الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( نصف صاع ) فاعل يجب ( من بر أو دقيقه أو سويقه أو زبيب ) وجعلاه كالتمر ، وهو رواية عن الإمام وصححه البهنسي وغيره . وفي الحقائق والشرنبلالية عن البرهان : وبه يفتى ( أو صاع تمر أو شعير ) ولو رديئا وما لم ينص عليه كذرة [ ص: 365 ] وخبز يعتبر فيه القيمة ( وهو ) أي الصاع المعتبر ( ما يسع ألفا وأربعين درهما من ماش أو عدس ) إنما قدر بهما [ ص: 366 ] لتساويهما كيلا ووزنا .

التالي السابق


( قوله : أو دقيقه أو سويقه ) الأولى أن يراعى فيهما القدر والقيمة احتياطا وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار هداية ; لأن في إسناده سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث فوجب الاحتياط بأن يعطي نصف صاع دقيق بر أو صاع دقيق شعير يساويان نصف صاع بر وصاع شعير لا أقل من نصف يساوي نصف صاع دقيق بر أو أقل من صاع يساوي صاع شعير ولا نصف لا يساوي نصف صاع بر أو صاع لا يساوي صاع شعير فتح وقوله فوجب الاحتياط مخالف لتعبير الهداية والكافي بأولى إلا أن يحمل أحدهما على الآخر تأمل ( قوله : وجعلاه كالتمر ) أي في أنه يجب صاع منه .

( قوله : وهو رواية ) أي عن أبي حنيفة كما في بعض النسخ ( قوله : وصححها البهنسي ) أي في شرحه على الملتقى والمراد أنه حكى تصحيحها وإلا فهو ليس من أصحاب التصحيح قال في البحر : وصححها أبو اليسر ورجحها المحقق في فتح القدير من جهة الدليل وفي شرح النقاية والأولى أن يراعى في الزبيب القدر والقيمة ا هـ : أي بأن يكون نصف الصاع منه يساوي قيمة نصف صاع بر حتى إذا لم يصح من حيث القدر يصح من حيث قيمة البر لكن فيه أن الصاع من الزبيب منصوص عليه في الحديث الصحيح ، فلا تعتبر فيه القيمة كما يأتي تأمل .

( قوله : أو شعير ) ودقيقه وسويقه مثله نهر ( قوله : ولو رديئا ) قال في البحر : وأطلق نصف الصاع والصاع ولم يقيده بالجيد ; لأنه لو أدى نصف صاع رديء جاز وإن أدى عفنا أو به عيب أدى النقصان وإن أدى قيمة الرديء أدى الفضل كذا في الظهيرية ا هـ ونقل بعض المحشين عن حاشية الزيلعي عن كفاية الشعبي : لو كانت الحنطة مخلوطة بالشعير فلو الغلبة للشعير فعليه صاع ولو بالعكس فنصف صاع ( قوله : وما لم ينص عليه إلخ ) قال في البدائع : ولا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة ، سواء كان الذي أدى عنه من جنسه أو من خلاف جنسه بعد أن كان من المنصوص [ ص: 365 ] عليه فكما لا يجوز إخراج الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط لا يجوز إخراج غير الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة بأن أدى نصف صاع تمر تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من حنطة عن الحنطة بل يقع عن نفسه وعليه تكميل الباقي ; لأن القيمة إنما تعتبر في غير المنصوص عليه . ا هـ .

[ تنبيه ] يجوز عندنا تكميل جنس من جنس آخر من المنصوص عليه . ففي البحر عن النظم لو أدى نصف صاع شعير ونصف صاع تمر أو نصف صاع تمر ومنا واحدا من الحنطة أو نصف صاع شعير وربع صاع حنطة جاز خلافا للشافعي ( قوله : وخبز ) عدم جواز دفعه إلا باعتبار القيمة هو الصحيح لعدم ورود النص به فكان كالذرة وغيرها من الحبوب التي لم يرد بها نص وكالأقط بحر . مطلب في تحرير الصاع والمد والمن والرطل

( قوله وهو أي الصاع إلخ ) اعلم أن الصاع أربعة أمداد والمد رطلان والرطل نصف من والمن بالدراهم مائتان وستون درهما وبالإستار أربعون والإستار بكسر الهمزة بالدراهم ستة ونصف بالمثاقيل قيل أربعة ونصف كذا في شرح درر البحار فالمد والمن سواء كل منهما ربع صاع مائة وثلاثون درهما ، وفي الزيلعي والفتح : اختلف في الصاع فقال الطرفان ثمانية أرطال بالعراقي وقال الثاني خمسة أرطال وثلث ، قيل لا خلاف ; لأن الثاني قدره برطل المدينة ; لأنه ثلاثون إستارا والعراقي عشرون وإذا قابلت ثمانية بالعراقي بخمسة وثلث بالمديني وجدتهما سواء وهذا هو الأشبه ; لأن محمدا لم يذكر خلاف أبي يوسف ولو كان لذكره ; لأنه أعرف بمذهبه ا هـ وتمامه في الفتح .

ثم اعلم أن الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا والمتعارف الآن ستة عشر ، فإذا كان الصاع ألفا وأربعين درهما شرعيا يكون بالدرهم المتعارف تسعمائة وعشرة ، وقد صرح الشارح في شرحه على الملتقى في باب زكاة الخارج بأن الرطل الشامي ستمائة درهم ، وأن المد الشامي صاعان وعليه فالصاع بالرطل الشامي رطل ونصف ، والمد ثلاثة أرطال ويكون نصف الصاع من البر ربع مد شامي ، فالمد الشامي يجزئ عن أربع وهكذا رأيته أيضا محررا بخط شيخ مشايخنا إبراهيم السائحاني وشيخ مشايخنا منلا علي التركماني وكفى بهما قدوة لكني حررت نصف الصاع في عام ست وعشرين بعد المائتين فوجدته ثمينة ونحو ثلثي ثمينة فهو تقريبا ربع مد ممسوحا من غير تكويم ، ولا يخالف ذلك ما مر ; لأن المد في زماننا أكبر من المد السابق وكذا الرطل في زماننا فإنه الآن يزيد على سبعمائة درهم وهذا بناء على تقرير الصاع بالماش أو العدس أما على تقديره بالحنطة أو الشعير وهو الأحوط كما يأتي قريبا فيزيد نصف الصاع على ذلك فالأحوط إخراج ربع مد شامي على التمام من الحنطة الجيدة والله تعالى أعلم .

قال ط : وقدر بعض مشايخي نصف الصاع بقدح وسدس بالمصري وعن الدفري تقديره بقدح وثلث وعليه فالربع المصري يكفي عن ثلاث ( قوله : إنما قدر بهما ) أي قدر الصاع بما يسع الوزن المذكور منهما أي من مجموعها : أي من أي نوع منهما ; لأن كل واحد منهما يتساوى كيله ووزنه إذ لا تختلف أفراده ثقلا وكبرا فإذا ملأت إناء من ماش وزنه ألف وأربعون درهما ثم ملأته من ماش آخر يكون وزنه مثل وزن الأول لعدم التفاوت بين ماش وماش آخر وكذا لو فعلت بالعدس كذلك بخلاف غيرهما كالبر مثلا فإن بعض البر قد يكون أثقل من البعض فيختلف كيله ووزنه فلذا قدر الصاع بالماش أو العدس فيكون مكيالا محررا يكال به ما يراد إخراجه من الأشياء المنصوصة بلا اعتبار [ ص: 366 ] وزن ; لأنك لو كلت به شعيرا مثلا ثم وزنته لم يبلغ وزنه ألفا وأربعين درهما ، ولو اعتبر الوزن لكان ما يسع ألفا وأربعين درهما من الشعير أكبر من الصاع الذي يسع هذا القدر من الماش أو العدس وقد اعتبروا الصاع بهما ، فعلم أنه لا اعتبار بالوزن أصلا في غيرهما ويدل على ذلك أيضا قول الذخيرة قال الطحاوي : الصاع ثمانية أرطال مما يستوي كيله ووزنه ومعناه أن العدس والماش يستوي كيله ووزنه ، حتى لو وزن من ذلك ثمانية أرطال ووضع في الصاع لا يزيد ولا ينقص وما سوى ذلك تارة يكون الوزن أكثر من الكيل كالشعير وتارة بالعكس كالملح ، فإذا كان المكيال يسع ثمانية أرطال من العدس والماش فهو الصاع الذي يكال به الشعير والتمر والحنطة ا هـ وذكر نحوه في الفتح ثم قال : وبهذا يرتفع الخلاف في تقدير الصاع كيلا أو وزنا ومراده بالخلاف ما ذكره قبله حيث قال : ثم يعتبر نصف صاع من بر من حيث الوزن عند أبي حنيفة ; لأنهم لما اختلفوا في أن الصاع ثمانية أرطال أو خمسة وثلث كان إجماعا منهم أنه يعتبر بالوزن وروى ابن رستم عن محمد أنه إنما يعتبر بالكيل حتى لو دفع أربعة أرطال لا يجزيه لجواز كون الحنطة ثقيلة لا تبلغ نصف صاع . ا هـ .

وفي ارتفاع الخلاف بما ذكر تأمل فإذا المتبادر من اعتبار نصف الصاع بالوزن عند أبي حنيفة اعتبار وزن البر ونحوه مما يريد إخراجه لاعتباره بالماش والعدس .

والظاهر أن اعتباره بهما مبني على رواية محمد ، وأن الخلاف متحقق وعن هذا ذكر صدر الشريعة في شرح الوقاية أن الأحوط تقدير الصاع بثمانية أرطال من الحنطة الجيدة ; لأنه إن قدر بالماش يكون أصغر ولا يسع ثمانية أرطال من الحنطة ; لأنه أثقل منها وهي أثقل من الشعير ، فالمكيال الذي يملأ بثمانية أرطال من الماش يملأ بأقل من ثمانية أرطال من الحنطة الجيدة المكتنزة . ا هـ .

مطلب في مقدار الفطرة بالمد الشامي قلت : وبهذا يخرج عن العهدة بيقين على روايتين تقدير الصاع كيلا أو وزنا فلذا كان أحوط ولكن على هذا الأحوط تقديره بالشعير ، ولهذا نقل بعض المحشين عن حاشية الزيلعي للسيد محمد أمين ميرغني أن الذي عليه مشايخنا بالحرم الشريف المكي ومن قبلهم من مشايخهم وبه كانوا يفتون تقديره بثمانية أرطال من الشعير ، ولعل ذلك ليحتاطوا في الخروج عن الواجب بيقين لما في مبسوط السرخسي من أن الأخذ بالاحتياط في باب العبادات واجب ا هـ فإذا قدر بذلك فهو يسع ثمانية أرطال من العدس ومن الحنطة ، ويزيد عليها ألبتة بخلاف العكس ، فلذا كان تقدير الصاع بالشعير أحوط . ا هـ . ولهذا قدمنا أن الأحوط في زماننا إخراج ربع مد شامي تام .




الخدمات العلمية