الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو نوى مسافر الفطر ) أو لم ينو ( فأقام ونوى الصوم في وقتها ) قبل الزوال ( صح ) مطلقا ( ويجب عليه ) الصوم ( لو ) كان ( في رمضان ) لزوال المرخص ( كما يجب على مقيم إتمام ) صوم ( يوم منه ) أي رمضان ( سافر فيه ) أي في ذلك اليوم ( و ) لكن ( لا كفارة عليه لو أفطر فيهما ) للشبهة في أوله وآخره إلا إذا دخل مصره لشيء نسيه فأفطر [ ص: 432 ] فإنه يكفر ، ولو نوى الصائم الفطر لم يكن مفطرا كما مر ( كما لو نوى التكلم في صلاته ولم يتكلم ) شرح الوهبانية قال وفيه خلاف الشافعي ( وقضى أيام إغمائه ولو ) كان الإغماء ( مستغرقا للشهر ) لندرة امتداده ( سوى يوم حدث الإغماء فيه أو في ليلته ) فلا يقضيه إلا إذا علم أنه لم ينوه ( وفي الجنون إن لم يستوعب ) الشهر ( قضى ) ما مضى ( وإن استوعب ) [ ص: 433 ] لجميع ما يمكنه إنشاء الصوم فيه على ما مر ( لا ) يقضي مطلقا للحرج

التالي السابق


( قوله أو لم ينو ) أشار إلى أن قول المصنف كغيره نوى الفطر غير قيد ، وإنما هو إشارة إلى أنه لو لم ينو الفطر في وقت النية قبل الأكل فالحكم كذلك بالأولى ، لأنه إذا صح مع نية المنافي فمع عدمها أولى كما في البحر ولأن نية الإفطار لا عبرة بها كما أفاده بقوله الآتي ولو نوى الصائم الفطر إلخ ( قوله قبل الزوال ) أي نصف النهار وقبل الأكل ( قوله صح ) لأن السفر لا ينافي أهلية الوجوب ولا صحة الشروع بحر ( قوله مطلقا ) أي سواء كان نفلا أو نذرا معينا أو أداء رمضان ح وبه علم أن محل ذلك في صوم لا يشترط فيه التبييت ، فلو نوى ما يشترط فيه التبييت وقع نفلا كما تقدم ما يفيده ط وإن أريد بقوله صح صحة الصوم لا بقيد كونه عما نواه فالمراد بالإطلاق ما يشمل الجميع ( قوله ويجب عليه الصوم ) أي إنشاؤه حيث صح منه بأن كان في وقت النية ولم يوجد ما ينافيه وإلا وجب عليه الإمساك كحائض طهرت ومجنون أفاق كما مر ( قوله كما يجب على مقيم إلخ ) لما قدمناه أول الفصل أن السفر لا يبيح الفطر ، وإنما يبيح عدم الشروع في الصوم ، فلو سافر بعد الفجر لا يحل الفطر .

قال في البحر : وكذا لو نوى المسافر الصوم ليلا وأصبح من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر ثم أصبح صائما لا يحل فطره في ذلك اليوم ، ولو أفطر لا كفارة عليه . ا هـ .

قلت : وكذا لا كفارة عليه بالأولى لو نوى نهارا فقوله ليلا غير قيد ( قوله فيهما ) أي في مسألة المسافر إذا أقام ومسألة المقيم إذا سافر كما في الكافي النسفي وصرح في الاختيار بلزوم الكفارة في الثانية .

قال ابن الشلبي في شرح الكنز : وينبغي التعويل على ما في الكافي أي من عدمه فيهما .

قلت : بل عزاه في الشرنبلالي إلى الهداية والعناية والفتح أيضا ( قوله للشبهة في أوله وآخره ) أي في أول الوقت في المسألة الأولى وآخره في الثانية فهو لف ونشر مرتب .

[ ص: 432 ] مطلب يقدم هنا القياس على الاستحسان

( قوله فإنه يكفر ) أي قياسا لأنه مقيم عند الأكل حيث رفض سفره بالعود إلى منزله وبالقياس نأخذ ا هـ خانية فتزاد هذه على المسائل التي قدم فيها القياس على الاستحسان حموي وقد مر أنه لو أكل المقيم ثم سافر أو سوفر به مكرها لا تسقط الكفارة والظاهر أنه لو أكل بعد ما جاوز بيوت مصره ثم رجع فأكل لا كفارة عليه وإن عزم على عدم السفر أصلا بعد أكله لأن أكله وقع في موضع الترخص نعم يجب عليه الإمساك .

هذا وفي البدائع من صلاة المسافر : لو أحدث في صلاته فلم يجد الماء فنوى أن يدخل مصره وهو قريب صار مقيما من ساعته وإن لم يدخل فلو وجد ماء قبل دخوله صلى أربعا لأنه بالنية صار مقيما . ا هـ .

قلت : ومقتضاه أنه لو أفطر بعد النية قبل الدخول يكفر أيضا تأمل .

[ تنبيه ]

المسافر إذا نوى الإقامة في مصر أقل من نصف شهر هل يحل له الفطر في هذه المدة كما يحل له قصر الصلاةسألت عنه ، ولم أره صريحا وإنما رأيت في البدائع وغيرها : لو أراد المسافر دخول مصره أو مصر آخر ينوي فيه الإقامة يكره له أن يفطر في ذلك اليوم وإن كان مسافرا في أوله لأنه اجتمع المحرم للفطر ، وهو الإقامة والمبيح أو المرخص وهو السفر في يوم واحد فكان الترجيح للمحرم احتياطا ، وإن كان أكبر رأيه أنه لا يتفق دخوله المصر حتى تغيب الشمس فلا بأس بالفطر فيه ا هـ فتقييده بنية الإقامة يفهم أنه بدونها يباح له الفطر في يوم دخوله ولو كان أول النهار لعدم المحرم وهو الإقامة الشرعية وكذا في اليوم الثاني مثلا .

والحاصل أن مقتضى القواعد الجواز ما لم يوجد نقل صريح بخلافه تأمل ( قوله كما مر ) أي قبيل قوله : ولا يصام يوم الشك إلا تطوعا ح ( قوله قال وفيه خلاف الشافعي ) ضمير قال لابن الشحنة .

واستشكل بأن الكلام ناسيا لا يفسد الصلاة عند الشافعي ، فكيف يفسدها مجرد نية الكلام قلت : فرق بين الكلام ناسيا ونية الكلام العمد فإن العمد قاطع للصلاة .

ثم رأيت ط أجاب بما ذكرته من الفرق ثم قال : والمعتمد من مذهبه عدم الفساد ( قوله لندرة امتداده ) لأن بقاء الحياة عند امتداده طويلا بلا أكل ولا شرب نادر ولا حرج في النوادر كما في الزيلعي ( قوله فلا يقضيه ) لأن الظاهر من حاله أن ينوي الصوم ليلا حملا على الأكل ، ولو حدث له ذلك نهارا أمكن حمله كذلك بالأولى ، حتى لو كان متهتكا يعتاد الأكل في رمضان أو مسافرا قضى الكل كذا قالوا وينبغي أن يقيد بمسافر يضره الصوم ، أما من لا يضره فلا يقضي ذلك اليوم حملا لأمره على الصلاح لما مر أن صومه أفضل وقول بعضهم إن قصد صوم الغد في الليالي من المسافر ليس بظاهر ممنوع فيما إذا كان لا يضره نهر .

قلت : هذا المنع غير ظاهر خصوصا فيمن كان يفطر في سفره قبل حدوث الإغماء نعم هو ظاهر فيمن كان يصوم قبله أو كان عادته في أسفاره تأمل ( قوله إلا إذا علم إلخ ) قال الشمني : وهذا إذا لم يذكر أنه نوى أو لا إذا علم أنه نوى فلا شك في الصحة وإن علم أنه لم ينو فلا شك في عدمها ، وكلامه ظاهر في أن فرض المسألة في رمضان فلو حدث له ذلك في شعبان وقضى الكل نهر أي لأن شعبان لا تصح عنه نية رمضان ( قوله وفي الجنون ) متعلق [ ص: 433 ] يقضي الآتي ط ( قوله لجميع ما يمكنه إنشاء الصوم فيه ) وهو ما بين طلوع الفجر إلى نصف النهار من كل يوم فالإفاقة بعد هذا الوقت إلى قبيل طلوع الفجر ولو من كل يوم لا تعتبر ط أي لأنها وإن كانت وقت النية لكن إنشاء الصوم بالفعل لا يصح في الليل ، ولا بعد نصف النهار ثم هذا خلاف إطلاق المصنف الاستيعاب ، فإنه يقتضي أنه لو أفاق ساعة منه ولو ليلا أو بعد نصف النهار أنه يقضي وإلا فلا وقدمنا أول كتاب الصوم تحرير الخلاف في ذلك وأنهما قولان مصححان وأن المعتمد الثاني لكونه ظاهر الرواية والمتون ( قوله على ما مر ) أي عند قوله وسبب صوم رمضان شهود جزء من الشهر ح ( قوله لا يقضي مطلقا ) أي سواء كان الجنون أصليا أو عارضا بعد البلوغ ، قيل هذا ظاهر الرواية .

وعن محمد أنه فرق بينهما لأنه إذا بلغ مجنونا التحق بالصبي فانعدم الخطاب ، بخلاف ما إذا بلغ عاقلا فجن ، وهذا مختار بعض المتأخرين هداية قال في العناية منهم أبو عبد الله الجرجاني والإمام الرستغفني والزاهد الصفار ا هـ وفي الشرنبلالي عن البرهان عن المبسوط ليس على المجنون الأصلي قضاء ما مضى في الأصح ا هـ أي ما مضى من الأيام قبل إفاقته .

[ تنبيه ]

لا يخفى أنه إذا استوعب الجنون الشهر كله لا يقضي بلا خلاف مطلقا وإلا ففيه الخلاف المذكور فقوله مطلقا هنا تبعا للدرر في غير محله وكان عليه أن يذكره عقب قوله إن لم يستوعب قضى ما مضى ليكون إشارة إلى الخلاف المذكور فتنبه .




الخدمات العلمية