الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 735 ] ( ومن نذر نذرا مطلقا أو معلقا بشرط وكان من جنسه واجب ) أي فرض كما سيصرح به تبعا للبحر والدرر ( وهو عبادة مقصودة ) خرج الوضوء وتكفين الميت ( ووجد الشرط ) المعلق به ( لزم الناذر ) لحديث " { من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى } " ( كصوم وصلاة وصدقة ) ووقف ( واعتكاف ) وإعتاق رقبة وحج ولو ماشيا فإنها عبادات مقصودة ، ومن جنسها واجب لوجوب العتق في الكفارة والمشي للحج على القادر من أهل مكة [ ص: 736 ] والقعدة الأخيرة في الصلاة ، وهي لبث كالاعتكاف ، ووقف مسجد للمسلمين واجب على الإمام من بيت المال وإلا فعلى المسلمين ( ولم يلزم ) الناذر ( ما ليس من جنسه فرض كعيادة مريض وتشييع جنازة ودخول مسجد ) ولو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو الأقصى لأنه ليس من جنسها فرض مقصود وهذا هو الضابط كما في الدرر . وفي البحر شرائطه خمس فزاد : أن لا يكون معصية لذاته فصح نذر صوم يوم النحر [ ص: 737 ] لأنه لغيره وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها وأن لا يكون ما التزمه أكثر مما يملكه أو ملكا لغيره ، فلو نذر التصدق بألف ولا يملك إلا مائة لزمه المائة فقط خلاصة انتهى .

قلت : ويزاد ما في زواهر الجواهر وأن لا يكون مستحيل الكون فلو نذر صوم أمس أو اعتكافه لم يصح نذره [ ص: 738 ] وفي القنية نذر التصدق على الأغنياء لم يصح ما لم ينو أبناء السبيل ، ولو نذر التسبيحات دبر الصلاة لم يلزمه ، ولو نذر أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم كذا لزمه وقيل لا ( ثم إن ) المعلق فيه تفصيل فإن ( علقه بشرط يريده كأن قدم غائبي ) أو شفي مريضي ( يوفي ) وجوبا ( إن وجد ) الشرط ( و ) إن علقه ( بما لم يرده كإن زنيت [ ص: 739 ] بفلانة ) مثلا فحنث ( وفى ) بنذره ( أو كفر ) ليمينه ( على المذهب ) لأنه نذر بظاهره يمين بمعناه فيخير ضرورة .

[ ص: 735 ]

التالي السابق


[ ص: 735 ] مطلب في أحكام النذر

( قوله ومن نذر نذرا مطلقا ) أي غير معلق بشرط مثل لله علي صوم سنة فتح ، وأفاد أنه يلزمه ولو لم يقصده كما لو أراد أن يقول كلاما فجرى على لسانه النذر لأن هزل النذر كالجد كالطلاق كما في صيام الفتح ، وكما لو أراد أن يقول لله علي صوم يوم فجرى على لسانه صوم شهر كما في صيام البحر عن الولوالجية . واعلم أن النذر قربة مشروعة ، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصلاة والصوم والحج والعتق ونحوها وأما شرعيته فللأوامر الواردة بإيفائه ، وتمامه في الاختيار .

قلت : وإنما ذكروا النذر في الأيمان لما يأتي من أنه لو قال علي نذر ولا نية له لزمه كفارة ومر في آخر كتاب الصيام أنه لو نذر صوما ، فإن لم ينو شيئا أو نوى النذر فقط أو نوى النذر وأن لا يكون يمينا كان نذرا فقط وإن نوى اليمين ، وأن لا يكون نذرا كان يمينا وعليه كفارة إن أفطر ، وإن نواهما أو نوى اليمين كان نذرا ويمينا " حتى لو أفطر قضى وكفر ومر هناك الكلام فيه ( قوله كما سيصرح به ) أي المصنف قريبا ، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى ط ( قوله وهو عبادة مقصودة ) الضمير راجع للنذر ، بمعنى المنذور لا للواجب ، خلافا لما في البحر . قال في الفتح : مما هو طاعة مقصودة لنفسها ، ومن جنسها واجب إلخ .

وفي البدائع : ومن شروطه أن يكون قربة مقصودة فلا يصح النذر بعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، والوضوء ، والاغتسال ، ودخول المسجد ، ومس المصحف ، والأذان ، وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك ، وإن كانت قربا إلا أنها غير مقصودة ا هـ فهذا صريح في أن الشرط كون المنذور نفسه عبادة مقصودة لا ما كان من جنسه ، ولذا صححوا النذر بالوقف لأن من جنسه واجبا وهو بناء مسجد للمسلمين كما يأتي مع أنك علمت أن بناء المساجد غير مقصود لذاته ( قوله خرج الوضوء ) لأنه عبادة ليست مقصودة لذاتها وإنما هو شرط لعبادة مقصودة وهي الصلاة ط عن المنح .

( قوله وتكفين الميت ) لأنه ليس عبادة مقصودة ، بل هو لأجل صحة الصلاة عليه لأن ستره شرط صحتها ط ( قوله ووجد الشرط ) معطوف على قوله وكان من جنسه عبادة وهذا إن كان معلقا بشرط وإلا لزم في الحال والمراد الشرط الذي يريد كونه كما يأتي تصحيحه ( قوله لزم الناذر ) أي لزمه الوفاء به والمراد أنه يلزمه الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف التزمه لأنه لو عين درهما أو فقيرا أو مكانا للتصدق أو للصلاة فالتعيين ليس بلازم بحر ، وتحقيقه في الفتح ( قوله لحديث إلخ ) قال في الفتح : هو حديث غريب إلا أنه مستغنى عنه ، ففي لزوم المنذور الكتاب والسنة والإجماع ، قال تعالى - { وليوفوا نذورهم } - وصرح المصنف أي صاحب الهداية في كتاب الصوم بأنه واجب للآية ، وتقدم الاعتراض بأنها توجب الافتراض للقطعية والجواب بأنها مؤولة إذ خص منها النذر بالمعصية وما ليس من جنسه واجب فلم تكن قطعية الدلالة ، ومن قال من المتأخرين بافتراضه استدل بالإجماع على وجوب الإيفاء به ا هـ ملخصا . وفي الشرنبلالية عن البرهان أنه : أي الافتراض هو الأظهر ( قوله لوجوب العتق ) ترك ذكر الواجب من الصلاة والصوم والصدقة لظهورهط ( قوله والمشي للحج ) المراد الحج ماشيا وإلا فالمشي ليس عبادة مقصودة . ا هـ . ح . وفيه أن المشروط كونه عبادة مقصودة هو المنذور لا ما كان [ ص: 736 ] من جنسه كما قدمناه ، وسيأتي في باب اليمين في البيع أنه لو قال علي المشي إلى بيت الله أو الكعبة يلزمه حج أو عمرة وسنذكر أن هذا استحسان . والقياس أنه لا يجب به شيء لأنه ليس بقربة تأمل ( قوله والقعدة الأخيرة إلخ ) كذا ذكره في اعتكاف البحر . وأورد عليه أن التشبيه إن كان في خصوص القعدة فهو غير لازم في الاعتكاف لجواز الوقوف في مدته وإن كان في مطلق الكينونة فلم خص التشبيه بالقعدة مع أن الركوع كذلك ؟

والجواب : اختيار الأول ، والغالب في الاعتكاف القعود وذكر في اعتكاف المعراج . قلنا بل من جنسه واجب لله تعالى وهو اللبث بعرفة وهو الوقوف ، والنذر بالشيء إنما يصح إذا كان من جنسه واجب ، أو مشتملا على الواجب وهذا كذلك لأن الاعتكاف يشتمل على الصوم ومن جنس الصوم واجب وإن لم يكن من جنس اللبث واجب وتعقبه في الفتح في باب اليمين في الحج والصوم بأن وجوب الصوم فرع وجوب الاعتكاف بالنذر ، والكلام الآن في صحة وجوب المتبوع . فكيف يستدل على لزومه بلزومه ولزوم الشرط فرع لزوم المشروط . ثم قد يقال : تحقق الإجماع على لزوم الاعتكاف بالنذر موجب إهدار اشتراط وجود واجب من جنسه ا هـ أي فهو خارج عن الأصل .

( قوله ووقف مسجد ) أي في كل بلدة على الظاهر ط ( قوله وإلا ) أي وإن لم يفعل الإمام فعلى المسلمين ( قوله ما ليس من جنسه فرض ) هذا هو الذي وعد بذكره . قال المصنف في شرحه وهذا يثبت أن المراد بالواجب في قولهم من جنسه واجب الفرض وبه صرح شيخنا في بحره إلخ ويأتي تمام الكلام عليه ( قوله كعيادة مريض إلخ ) هذا يفيد أن مرادهم بالفرض هنا فرض العين دون ما يشمل فرض الكفاية . ا هـ . ح أي فإن هذه فرض كفاية كما في مقدمة أبي الليث فافهم ، وقدمنا عن البدائع خروج هذه المذكورات بقوله : عبادة مقصودة على أنه يرد عليه دخول المسجد للطواف ، ولصلاة الجمعة إذا كان الإمام فيه فإن الدخول حينئذ فرض لكنه ليس مقصودا لذاته وكذا عيادة الوالدين إذا احتاجا إليه لأن برهما فرض ، وقدمنا أن المشروط كونه عبادة مقصودة هو المنذور ( قوله ولو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ) الأولى ذكر مسجد مكة لأنه المتوهم ط ( قوله وهذا هو الضابط ) الإشارة إلى ما ذكره من أن ما ليس من جنسه فرض لا يلزم . وعبارة الدرر : المنذور إذا كان له أصل في الفروض لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف ; وما لا أصل له في الفروض فلا يلزم الناذر كعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ودخول المسجد ، وبناء القنطرة والرباط والسقاية ونحوها هذا هو الأصل الكلي ( قوله فزاد ) أي على الشرطين المارين في المتن ( قوله أن لا يكون معصية لذاته ) قال في الفتح : وأما كون المنذور معصية يمنع انعقاد النذر فيجب أن يكون معناه إذا كان حراما لعينه أو ليس فيه جهة قربة ، فإن المذهب أن نذر صوم يوم العيد ينعقد ، ويجب الوفاء بصوم يوم غيره ولو صامه خرج من العهدة . ثم قال بعد ذلك قال الطحاوي : إذا أضاف النذر إلى المعاصي كلله علي أن أقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث ا هـ .

قلت : وحاصله أن الشرط كونه عبادة فيعلم منه أنه لو كان معصية لم يصح فهذا ليس شرطا خارجا عما مر ، لكن صرح به مستقلا لبيان أن ما كان فيه جهة العبادة يصح النذر به لما مر من أنه يلزم الوفاء بالنذر من حيث هو قربة لا بكل وصف التزمه به فصح التزام الصوم من حيث هو صوم مع إلغاء كونه في يوم العيد ، ولذا قال في الفتح : [ ص: 737 ] إن قلت من شروط النذر كونه بغير معصية فكيف قال أبو يوسف : إذا نذر ركعتين بلا وضوء يصح نذره خلافا لمحمد . فالجواب أن أبا يوسف صححه بوضوء لأنه حين نذر ركعتين لزمتاه بوضوء لأن التزام المشروط التزام الشرط ، فقوله بعده بغير وضوء لغو لا يؤثر ونظيره إذا نذر بلا قراءة ألزمناه ركعتين بقراءة ، أو نذر أن يصلي ركعة واحدة ألزمناه ركعتين ، أو ثلاثا ألزمناه بأربع ا هـ وتمامه فيه ( قوله لأنه لغيره ) أي لأن كونه معصية لغيره وهو الإعراض عن ضيافة الحق تعالى ( قوله وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر ) في أضحية . البدائع : لو نذر أن يضحي شاة ، وذلك في أيام النحر ، وهو موسر فعليه أن يضحي بشاتين عندنا شاة للنذر وشاة بإيجاب الشرع ابتداء إلا إذا عنى به الإخبار عن الواجب عليه ، فلا يلزمه إلا واحدة ، ولو قبل أيام النحر لزمه شاتان ، بلا خلاف لأن الصيغة لا تحتمل الإخبار عن الواجب إذ لا وجوب قبل الوقت ، وكذا لو كان معسرا ثم أيسر في أيام النحر لزمه شاتان . ا هـ .

والحاصل أن نذر الأضحية صحيح لكنه ينصرف إلى شاة أخرى غير الواجبة عليه ابتداء بإيجاب الشرع إلا إذا قصد الإخبار عن الواجب عليه ، وكان في أيامها ومثله ما لو نذر الحج لأن الأضحية والحج قد يكونان غير واجبين ، بخلاف حجة الإسلام فإنها نفس الواجب عليه لأنها اسم لفريضة العمر كصوم رمضان وصلاة الظهر فلا يصح النذر بها بخلاف ما قد يكون تطوعا واجبا كالصلاة والصوم كما سنحققه في الأضحية إن شاء الله تعالى ( قوله أو ملكا لغيره ) فإن قيل : إن النذر به معصية فيغني عنه ما مر قلنا إنه ليس معصية لذاته ، وإنما هو لحق الغير أفاده في البحر لكنه خارج بكونه لا يملكه فيشمل الزائد على ما يملكه وما لا ملك له فيه أصلا كهذا وفي البحر عن الخلاصة لو قال : لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير لا يصح النذر بخلاف قوله : لأهدين ولو نوى اليمين كان يمينا ا هـ قال في النهر : والفرق بين التأكيد وعدمه مما لا أثر له يظهر في صحة النذر وعدمه ، ثم على الصحة هل تلزمه قيمتها أو يتوقف الحال إلى ملكها ؟ محل تردد . ا هـ .

قلت : الظاهر الثاني لأن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم فإذا صح نذره توقف إلى ملكها ليمكن إهداؤها تأمل ويظهر لي أن قوله لأهدين يمين لا نذر وقوله : ولو نوى اليمين كان يمينا راجع إلى المسألة الأولى فإن تم هذا اتضح الفرق فتأمل ( قوله لزمه المائة فقط ) سيذكر الشارح وجهه ( قوله قلت ويزاد إلخ ) ذكر هذا الشرط صاحب البحر في باب الاعتكاف وعزا الفرع المذكور إلى الولوالجية قال ط : وبه صارت الشروط سبعة ما في المتن وهذه الخمسة لكن اشتراط أن لا يكون أكثر مما يملك وأن لا يكون ملك الغير خاصا ببعض صور النذر ( قوله مستحيل الكون ) يشمل الاستحالة الشرعية لما في الاختيار : لو نذرت صوم أيام حيضها أو قالت : لله علي أن أصوم غدا فحاضت فهو باطل عند محمد وزفر لأنها أضافت الصوم إلى وقت لا يتصور فيه وقال أبو يوسف : تقضي في المسألة الثانية لأن الإيجاب صدر صحيحا في حال لا ينافي الصوم ولا إضافة إلى زمان ينافيه إذ الصوم يتصور فيه والعجز بعارض محتمل كالمريض فتقضيه ، كما إذا نذرت صوم شهر يلزمها قضاء أيام حيضها لأنه لا يجوز خلو الشهر [ ص: 738 ] عن الحيض فيصح الإيجاب وتمامه فيه ( قوله وفي القنية إلخ ) عبارتها كما في البحر : نذر أن يتصدق بدينار على الأغنياء ينبغي أن لا يصح .

قلت : وينبغي أن يصح إذا نوى أبناء السبيل لأنهم محل الزكاة ا هـ .

قلت : ولعل وجه عدم الصحة في الأول عدم كونها قربة أو مستحيلة الكون لعدم تحققها لأنها للغني هبة كما أن الهبة للفقير صدقة ( قوله ولو نذر التسبيحات ) لعل مراده التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين في كل وأطلق على الجميع تسبيحا تغليبا لكونه سابقا وفيه إشارة إلى أنه ليس من جنسها واجب ، ولا فرض وفيه أن تكبير التشريق واجب على المفتى به وكذا تكبيرة الإحرام ، وتكبيرات العيدين فينبغي صحة النذر به بناء على أن المراد بالواجب هو المصطلح ط .

قلت : لكن ما ذكره الشارح ليس عبارة القنية وعبارتها كما في البحر ، ولو نذر أن يقول دعاء كذا في دبر كل صلاة عشر مرات لم يصح ( قوله لم يلزمه ) وكذا لو نذر قراءة القرآن وعلله القهستاني في باب الاعتكاف بأنها للصلاة وفي الخانية ولو قال : علي الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة أو علي أن أقرأ القرآن إن فعلت كذا لا يلزمه شيء . ا هـ .

قلت : وهو مشكل فإن القراءة عبادة مقصودة ومن جنسها واجب ، وكذا الطواف فإنه عبادة مقصودة أيضا ثم رأيت في لباب المناسك قال في باب أنواع الأطوفة : الخامس طواف النذر وهو واجب ولا يختص بوقت فهذا صريح في صحة النذر به ( قوله لزمه ) لأن من جنسه فرضا وهو الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في العمر وتجب كلما ذكر وإنما هي فرض عملي قال ح : ومنه يعلم أنه لا يشترط كون الفرض قطعيا ط ( قوله وقيل لا ) لعل وجهه اشتراطه كونه في الفرض قطعيا ح ( قوله ثم إن المعلق إلخ ) اعلم أن المذكور في كتب ظاهر الرواية أن المعلق يجب الوفاء به مطلقا : أي سواء كان الشرط مما يراد كونه أي يطلب حصوله كإن شفى الله مريضي أو لا كإن كلمت زيدا أو دخلت الدار فكذا ، وهو المسمى عند الشافعية نذر اللجاج وروي عن أبي حنيفة التفصيل المذكور هنا وأنه رجع إليه قبل موته بسبعة أيام وفي الهداية أنه قول محمد وهو الصحيح . ا هـ . ومشى عليه أصحاب المتون كالمختار والمجمع ومختصر النقاية والملتقى وغيرها ، وهو مذهب الشافعي ، وذكر في الفتح أنه المروي في النوادر وأنه مختار المحققين وقد انعكس الأمر على صاحب البحر ، فظن أن هذا لا أصل له في الرواية ، وأن رواية النوادر أنه مخير فيهما مطلقا وأن في الخلاصة قال : وبه يفتى وقد علمت أن المروي في النوادر هو التفصيل المذكور ، وذكر في النهر أن الذي في الخلاصة هو التعليق بما لا يراد كونه فالإطلاق ممنوع . ا هـ .

والحاصل : أنه ليس في المسألة سوى قولين الأول ظاهر الرواية عدم التخيير أصلا والثاني التفصيل المذكور وأما ما توهمه في البحر من القول الثالث وهو التخيير مطلقا وأنه المفتى به فلا أصل له كما أوضحهالعلامة الشرنبلالي في رسالته المسماة تحفة التحرير فافهم ( قوله بشرط يريده إلخ ) انظر لو كان فاسقا يريد شرطا هو معصية فعلق عليه كما في قول الشاعر : [ ص: 739 ]

علي إذا ما زرت ليلى بخفية زيارة بيت الله رجلان حافيا

فهل يقال إذا باشر الشرط يجب عليه المعلق أم لا ؟ ويظهر لي الوجوب لأن المنذور طاعة وقد علق وجوبها على شرط فإذا حصل الشرط لزمته ، وإن كان الشرط معصية يحرم فعلها لأن هذه الطاعة غير حاملة على مباشرة المعصية بل بالعكس ، وتعريف النذر صادق عليه ولذا صح النذر في قوله : إن زنيت بفلانة لكنه يتخير بينه وبين كفارة اليمين لأنه إذا كان لا يريده يصير فيه معنى اليمين فيتخير كما يأتي تقريره بخلاف ما إذا كان يريده لفوات معنى اليمين فينبغي الجزم بلزوم المنذور فيه وإن لم أره صريحا فافهم ( قوله لأنه نذر بظاهره إلخ ) لأنه قصد به المنع عن إيجاد الشرط فيميل إلى أي الجهتين شاء بخلاف ما إذا علق بشرط يريد ثبوته لأن معنى اليمين وهو قصد المنع غير موجود فيه لأن قصده إظهار الرغبة فيما جعل شرطا درر ( قوله فيخير ضرورة ) جواب عن قول صدر الشريعة .

أقول : إن كان الشرط حراما كإن زنيت ينبغي أن لا يتخير لأن التخيير تخفيف والحرام لا يوجب التخفيف قال في الدرر : أقول ليس الموجب للتخفيف هو الحرام بل وجود دليل التخفيف لأن اللفظ لما كان نذرا من وجه ويمينا من وجه لزم أن يعمل بمقتضى الوجهين ولم يجز إهدار أحدهما فلزم التخيير الموجب للتخفيف بالضرورة فتدبر . ا هـ .




الخدمات العلمية