الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تجبر البالغة البكر على النكاح ) لانقطاع الولاية بالبلوغ ( فإن استأذنها هو ) أي الولي وهو السنة [ ص: 59 ] ( أو وكيله أو رسوله أو زوجها ) وليها وأخبرها رسوله أو الفضولي عدل ( فسكتت ) عن رده مختارة ( أو ضحكت غير مستهزئة أو تبسمت أو بكت بلا صوت ) فلو بصوت لم يكن إذنا ولا ردا حتى لو رضيت بعده انعقد سراج وغيره ، فما في الوقاية والملتقى فيه نظر ( فهو إذن ) أي توكيل في الأول إن اتحد الولي ، فلو تعدد الزوج [ ص: 60 ] لم يكن سكوتها إذنا ، وإجازة في الثاني إن بقي النكاح لا لو بطل بموته ولو قالت بعد موته : زوجني أبي بأمري وأنكرت الورثة فالقول لها فترث وتعتد ، ولو قالت : بغير أمري لكنه بلغني فرضيت فالقول لهم وقولها غيره أولى منه رد قبل العقد لا بعده . ولو زوجها لنفسه فسكوتها رد بعد العقد لا قبله ، ولو استأذنها في معين فردت ثم زوجها منه فسكتت صح في الأصح بخلاف ما لو بلغها فردت ثم قالت : رضيت لم يجز لبطلانه بالرد ، ولذا استحسنوا التجديد عند الزفاف لأن الغالب إظهار النفرة عند فجأة السماع ولو استأذنها فسكتت فوكل من يزوجها [ ص: 61 ] ممن سماه جاز إن عرف الزوج والمهر كما في القنية ، واستشكله في البحر بأنه ليس للوكيل أن يوكل بلا إذن ، فمقتضاه عدم الجواز أو أنها مستثناة ( إن علمت بالزوج ) أنه من هو لتظهر الرغبة فيه أو عنه ، ولو في ضمن العام كجيراني أو بني عمي لو يحصون وإلا لا ما لم تفوض له الأمر ( لا ) العلم ( بالمهر ) وقيل يشترط ، وهو قول المتأخرين بحر عن الذخيرة وأقره المصنف ، وما صححه في الدرر عن الكافي رده الكمال

التالي السابق


( قوله ولا تجبر البالغة ) ولا الحر البالغ والمكاتب والمكاتبة ولو صغيرين ح عن القهستاني ( قوله البكر ) أطلقها فشمل ما إذا كانت تزوجت قبل ذلك ، وطلقت قبل زوال البكارة فتزوج كما تزوج الأبكار نص عليه في الأصل بحر ( قوله وهو السنة ) بأن يقول لها قبل النكاح فلان يخطبك أو يذكرك فسكتت ، وإن زوجها بغير استئمار فقد أخطأ السنة وتوقف على رضاها بحر عن المحيط . واستحسن الرحمتي ما ذكره الشافعية من أن السنة في الاستئذان أن [ ص: 59 ] يرسل إليها نسوة ثقات ينظرن ما في نفسها والأم بذلك أولى لأنها تطلع على ما لا يطلع عليه غيرها . ا هـ . ( قوله أو وكيله أو رسوله ) الأول أن يقول وكلتك تستأذن لي فلانة في كذا ، والثاني أن يقول : اذهب إلى فلانة وقل لها إن أخاك فلانا يستأذنك في كذا ( قوله وأخبرها رسوله إلخ ) أفاد أن قول المصنف : أو زوجها محمول على ما إذا زوجها في غيبتها ، وهذا إن كان خلاف المتبادر منه ، لكن يرجحه دفع التكرار مع قوله الآتي وكذا إذا زوجها عندها فسكتت .

وفي البحر : واختلف فيما إذا زوجها غير كفء فبلغها فسكتت ، فقالا لا يكون رضا ، وقيل في قول أبي حنيفة يكون رضا إن كان المزوج أبا أو جدا وإن كان غيرهما فلا كما في الخانية أخذا من مسألة الصغيرة المزوجة من غير كفء . ا هـ . قال في النهر : وجزم في الدراية بالأول بلفظ قالوا ( قوله أو فضولي عدل ) الشرط في الفضولي العدالة أو العدد ، فيكفي إخبار واحد عدل أو مستورين عند أبي حنيفة ، ولا يكفي إخبار واحد غير عدل ولها نظائر ستأتي في متفرقات القضاء ( قوله فسكتت ) أي البكر البالغة بخلاف الابن الكبير فلا يكون سكوته رضا حتى يرضى بالكلام كافي الحاكم ( قوله عن رده ) قيد به إذ ليس المراد مطلق السكوت لأنها لو بلغها الخبر فتكلمت بأجنبي فهو سكوت هنا فيكون إجازة ، فلو قالت الحمد لله اخترت نفسي أو قالت هو دباغ لا أريده فهذا كلام واحد فهو رد بحر ( قوله مختارة ) أما لو أخذها عطاس أو سعال ، حين أخبرت فلما ذهب قالت لا أرضى أو أخذ فمها ثم ترك فقالت ذلك صح ردها لأن سكوتها كان عن اضطرار بحر ( قوله غير مستهزئة ) وضحك الاستهزاء لا يخفى على من يحضره لأن الضحك إنما جعل إذنا لدلالته على الرضا ، فإذا لم يدل على الرضا لم يكن إذنا بحر وغيره ( قوله أو بكت بلا صوت ) هو المختار للفتوى لأنه حزن على مفارقة أهلها بحر : أي وإنما يكون ذلك عند الإجازة معراج ( قوله فما في الوقاية والملتقى ) أي من أنه هو والبكاء بلا صوت إذن ومعه رد ( قوله فيه نظر ) أي لمخالفته لما في المعراج ، ولا يخفى ما فيه فإن ما في الوقاية والملتقى ذكر مثله في النقاية والإصلاح والمتون مقدمة على الشروح .

وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان : وإن بكت كان ردا في إحدى الروايتين عن أبي يوسف ، وعنه في رواية يكون رضا . قالوا : إن كان البكاء عن صوت وويل لا يكون رضا وإن كان عن سكوت فهو رضا ا هـ وبه ظهر أن أصل الخلاف في أن البكاء هل هو رد أو لا ، وقوله قالوا إلخ توفيق بين الروايتين ، فمعنى لا يكون رضا أنه يكون ردا كما فهمه صاحب الوقاية وغيره ، وصرح به أيضا في الذخيرة حيث قال بعد حكاية الروايتين ، وبعضهم قالوا إن كان مع الصياح والصوت فهو رد وإلا فهو رضا وهو الأوجه وعليه الفتوى ا هـ كيف والبكاء بالصوت والويل قرينة على الرد وعدم الرضا ، وعن هذا قال في الفتح بعد حكاية الروايتين ، والمعول اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك فإن تعارضت أو أشكل احتيط ا هـ فقد ظهر لك أن ما في المعراج ضعيف لا يعول عليه ( قوله فهو إذن ) أي وإن لم تعلم أنه إذن كما في الفتح ( قوله أي توكيل في الأول ) أي فيما إذا استأذنها قبل العقد حتى لو قالت بعد ذلك لا أرضى ولم يعلم به الولي فزوجها صح كما في الظهيرية لأن الوكيل لا ينعزل حتى يعلم بحر ( قوله فلو تعدد المزوج إلخ ) عبارة البحر ، ولو زوجها وليان متساويان كل واحد منهما من رجل فأجازتهما معا بطلا لعدم الأولوية ، وإن سكتت بقيا موقوفين حتى تجيز أحدهما بالقول أو بالفعل وهو ظاهر الجواب كما في البدائع . ا هـ .

[ ص: 60 ] ولا يخفى أن هذا في الإجازة والكلام الآن في التوكيل : أي الإذن قبل العقد ، لكن الظاهر أن الحكم لا يختلف في الموضعين إن زوجاها معا بعد الاستئذان ، أما لو استأذناها فسكتت فزوجاها متعاقبا من رجلين ينبغي أن يصح السابق منهما لعدم المزاحم فافهم ( قوله وإجازة ) عطف على توكيل ، وقوله في الثاني أي فبما استأذنها بعد العقد وهذا هو الأصح . وفي رواية لا يكون السكوت بعد العقد رضا كما بسطه في الفتح ، وقدمنا الخلاف أيضا فيما إذا زوجها غير كفء فبلغها فسكتت ( قوله لا لو بطل بموته ) لأن الإجازة شرطها قيام العقد بحر ( وقوله فالقول لها ) لأن الأصل أن المسلم المكلف لا يعقد إلا العقد الصحيح النافذ ( قوله فالقول لهم ) لأنها أقرت أن العقد وقع غير تام ، ثم ادعت النفاذ بعد ذلك فلا يقبل منها لمكان التهمة بحر ، وحينئذ فلا ترث وهل تعتد ؟ فإن كانت صادقة في نفس الأمر ، فلا شك في وجوب العدة عليها ديانة وإلا فلا . نعم لو أرادت أن تتزوج تمنع مؤاخذة لها بقولها ، وأما لو تزوجت ففي الذخيرة لو تزوجت المرأة ثم ادعت العدة فقال الزوج تزوجتك بعدها فالقول قوله لأنه يدعي الصحة . ا هـ .

فلعله يقال هنا كذلك لأن إقرارها السابق لم يثبت من كل وجه هذا ما ظهر لي ( قوله وقولها غيره ) أي غير هذا الزوج ( قوله رد قبل العقد لا بعده ) فرقوا بينهما بأنه يحتمل الإذن وعدمه فقبل النكاح لم يكن النكاح ، فلا يجوز بالشك وبعده كان فلا يبطل بالشك كذا في الظهيرية وهو مشكل لأنه لا يكون نكاحا إلا بعد الصحة ، وهي بعد الإذن فالظاهر أنه ليس بإذن فيهما بحر . وأصل الإشكال لصاحب الفتح . وأجاب عنه المقدسي بأن العقد إذا وقع ثم ورد بعده ما يحتمل كونه تقريرا له وكونه ردا ترجح بوقوعه احتمال التقرير ، وإذا ورد قبله ما يحتمل الإذن وعدمه ترجح الرد لعدم وقوعه فيمنع من إيقاعه لعدم تحقق الإذن فيه ( قوله ولو زوجها لنفسه إلخ ) محترز قول المصنف أو زوجها أي أن الولي لو تزوجها كابن العم إذا تزوج بنت عمه البكر البالغ بغير إذنها فبلغها فسكتت لا يكون رضا لأنه كان أصيلا في نفسه فضوليا في جانب المرأة فلم يتم العقد في قول أبي حنيفة ومحمد فلا يعمل الرضا ، ولو استأمرها في التزويج من نفسه فسكتت ، جاز إجماعا بحر عن الخانية .

والحاصل : أن الفضولي ولو من جانب إذا تولى طرفي العقد لا يتوقف عقده على الإجازة عندهما بل يقع باطلا ، بخلاف ما لو باشر العقد مع غيره من أصيل أو ولي أو وكيل أو فضولي آخر فإنه يتوقف اتفاقا كما سيأتي في آخر باب الكفاءة ( قوله فسكتت ) أما لو قالت حين بلغها قد كنت قلت إني لا أريد فلانا ولم تزد على هذا لم يجز النكاح لأنها أخبرت أنها على إبائها الأول ذخيرة ( قوله بخلاف ما لو بلغها إلخ ) لأن نفاذ التزويج كان موقوفا على الإجازة ، وقد بطل بالرد والرد في الأول كان للاستئذان لا للتزوج العارض بعده ، لكن قال في الفتح : الأوجه عدم الصحة لأن ذلك الرد الصريح يضعف كون ذلك السكوت دلالة الرضا ا هـ وأقره في البحر . وقد يقال : إنه قد تكون علمت بعد ذلك بحسن حاله ، وقد يكون ردها الأول حياء لما علمته من أن الغالب إظهار النفرة عند فجأة السماع ، ولو كانت على امتناعها الأول لصرحت بالرد كما صرح به أولا ولم تستح منه [ ص: 61 ]

( قوله إن عرف ) بالبناء للمجهول ونائب الفاعل ضمير المرأة والذي في البحر : إن عرفت ( قوله والمهر ) ينبغي أن يكون على الخلاف كما في مسألة المتن الآتية ح ( قوله واستشكله في البحر إلخ ) يؤيده ما قدمناه أول النكاح في أن قوله : زوجني توكيل أو إيجاب عن الخلاصة لو قال الوكيل : هب ابنتك لفلان فقال وهبت لا ينعقد ما لم يقل الوكيل بعده قبلت لأن الوكيل لا يملك التوكيل ا . هـ فهذا يدل على أن الوكيل ليس له التوكيل في النكاح ، وأنه ليس من المسائل التي استثنوها من هذه القاعدة . وقال الرحمتي هناك وفي حاشية الحموي على الأشباه عن كلام محمد في الأصل : إن مباشرة وكيل الوكيل بحضرة الوكيل في النكاح لا تكون كمباشرة الوكيل بنفسه بخلافه في البيع ، وفي مختصر عصام أنه جعله كالبيع فمباشرته بحضرته كمباشرته بنفسه ا هـ فيمكن أن يكون ما في القنية مفرعا على رواية عصام لكن الأصل وهو المبسوط من كتب ظاهر الرواية فالظاهر عدم الجواز فافهم ( قوله ولو في ضمن العام ) وكذا لو سمى لها فلانا أو فلانا فسكتت فله أن يزوجها من أيهما شاء بحر ( قوله لو يحصون ) عبارة الفتح وهم محصورون معرفون لها . ا هـ . ومقتضاها أنها لو لم تعرفهم لم يصح وإن كانوا محصورين ( قوله وإلا لا ) كقوله أزوجك من رجل أو من بني تميم بحر ( قوله ما لم تفوض له الأمر ) أما إذا قالت أنا راضية بما تفعله أنت بعد قوله إن أقواما يخطبونك أو زوجني ممن تختاره ونحوه ، فهو استئذان صحيح كما في الظهيرية وليس له بهذه المقالة أن يزوجها من رجل ردت نكاحه أولا لأن المراد بهذا العموم غيره كالتوكيل بتزويج امرأة ليس للوكيل أن يزوجه مطلقته إذا كان الزوج قد شكا منها للوكيل وأعلمه بطلاقها كما في الظهيرية بحر ( قوله لا العلم بالمهر ) أشار بتقدير العلم إلى أن المصنف راعى المعنى في عطفه المهر على التزوج ، وأصل التركيب بشرط العلم بالزوج لا المهر ح ( قوله وقيل يشترط ) أشار إلى ضعفه وإن قال في الفتح إنه الأوجه ، لأن صاحب الهداية صحح الأول وقال في البحر إنه المذهب لقول الذخيرة إن إشارات كتب محمد تدل عليه . ا هـ .

قلت : وعلى القول باشتراط تسميته يشترط كونه مهر المثل فلا يكون السكوت رضا بدونه كما في البحر عن الزيلعي وبقي على القول بعدم الاشتراط . فهل يشترط أن يزوجها بمهر المثل ؟ حتى لو نقص عنه لم يصح العقد إلا برضاها صارت حادثة الفتوى .

ورأيت في الحادي عشر من البزازية وإن لم يذكر المهر فزوج الوكيل بأكثر من مهر المثل بما لا يتغابن الناس فيه أو بأقل من المثل بما لا يتغابن فيه الناس صح عنده خلافا لهما ، لكن للأولياء حق الاعتراض في جانب المرأة دفعا للعار عنهم ا هـ أي إذا رضيت بذلك ، ومقتضاه أنه إذا كان الوكيل هو الولي كما في حادثتنا ورضيت به صح وإلا فلا تأمل ( قوله وما صححه في الدرر ) أي من التفصيل ، وهو أن الولي إن كان أبا أو جدا فذكر الزوج يكفي لأن الأب لو نقص عن مهر المثل لا يكون إلا لمصلحة تزيد عليه وإن كان غيرهما فلا بد من تسمية الزوج والمهر ( قوله عن الكافي ) أي ناقلا تصحيحه عن الكافي فافهم ( قوله رده الكمال ) بقوله وما ذكر من التفصيل ليس بشيء [ ص: 62 ] لأن ذلك في تزويجه الصغيرة بحكم الجبر ، والكلام في الكبيرة التي وجبت مشاورته لها والأب في ذلك كالأجنبي




الخدمات العلمية