الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وركنه لفظ مخصوص [ ص: 231 ] خال عن الاستثناء ( طلقة ) رجعية ( فقط في طهر لا وطء فيه ) وتركها حتى تمضي عدتها ( أحسن ) بالنسبة إلى البعض الآخر ( وطلقة لغير موطوءة ولو في حيض ولموطوءة تفريق الثلاث [ ص: 232 ] في ثلاثة أطهار لا وطء فيها ولا حيض قبلها ولا طلاق فيه فيمن تحيض و ) في ثلاثة ( أشهر في ) حق ( غيرها ) حسن وسني فعلم أن الأول سني بالأولى ( وحل طلاقهن ) أي الآيسة والصغيرة والحامل ( عقب وطء ) لأن الكراهة فيمن تحيض لتوهم الحبل وهو مفقود هنا

التالي السابق


( قوله وركنه لفظ مخصوص ) هو ما جعل دلالة على معنى الطلاق من صريح أو كناية فخرج الفسوخ على ما مر ، وأراد اللفظ ولو حكما ليدخل الكتابة المستبينة وإشارة الأخرس والإشارة إلى العدد بالأصابع في قوله أنت طالق هكذا كما سيأتي .

وبه ظهر أن من تشاجر مع زوجته فأعطاها ثلاثة أحجار ينوي الطلاق ولم يذكر لفظا لا صريحا ولا كناية لا يقع عليه كما أفتى به الخير الرملي وغيره ، وكذا ما يفعله بعض سكان البوادي [ ص: 231 ] من أمرها بحلق شعرها لا يقع به طلاق وإن نواه ( قوله خال عن الاستثناء ) أما إذا صاحبه استثناء بشروطه فلا يتحقق طلاق كقوله إن شاء الله تعالى . أو إلا أن يشاء الله تعالى زاد في البحر : وأن لا يكون الطلاق انتهاء غاية ، فإنه لو قال : أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لم تقع الثالثة عند الإمام ط ( قوله طلقة ) التاء للوحدة ، وقيد بها لأن الزائد عليها بكلمة واحدة بدعي ومتفرقا ليس بأحسن بحر ( قوله رجعية ) فالواحدة البائنة بدعية في ظاهر الرواية ، وفي رواية الزيادات لا تكره بحر عن الفتح ثم ذكر عن المحيط أن الخلع في حالة الحيض لا يكره بالإجماع لأنه لا يمكن تحصيل العوض إلا به . ا هـ . وسيذكره الشارح ويأتي تمامه .

( قوله في طهر ) هذا صادق بأوله وآخره وقيل والثاني أولى احترازا من تطويل العدة عليها وقيل الأول قال في الهداية وهو الأظهر من كلام محمد نهر واحترز به عن الحيض فإنه فيه بدعي كما يأتي ( قوله لا وطء فيه ) جملة في محل جر صفة لطهر ، ولم يقل منه ليدخل في كلامه ما لو وطئت بشبهة فإن طلاقها فيه حينئذ بدعي نص عليه الإسبيجابي ، لكن يرد عليه الزنى فإن الطلاق في طهر وقع فيه سني ، حتى لو قال لها : أنت طالق للسنة وهي طاهرة ولكن وطئها غيره ، فإن كان زنى وقع ، وإن بشبهة فلا ، كذا في المحيط ، وكأن الفرق أن وطء الزنى لم يترتب عليه أحكام النكاح فكان هدرا ، بخلاف الوطء بشبهة وبهذا عرف أن كلام المصنف أولى من قوله غيره لم يجامعها فيه ، لكن لا بد أن يقول : ولا في حيض قبله ، ولا طلاق فيهما ، ولم يظهر حملها ، ولم تكن آيسة ولا صغيرة كما في البدائع لأنه لو طلقها في طهر وطئها في حيض قبله كان بدعيا ، وكذا لو كان قد طلقها فيه وفي هذا الطهر لأن الجمع بين تطليقتين في طهر واحد مكروه عندنا .

ولو طلقها بعد ظهور حملها أو كانت ممن لا تحيض في طهر وطئها فيه لا يكون بدعيا لعدم العلة أعني تطويل العدة عليهما نهر ( قوله وتركها حتى تمضي عدتها ) معناه الترك من غير طلاق آخر لا الترك مطلقا لأنه إذا راجعها لا يخرج الطلاق عن كونه أحسن بحر ( قوله أحسن ) أي من القسم الثاني لأنه متفق عليه ، بخلاف الثاني ، فإن مالكا قال بكراهته لاندفاع الحاجة بواحدة بحر عن المعراج ( قوله بالنسبة إلى البعض الآخر ) أي لا أنه في نفسه حسن ، فاندفع به ما قبل كيف يكون حسنا مع أنه أبغض الحلال وهذا أحد قسمي المسنون ، ومعنى المسنون هنا ما ثبت على وجه لا يستوجب عتابا لا أنه المستعقب للثواب لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت له ثواب ، فالمراد هنا المباح نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها بدعيا فمنع نفسه إلى وقت السني يثاب على كف نفسه عن المعصية لا على نفس الطلاق ككف نفسه عن الزنى مثلا بعد تهيؤ أسبابه ووجود الداعية ، فإنه يثاب على عدم الزنى لأن الصحيح أن المكلف به الكف لا العدم كما عرف في الأصول بحر وفتح .

( قوله وطلقة ) مبتدأ ولغير موطوءة أي مدخول بها متعلق بمحذوف صفة له ، وكذا الجار في قوله ولو في حيض ، وقوله ولموطوءة متعلق بتفريق أو حال منه على رأي وتفريق معطوف بهذه الواو على المبتدأ قبله وقوله في ثلاثة أطهار متعلق بتفريق أيضا ، وقوله فيمن تحيض حال من ثلاث المضاف إليه تفريق لكونه مفعوله في المعنى ، وقوله وفي ثلاثة أشهر عطف على في ثلاثة أطهار وقوله حسن خبر المبتدأ وإما عطف عليه . وحاصله أن السنة في الطلاق من وجهين : العدد والوقت ; فالعدد وهو أن لا يزيد على الواحدة بكلمة واحدة لا فرق فيه بين المدخولة وغيرها لكنه في المدخولة خاص بما إذا كان في طهر ولا وطء فيه ولا في حيض قبله كما مر وإلا فهو بدعي وفي غيرها لا فرق بين كونه في طهر أو في حيض لأن الوقت أعني الطهر الخالي من الجماع [ ص: 232 ] خاص بالمدخولة ، فلزم في المدخولة مراعاة الوقت والعدد ، بأن يطلقها واحدة في الطهر المذكور فقط وهو السني الأحسن ، أو ثلاثا مفرقة في ثلاثة أطهار أو أشهر وهو السني الحسن .

وذكر في البحر عن المعراج أن الخلوة كالوطء هنا وتقدم التصريح بذلك في أحكام الخلوة من كتاب النكاح ( قوله في ثلاثة أطهار ) أي إن كانت حرة وإلا ففي طهرين برجندي ، والخلاف المتقدم في أول الطهر ، وآخره يجري هنا كما نبه عليه في البحر ( قوله ولا طلاق فيه ) أي في الحيض لأنه بمنزلة ما لو أوقع التطليقتين في هذا الطهر وهو مكروه ، وإنما لم يقل ولا طلاق فيه ولا في الطهر لأن الموضوع تفريق الثلاث في ثلاثة أطهار ط ( قوله وفي ثلاثة أشهر ) أي هلالية إن طلقها في أول الشهر وهو الليلة التي رئي فيها الهلال وإلا اعتبر كل شهر ثلاثين يوما في تفريق الطلاق اتفاقا وكذا في حق انقضاء العدة عنده .

وعندهما شهر بالأيام وشهران بالأهلة . قال في الفتح : وقيل الفتوى على قولهما لأنه أسهل وليس بشيء . ا هـ . ( قوله في حق غيرها ) أي في حق من بلغت بالسن ولم تر دما أو كانت حاملا أو صغيرة لم تبلغ تسع سنين على المختار ، أو آيسة بلغت خمسا وخمسين سنة على الراجح ، أما ممتدة الطهر فمن ذوات الأقراء لأنها شابة رأت الدم فلا يطلقها للسنة إلا واحدة ما لم تدخل في حد الإياس ، إذ الحيض مرجو في حقها صرح به غير واحد نهر . قال في البحر : فعلى هذا لو كان قد جامعها في الطهر وامتد لا يمكن تطليقها للسنة حتى تحيض ثم تطهر وهي كثيرة الوقوع في الشابة التي لا تحيض زمان الرضاع . ا هـ . قلت : وتقييد الصغيرة بالتي لم تبلغ تسعا يفيد أن التي بلغتها لا يفرق طلاقها على الأشهر وليس كذلك وإنما تظهر فائدته في قوله بعده وحل طلاقهن عقب وطء كما تعرفه ( قوله بالأولى ) لأن الأول أحسن منه ، وهذا جواب لصاحب النهر عن قول الفتح لا وجه لتخصيص هذا باسم طلاق السنة لأن الأول أيضا كذلك فالمناسب تمييزه بالمفضول من طلاق السنة . ا هـ .

( قوله أي الأيسة والصغيرة والحامل ) أي المفهومات من قوله في غيرها وكان الأولى للمصنف التصريح بهن هناك ليعود الضمير في طلاقهن إلى مذكور صريح ولئلا يرد عليه من بلغت بالسن وامتد طهرها أو بلغت تسعا كما يظهر مما بعده ( قوله لأن الكراهة إلخ ) أي لأن كراهة الطلاق في طهر جامع فيه ذوات الحيض لتوهم الحبل فيشتبه وجه العدة أنها بالحيض أو بالوضع قال في الفتح : وهذا الوجه يقتضي في التي لا تحيض لا لصغر ولا لكبر بل اتفق امتداد طهرها متصلا بالصغر وفي التي لم تبلغ بعد وقد وصلت إلى سن البلوغ أن لا يجوز تعقيب وطئها بطلاقها لتوهم الحبل في كل منهما ا هـ وقال قبله : وفي المحيط قال الحلواني : هذا في الصغيرة لا يرجى حبلها أما فيمن يرجى فالأفضل له أن يفصل بين وطئها وطلاقها بشهر كما قال زفر ، ولا يخفى أن قول زفر ليس هو أفضلية الفصل بل لزومه ا هـ وأجاب في البحر بأن التشبيه إنما هو بأصل الفاصل وهو الشهر لا في الأفضلية . ا هـ .

واحترز بقوله متصلا بالصغر أي بأن بلغت بالسن وامتد طهرها عمن امتد طهرها بعدما بلغت بالحيض فإنها لا تطلق للسنة إلا واحدة كما مر لأنها شابة قد رأت الدم وهو مرجو الوجود ساعة فساعة فبقي فيها أحكام ذوات الأقراء بخلاف من بلغت ولم تر الدم أصلا .




الخدمات العلمية