتين لا يتورك إلا في الآخر وحده ، وقيل : في الزائدة على ركعتين يتورك إذا قضى ما سبق به ، وقيل : هل يوافق إمامه في توركه ، أم يخير بينهما ؟ فيه روايتان . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية