الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصح أداؤها إذا قدمه على يوم الفطر أو أخره ) اعتبارا بالزكاة والسبب موجود إذ هو الرأس ( بشرط دخول رمضان في الأول ) أي مسألة التقديم ( هو الصحيح ) وبه يفتى جوهرة وبحر عن الظهيرية لكن عامة المتون والشروح على صحة التقديم مطلقا وصححه غير واحد ورجحه في النهر ونقل عن الولوالجية أنه ظاهر الرواية .

قلت : فكان هو المذهب ( وجاز دفع كل شخص فطرته إلى ) مسكين أو ( مسكين على ) ما عليه الأكثر وبه جزم في الولوالجية والخانية والبدائع والمحيط وتبعهم الزيلعي في الظهار من غير ذكر خلاف وصححه في البرهان فكان هو ( المذهب ) كتفريق الزكاة والأمر في حديث " أغنوهم " للندب فيفيد الأولوية ، ولذا قال في الظهيرية : لا يكره التأخير أي تحريما ( كما جاز دفع صدقة جماعة إلى مسكين واحد بلا خلاف ) [ ص: 368 ] يعتد به

التالي السابق


( قوله : أو أخره ) قدمنا الكلام عليه أول الباب ( قوله : اعتبارا بالزكاة ) أي قياسا عليها . واعترضه في الفتح بأن حكم الأصل على خلاف القياس فلا يقاس عليه ; لأن التقديم ، وإن كان بعد السبب هو قبل الوجوب وأجاب في البحر بأنها كالزكاة بمعنى أنه لا فارق لا أنه قياس ا هـ وفيه نظر والأولى الاستدلال بحديث البخاري وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين قال في الفتح وهذا مما لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم بل لا بد من كونه بإذن سابق فإن الإسقاط قبل الوجوب مما لا يعقل فلم يكونوا يقدمون عليه إلا بسمع ا هـ ( قوله : فكان هو المذهب ) نقل في البحر اختلاف التصحيح ثم قال لكن تأيد التقييد بدخول الشهر بأن الفتوى عليه فليكن العمل عليه وخالفه في النهر بقوله واتباع الهداية أولى . قال في الشرنبلالية قلت : ويعضده أن العمل بما عليه الشروح والمتون ، وقد ذكر مثل تصحيح الهداية في الكافي والتبيين وشروح الهداية . وفي البرهان وابن كمال باشا وفي البزازية الصحيح جواز التعجيل لسنين رواه الحسن عن الإمام ا هـ وكذا في المحيط . ا هـ .

قلت : وحيث كان في المسألة قولان مصححان تخير المفتي بالعمل بأيهما إلا إذا كان لأحدهما مرجح ككونه ظاهر الرواية أو مشى عليه أصحاب المتون والشروح أو أكثر المشايخ كما بسطناه أول الكتاب وقد اجتمعت هذه المرجحات هنا للقول بإطلاق فلا يعدل عنه فافهم .

( قوله : إلى مسكين ) يغني عنه ما بعده لفهمه بالأولى ط ( قوله : فكان هو المذهب ) كذا قال في البحر ردا على ظاهر ما في الزيلعي هنا والفتح من أن المذهب المنع وأن القائل بالجواز إنما هو الكرخي . ا هـ . وكذا رده العلامة نوح بأن الأمر بالعكس فإن المانعين جمع يسير والمجوزين جم غفير والاعتماد على ما عليه الجم الكثير ( قوله : والأمر في حديث أغنوهم ) هو ما أخرجه الدارقطني وابن عدي والحاكم في علوم الحديث عن ابن عمر بلفظ { أغنوهم عن الطوف في هذا اليوم } نوح .

وهذا الجواب عما يقال إن الإغناء لا يحصل إلا بدفعها جملة فيجب عملا بالأمر . والجواب أن الأمر للندب وإلا لم يجز التقديم والتأخير وقد مر الدليل على جوازهما أول الباب ، وذلك قرينة على أن الأمر هنا للندب فخلافه لا يكره تحريما بل تنزيها . [ ص: 368 ] ويتحصل من هذا الجواب أن الدفع إلى متعدد مكروه تنزيها ككراهة التأخير ، إلا أن يفرق بأنه لو أخر الناس عن اليوم لم يحصل الإغناء أصلا ، بخلاف ما لو فرقوا لحصول الإغناء بالجموع كما علل به الكرخي فلم يكن مخالفا لأمر الندب ; لأنه أمر للمجموع لا للأفراد بقرينة أن ذا العيال لا يستغني بفطرة شخص واحد ولا يؤمر ذلك الواحد بإغنائه تأمل . وما في البحر من أن التحقيق أنه بالتأخير يكون قاضيا لا مؤديا فيأثم للحديث تبع فيه صاحب الفتح وقدمنا أول الباب ترجيح خلافه فافهم ( قوله : يعتد به ) تصحيح لنفي المصنف الخلاف تبعا للبحر بأن المراد نفي خلاف خاص ; لأنه قد صرح في مواهب الرحمن بالخلاف في المسألتين بقوله ويجوز أخذ واحد من جمع ودفع واحد لجمع على الصحيح فيهما . ا هـ .

قلت : ولعل محل الخلاف هنا ما إذا خلط الجماعة صدقاتهم ودفعوها لواحد أما لو دفع كل واحد بانفراده للواحد فيبعد جريان الخلاف في الجواز وعدمه فليتأمل .




الخدمات العلمية