الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب التمتع ( هو ) لغة من المتاع والمتعة وشرعا ( أن يفعل العمرة أو أكثر أشواطها في أشهر الحج ) فلو طاف الأقل [ ص: 536 ] في رمضان مثلا ثم طاف الباقي في شوال ثم حج من عامه كان متمتعا فتح قال المصنف : فلتغير النسخ إلى هذا التعريف [ ص: 537 ] ( ويطوف ويسعى ) كما مر ( ويحلق أو يقصر ) إن شاء ( ويقطع التلبية في أول طوافه ) للعمرة وأقام بمكة حلالا ( ثم يحرم للحج ) في سفر واحد حقيقة أو حكما بأن يلم بأهله إلماما غير صحيح ( يوم التروية وقبله أفضل ، ويحج كالمفرد ) [ ص: 538 ] لكنه يرمل في طواف الزيارة ويسعى بعده إن لم يكن قدمهما بعد الإحرام

التالي السابق


باب التمتع ذكره عقب القران لاقترانهما في معنى الانتفاع بالنسكين ، وقدم القران لمزيد فضله نهر ( قوله من المتاع ) أي مشتق منه لأن التمتع مصدر مزيد والمجرد أصل المزيد ط . وفي الزيلعي : التمتع من المتاع أو المتعة ، وهو الانتفاع أو النفع ، قال الشاعر :

وقفت على قبر غريب بقفرة متاع قليل من غريب مفارق

جعل الأنس بالقبر متاعا . ا هـ . ( قوله وشرعا أن يفعل العمرة ) أي طوافها لأن السعي ليس ركنا فيها على الصحيح كالحج ، وقوله الآتي ثم يحرم بالحج بالنصب عطفا على يفعل ، فهو من تتمة التعريف ، وأشار إلى أنه لا يشترط كون إحرام العمرة في أشهر الحج ولا كون التمتع في عام الإحرام بالعمرة ، بل الشرط عام فعلها ، حتى لو أحرم بعمرة في رمضان وأقام على إحرامه إلى شوال من العام القابل ثم حج من عامه ذلك كان متمتعا كما في الفتح . [ تنبيه ]

ذكر في اللباب أن شرائط التمتع أحد عشر : الأول : أن يطوف للعمرة كله أو أكثره في أشهر الحج .

الثاني : أن يقدم إحرام العمرة على الحج .

الثالث : أن يطوف للعمرة كله أو أكثر قبل إحرام الحج .

الرابع : عدم إفساد العمرة . [ ص: 536 ]

الخامس : عدم إفساد الحج .

السادس : عدم الإلمام إلماما صحيحا كما يأتي .

السابع : أن يكون طواف العمرة كله أو أكثره والحج في سفر واحد ، فلو رجع إلى أهله قبل إتمام الطواف ثم عاد وحج ، فإن كان أكثر الطواف في السفر الأول لم يكن متمتعا ، وإن كان أكثره في الثاني كان متمتعا ، وهذا الشرط على قول محمد خاصة على ما في المشاهير .

الثامن : أداؤهما في سنة واحدة ، فلو طاف للعمرة في أشهر الحج من هذه السنة وحج من سنة أخرى لم يكن متمتعا وإن لم يلم بينهما أو بقي حراما إلى الثانية .

التاسع : عدم التوطن بمكة فلو اعتمر ثم عزم على المقام بمكة أبدا لا يكون متمتعا ، وإن عزم شهرين أي مثلا وحج كان متمتعا .

العاشر : أن لا تدخل عليه أشهر الحج وهو حلال بمكة أو محرم ولكن قد طاف للعمرة أكثره قبلها إلا أن يعود إلى أهله فيحرم بعمرة .

الحادي عشر : أن يكون من أهل الآفاق والعبرة للتوطن ، فلو استوطن المكي في المدينة مثلا فهو آفاقي وبالعكس مكي ، ومن كان له أهل بهما واستوت إقامته فيهما فليس بمتمتع وإن كانت إقامته في إحداها أكثر لم يصرحوا به . قال صاحب البحر : وينبغي أن يكون الحكم للكثير ، وأطلق المنع في خزانة الأكمل . ا هـ . ( قوله مثلا ) المراد أنه طاف ذلك قبل أشهر الحج سواء في ذلك رمضان وغيره ط ( قوله من عامه ) أي عام الطواف لا عام إحرام العمرة كما مر ، وأفاد أنه لو طاف الأكثر قبل أشهر الحج لم يكن متمتعا ولو حج من عامه ، ولا فرق بين أن يكون في ذلك الطواف جنبا أو محدثا ثم يعيده فيها أو لا لأن طواف المحدث لا يرتفض بالإعادة وكذا الجنب ، وتمامه في النهر آخر الباب .

قال في الفتح والنهر : والحيلة لمن دخل مكة محرما بعمرة قبل أشهر الحج يريد التمتع أن لا يطوف بل يصبر إلى أن تدخل أشهر الحج ثم يطوف ، فإنه متى طاف وقع عن العمرة ، ثم لو أحرم بأخرى بعد دخول أشهر الحج وحج عامه لم يكن متمتعا في قول الكل لأنه صار في حكم المكي بدليل أن ميقاته ميقاتهم . ا هـ . ( قوله فلتغير النسخ ) أراد بالنسخ ما وجدته في متن مجرد من قوله هو أن يحرم بعمرة من الميقات في أشهر الحج ويطوف ا هـ فقيد الإحرام بكونه من الميقات وهو ليس بقيد بل لو قدمه صح ، وكذا لو أخره وإن لزمه دم إذا لم يعد إلى الميقات ، وبكونه في أشهر الحج وليس بقيد ، بل لو قدمه صح بلا كراهة وأطلق في الطواف ، فمقتضاه أنه لا بد أن يقع جميعه في أشهر الحج لأنه شرط أن يكون الإحرام في أشهر الحج ، والطواف لا يكون إلا بعد الإحرام مع أنه يكفي وجود أكثره فيها فلذلك أمر المصنف بتغيير النسخ إلى النسخة التي اعتمدها وهي قوله أن يفعل العمرة أو أكثر أشواطها في أشهر الحج عن إحرام بها قبلها أو فيها ويطوف إلخ هكذا شرح عليها في المنح ، وذكرها بعينها في الشرح أيضا والشارح أسقط منها قوله عن إحرام بها قبلها أو فيها . ا هـ . قلت : ولعله أسقطه استغناء بالإطلاق .

ويرد على هذا التعريف أيضا ما لو أحرم بهما في عامين أو في عام واحد لكن ألم بأهله إلماما صحيحا ، وقد تفطن الشارح للثاني فقيد فيما سيأتي بقوله في سفر واحد إلخ فكان على المصنف أن يقول كما قال الزيلعي : ثم يحج من عامه ذلك من غير أن يلم بأهله إلماما صحيحا ، لكن يرد عليه أيضا كما في النهر أن فائت الحج إذا أخر التحلل [ ص: 537 ] بعمرة إلى شوال فتحلل بها فيه وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعا . ويجاب بأن قول المصنف أن يفعل العمرة يخرجه لأن فائت الحج لا يفعل العمرة لأنه أحرم بالحج لا بها ، وإنما يتحلل بصورته أفعالها كما قدمناه ، وأشار إليه في البحر هنا أيضا .

ويرد عليه أيضا ما صرحوا به من أنه لو أحرم بعمرة يوم النحر فأتى بأفعالها ثم أحرم من يومه بالحج وبقي محرما بالحج إلى قابل فحج كان متمتعا ا هـ لكن هذا وارد على قول الزيلعي وغيره ثم يحج . أما قول المصنف ثم يحرم بالحج فلا لصدقه بما إذا أحرم به في عام العمرة ولم يحج : ويمكن حمل كلام الزيلعي عليه بأن يراد ثم ينشئ الحج تأمل ( قوله ويطوف ويسعى إلخ ) عطف تفسير على قوله يفعل العمرة ، ولا حاجة إليه لأن بيان أفعال العمرة تقدم مع أنه يوهم لزوم السعي في صحة التمتع وإن كان فيما قبله إشارة إلى عدمه ( قوله كما مر ) أي طوافا وسعيا مماثلين لما مر من بيان صفتهما ( قوله إن شاء ) راجع للأمرين أي إن شاء حلق ، وإن شاء قصر ، وإن شاء بقي محرما ح . وفيه دلالة على أن المتمتع بها الذي لم يسق الهدي لا يلزمه التحلل كما ذكره الإسبيجابي وغيره ، وظاهر الهداية خلافه ، وتمامه في شرح اللباب ( قوله في أول طوافه للعمرة ) لأنه عليه الصلاة والسلام { كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر } ، رواه أبو داود نهر ( قوله وأقام بمكة حلالا ) هذا ليس بلازم في التمتع ، بل إن أقام بها حج كأهلها فميقاته الحرم ، وإن أقام بالمواقيت أو داخلها حج كأهلها فميقاته الحل ، وإن أقام خارج المواقيت أحرم فيها كذا في القهستاني ، فقوله ثم يحرم بالحج يجري على هذا التفصيل ط . [ تنبيه ]

أفاد أنه يفعل ما يفعله الحلال ، فيطوف بالبيت ما بدا له ويعتمر قبل الحج ، وصرح في اللباب بأنه لا يعتمر : أي بناء على أنه صار في حكم المكي وأن المكي ممنوع من العمرة في أشهر الحج وإن لم يحج ، وهو الذي حط عليه كلام الفتح . وخالفه في البحر وغيره بأنه ممنوع منها إن حج من عامه وسيأتي تمامه ( قوله في سفر واحد ) كان عليه أن يزيد في عام واحد ليخرج ما إذا أحرم بالعمرة وأتى بأفعالها وبقي محرما إلى العام الثاني فأحرم بالحج بلا تخلل سفر بينهما فإنه لا يسمى متمتعا كما أشرنا إليه فافهم ( قوله حقيقة ) أي كما قدمه في قوله وأقام بمكة حلالا ح ( قوله أو حكما بأن يلم إلخ ) أي بأن يكون العود إلى مكة مطلوبا منه ، إما بسوق الهدي ، وإما بأن يلم بأهله قبل أن يحلق ; أما في الأول فلأن هديه يمنعه من التحلل قبل يوم النحر ، وأما في الثاني فلأن العود إلى الحرم مستحق عليه للحلق في الحرم ، وجوبا عندهما ، واستحبابا عند أبي يوسف ، فالإلمام الصحيح أن يلم بأهله بعد أن حلق في الحرم ولم يكن ساق الهدي لكون العود غير مطلوب منه . والأولى للشارح أن يقول بأن لا يلم بأهله إلماما صحيحا ليشمل ما إذا كان كوفيا فلما اعتمر ألم بالبصرة . ا هـ . ح والمراد بأن لا يلم في سفره فلا يصدق بعدم الإلمام أصلا فافهم .

ثم اعلم أن ما ذكر من شروط الإلمام الصحيح إنما هو في الآفاقي ، أما المكي فلا يشترط فيه ذلك بل إلمامه صحيح مطلقا لعدم تصور كون عوده إلى الحرم غير مستحق عليه لأنه في الحرم ، سواء تحلل أو لا ، ساق الهدي أو لا ولذا لم يصح تمتعه مطلقا كما سيأتي ( قوله يوم التروية ) لأنه يوم إحرام أهل مكة ، وإلا فلو أحرم يوم عرفة جاز معراج : قال في اللباب : والأفضل أن يحرم من المسجد ، ويجوز من جميع الحرم ومن مكة أفضل من خارجها ، [ ص: 538 ] ويصح ولو خارج الحرم ولكن يجب كونه فيه إلا إذا خرج إلى الحل لحاجة فأحرم منه لا شيء عليه ، بخلاف ما لو خرج لقصد الإحرام ا هـ ( قوله لكنه يرمل في طواف الزيارة ) أي لأنه أول طواف يفعله في حجه : أي بخلاف المفرد فإنه يرمل في طواف القدوم كالقارن كما مر . قال في البحر : وليس على المتمتع طواف قدوم كما في المبتغى : أي لا يكون مسنونا في حقه ، بخلاف القارن لأن المتمتع حين قدومه محرما بالعمرة فقط ، وليس لها طواف قدومه ولا صدر ا هـ فالاستدراك في محله فافهم ( قوله إن لم يكن قدمهما ) أي عقب طواف تطوع بعد الإحرام بالحج ، فلا دلالة في هذا على مشروعية طواف القدوم للمتمتع ، خلافا لما فهمه في النهاية والعناية كما بسطه في الفتح .




الخدمات العلمية