الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فلغا قوله لأجنبية إن زرت زيدا فأنت طالق فنكحها فزارت ) وكذا كل امرأة أجتمع معها في فراش فهي طالق فتزوجها لم تطلق ، وكل جارية أطؤها حرة فاشترى جارية فوطئها لم تعتق لعدم الملك والإضافة إليه . وأفاد في البحر أن زيارة المرأة في عرفنا لا تكون إلا بطعام معها يطبخ عند المزور فليحفظ . [ ص: 346 ] ( كما لغا إيقاعه ) الطلاق ( مقارنا لثبوت ملك ) كأنت طالق مع نكاحك ، ويصح مع تزوجي إياك لتمام الكلام بفاعله ومفعوله ( أو زواله ) كمع موتي أو موتك .

[ فائدة ] في المجتبى عن محمد في المضافة لا يقع وبه أفتى أئمة خوارزم انتهى ، وهو قول الشافعي . وللحنفي تقليده بفسخ قاض

[ ص: 347 ] بل محكم بل إفتاء عدل [ ص: 348 ] وبفتوتين في حادثتين ، وهذا يعلم ولا يفتى به بزازية

التالي السابق


( قوله لعدم الملك والإضافة إليه ) أما في مسألة المتن فظاهر وكذا فيما بعدها لأن الاجتماع في فراش لا يلزم كونه عن نكاح ، كما أن وطء الجارية لا يلزم كونه عن ملك ; ومثل ذلك ما لو قال لوالديه إن زوجتماني امرأة فهي طالق ثلاثا فزوجاه بلا أمره لا تطلق لأنه غير مضاف إلى ملك النكاح لأن تزويجهما له بلا أمره لا يصح بحر عن المحيط . ثم قال لا فرق بين كونه بأمره أو بلا أمره كما في المعراج . ا هـ .

قلت : لكن في الخانية في صورة الأمر أن الصحيح أنه يصح اليمين وتطلق ا هـ وهو مشكل لأن الكلام في وجود شرط التعليق وهو الملك أو الإضافة إليه ، وتزويج الأبوين غير سبب للملك من كل وجه لأنه قد يكون بأمره وبدونه ، اللهم إلا أن يكون مراد الخانية ما إذا قال إن زوجتماني بأمري فحينئذ يصح اليمين وتطلق وإلا فلا وجه للتفصيل المذكور قبل صحة التعليق فالأوجه ما في المعراج ( قوله وأفاد في البحر إلخ ) قلت : هذا العرف في دمشق الآن غير مطرد بل كان وبان ، نعم بقي بين أطراف الناس وقال ط : قلت العرف الجاري في مصر الآن [ ص: 346 ] أنها تعد زائرة ولو معها شيء غير ما يطبخ ( قوله كما لغا إلخ ) أصل ذلك ما في البحر عن المعراج : ولو أضافه إلى النكاح لا يقع ، كما لو قال أنت طالق مع نكاحك أو في نكاحك ذكره في الجامع بخلاف أنت طالق مع تزوجي إياك فإنه يقع ، وهو مشكل . وقيل الفرق أنه لما أضاف التزوج إلى فاعله واستوفى مفعوله جعل التزويج مجازا عن الملك لأنه سببه وحمل مع على بعد تصحيحا له وفي نكاحك لم يذكر الفاعل ; فالكلام ناقص فلا يقدر بعد النكاح فلا يقع ويصح النكاح . ا هـ . وأشار الشارح إلى هذا الفرق بقوله لتمام الكلام إلخ . ومقتضاه أنه لو قال : مع نكاحي إياك ; أو قال مع تزوجك انعكس الحكم لكن قال ح : وفي النفس من هذا التعليل شيء فإن قوله مع نكاحك على تقدير مع نكاحي إياك والمقدر كالملفوظ ، وإلى هذا الضعف أشار بصيغة التمريض ا هـ .

قلت : الأظهر الفرق بأنه عند عدم التصريح بالفاعل يحتمل تزوجه أو تزوج غيره لها ، لكن مقتضى هذا عدم الفرق بين النكاح والتزوج في أنه إن صرح بذكر الفاعل يقع فيهما وإلا فلا فيهما فتأمل .

وأقرب من هذا كله ما استنبطه بعض فضلاء الدرس أن التزوج يعقب التزويج ، فإذا قارن الطلاق التزوج وجد الملك قبله بالتزويج فيصح وتطلق ، بخلاف مع نكاحك لأنه مقارن للملك ( قوله كمع موتي أو موتك ) لإضافته لحالة منافية للإيقاع في الأول والوقوع في الثاني كما تقدم في باب الصريح ( قوله في المجتبى عن محمد في المضافة ) أي في اليمين المضافة إلى الملك .

وعبارة المجتبى على ما في البحر : وقد ظفرت برواية عن محمد أنه لا يقع ، وبه كان يفتي كثير من أئمة خوارزم ا هـ وأما ما في الظهيرية من أنه قول محمد وبه يفتى فذاك غير ما نحن فيه كما يأتي بيانه قريبا فافهم ( قوله وللحنفي تقليده إلخ ) أي تقليد الشافعي .

مطلب في فسخ اليمين المضافة إلى الملك

قال في البحر : وللحنفي أن يرفع الأمر إلى شافعي يفسخ اليمين المضافة ، فلو قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا فتزوجها فخاصمته إلى قاض شافعي وادعت الطلاق فحكم بأنها امرأته وأن الطلاق ليس بشيء حل له ذلك ، ولو وطئها الزوج بعد النكاح قبل الفسخ ثم فسخ يكون الوطء حلالا إذا فسخ ، وإذا فسخ لا يحتاج إلى تجديد العقد ، ولو قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وفسخ اليمين ثم تزوج امرأة أخرى لا يحتاج إلى الفسخ في كل امرأة ; وكذا في الخلاصة . وفي الظهيرية أنه قول محمد ، وبقوله يفتى ا هـ .

قلت : ومفهومه أن عندهما يحتاج إلى الفسخ في كل امرأة ، وبه صرح في الظهيرية أيضا ، فالخلاف هنا فيما إذا فسخ القاضي الشافعي اليمين في امرأة ثم تزوج الحالف امرأة أخرى ، فعندهما لا يكفي الفسخ الأول بل يقع الطلاق على الثانية ما لم يفسخ ثانيا . وعند محمد يكفي لأنها يمين واحدة فلا يحتاج إلى فسخها ثانيا ، وبقول محمد يفتى . ولا يخفى أن هذا مبني على صحة اليمين عنده ، وأنه يقع بها الطلاق ، فلا ينافي ما مر عن المجتبى من أن عدم الوقوع رواية عنه ، فمن زعم أنه في الظهيرية جعل عدم الوقوع قول محمد لا رواية عنه وأنه المفتى به فقد وهم فافهم . [ ص: 347 ] ثم قال في البحر : وإذا عقد أيمانا على امرأة واحدة ، فإذا قضى بصحة النكاح بعده ارتفعت الأيمان كلها ، وإذا عقد على كل امرأة يمينا على حدة لا شك أنه إذا فسخ على امرأة لا ينفسخ على الأخرى ، وإذا عقد يمينه بكلمة كلما فإنه يحتاج إلى تكرار الفسخ في كل يمين ا هـ فهي أربع مسائل في شرح المجمع للمصنف فإن أمضاه قاض حنفي بعد ذلك كان أحوط ا هـ . ومحل الفسخ من الشافعي إذا كان قبل أن يطلقها ثلاثا لأنه لو فسخ تطلق ثلاثا بالتنجيز بعد النكاح فلا يفيد كما في الخانية . وفيها أيضا أن شرطه أن لا يأخذ القاضي عليه مالا فلو أخذ لا ينفذ عند الكل إلا إن أخذ على الكتابة قدر أجرة المثل ، فلو أزيد لا ينفذ والأولى أن لا يأخذ مطلقا . ا هـ .

[ تنبيه ] ذكر في البحر في كتاب القاضي إلى القاضي عن الولوالجية : لو قال لها أنت طالق ألبتة فترافعا إلى قاض يراها رجعية وهو يراها بائنة فإنه يتبع رأي القاضي عند محمد ، فيحل له المقام معها . وقيل إنه قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يحل هذا إن قضى له ، فإن قضى عليه بالبينونة والزوج لا يراها يتبع رأي القاضي إجماعا ، هذا كله إذا كان الزوج عالما له رأي واجتهاد ، فلو عاميا اتبع رأي القاضي سواء قضى له أو عليه وهذا إذا قضى له ، أما إن أفتى له فهو على الاختلاف السابق لأن قول المفتي في حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده ا هـ أي فيلزم الجاهل اتباع قول المفتي كما يلزم العالم اتباع رأيه واجتهاده ، وبهذا علم أنه لا حاجة إلى التقليد مع القضاء لأن القضاء ملزم سواء وافق رأي الزوج أو خالفه ، وكذا مع الإفتاء لو الزوج جاهلا ( قوله بل محكم ) في الخانية : حكم المحكم كالقضاء على الصحيح . وفي البزازية وعن الصدر أقول لا يحل لأحد أن يفعل ذلك . وقال الحلواني : يعلم ولا يفتى به لئلا يتطرق الجهال إلى هدم المذهب ا هـ بحر ( قوله بل إفتاء عدل إلخ ) عطف على مجرور الباء وهو فسخ . وفي البحر عن البزازية : وعن أصحابنا ما هو أوسع من ذلك . وهو أنه لو استفتى فقيها عدلا فأفتاه ببطلان اليمين حل له العمل بفتواه وإمساكها . وروي أوسع من هذا . وهو أنه لو أفتاه مفت بالحل ثم أفتاه آخر بالحرمة بعد ما عمل بالفتوى الأولى فإنه يعمل بفتوى الثاني في حق امرأة أخرى لا في حق الأولى ، ويعمل بكلا الفتوتين وفي حادثتين لكن لا يفتى به . ا هـ .

قلت : يعني أن المفتي لا يفتي صاحب الحادث بما يتوصل به إلى فسخ اليمين ، فلا يقول له ارفع الأمر إلى شافعي أحكمه في ذلك أو استفته ، بل يقول يقع عليك الطلاق لأن عليه أن يجيب بما يعتقده ، وليس له أن يدله على ما يهدم مذهبه ، وليس المراد أنه لا يفتيه بفسخ اليمين إذا فعل صاحب الحادثة شيئا من ذلك ، لما علمت من أن الجاهل يلزمه اتباع رأي القاضي والمفتي . على أن قضاء القاضي في محل الاجتهاد يرفع الخلاف ، فإذا فعل شيئا من ذلك فعلى الحنفي أن يفتيه بصحة الفسخ .

لا يقال : إذا كان ذلك قول محمد فكيف لا يفتيه به ، لما علمت من أن ذلك رواية عن محمد ، وأن قوله كقول الشيخين بالوقوع ، وأن ما في الظهيرية لا ينافي ذلك كما قررناه آنفا وليس للمفتي الإفتاء بالرواية الضعيفة ، وكونها أفتى بها كثير من أئمة خوارزم لا ينافي ضعفها ، ولذا تقدم عن الصدر أنه لا يحل لأحد أن يفعل ذلك ، وكذا ما تقدم عن الحلواني من أنه يعلم ولا يفتى به ، فلو ثبتت هذه الرواية عن محمد أو كانت صحيحة لبنوا الحكم عليها ولم يحتاجوا إلى بنائه على مذهب الشافعي ، فهذا يدل على أنها رواية شاذة كما يشير إليه كلام المجتبى المار فافهم . [ ص: 348 ] هذا ، وفي البحر عن البزازية : والتزوج فعلا أولى من فسخ اليمين في زماننا ، وينبغي أن يجيء إلى عالم ويقول له ما حلف واحتياجه إلى نكاح الفضولي فيزوجه العالم امرأة ويجيز بالفعل فلا يحنث ، وكذا إذا قال لجماعة لي حاجة إلى نكاح الفضولي فزوجه واحد منهم ، أما إذا قال لرجل اعقد لي عقد فضولي يكون توكيلا ا هـ ( قوله وبفتوتين ) صوابه وبفتويين بياءين إحداهما منقلبة عن الألف المقصورة والثانية ياء التثنية كما في تثنية حبلى وقصوى ، قال في الألفية :

آخر مقصور تثني اجعله يا إن كان عن ثلاثة مرتقيا

.

مطلب في معنى قولهم ليس للمقلد الرجوع عن مذهبه

( قوله في حادثين ) قيد به لأن المستفتي إذا عمل بقول المفتي في حادثة فأفتاه آخر بخلاف قول الأول ليس له نقض عمله السابق في تلك الحادثة ، نعم له العمل به في حادثة أخرى كمن صلى الظهر مثلا مع مس امرأة أجنبية مقلدا لأبي حنيفة فقلد الشافعي ليس له إبطال تلك الظهر ، نعم يعمل بقول الشافعي في ظهر آخر ، وهذا هو المراد من قول من قال ليس للمقلد الرجوع عن مذهبه وتقدم تمام الكلام على ذلك أول الكتاب في رسم المفتي ( قوله ولا يفتى به ) علمت وجهه آنفا




الخدمات العلمية