الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( حلف لا يصوم حنث بصوم ساعة بنية ) وإن أفطر لوجود شرطه ( ولو قال ) لا أصوم [ ص: 828 ] ( صوما أو يوما حنث بيوم ) لأنه مطلق فيصرف إلى الكامل . ( حلف ليصومن هذا اليوم وكان بعد أكله أو بعد الزوال صحت ) اليمين ( وحنث للحال ) لأن اليمين لا تعتمد الصحة بل التصور كتصوره في الناسي وهو ( كما لو قال لامرأته إن لم تصلي اليوم فأنت كذا فحاضت من ساعتها أو بعد ما صلت ركعة ) فإن اليمين تصح وتطلق في الحال لأن درور الدم لا يمنع كما في الاستحاضة بخلاف مسألة الكوز . [ ص: 829 ] محل الفعل وهو الماء غير قائم أصلا فلا يتصور بوجه .

التالي السابق


مطلب حلف لا يصوم حنث بصوم ساعة

( قوله لوجود شرطه ) وهو الصوم الشرعي إذ هو الإمساك عن المفطر على قصد التقرب وقد وجد تمام حقيقته وما زاد على أدنى إمساك في وقته فهو تكرار الشرط ولأنه بمجرد الشروع في الفعل إذا تمت حقيقته يسمى فاعلا ولذا نزل إبراهيم عليه السلام ذابحا بإمرار السكين في محل الذبح ، فقيل له - { صدقت الرؤيا } - بخلاف ما إذا كانت حقيقته تتوقف على أفعال مختلفة كالصلاة كما يأتي فتح . واعترض بأن الصوم للشرعي أقله يوم ، وأجيب بأنه يطلق شرعا على ما دونه .

ودفع بأن المطلق ينصرف إلى الكامل .

قلت : جوابه أن هذا لو قال صوما كما يأتي ، أما بدون تصريح بمصدر أو ظرف فالمراد الحقيقة وقد وجدت بالأقل ، ولهذا يقال في الشرع والعرف إنه صام ثم أفطر فيحنث لوجود شرط الحنث قبل الإفطار ثم لا يرتفع بعد تحققه فافهم .

ثم اعلم أن ما ذكره المصنف هنا كبقية المتون مخالف لما قدمه في هذا الباب من أنه لو حلف لا يصلي أو لا يصوم فهو على الصحيح دون الفاسد كما قدمناه وكنت أجبت عنه في باب نكاح الرقيق ، بأن المراد بالصحيح ما وجدت حقيقته الشرعية على وجه الصحة فلا يضره عروض الفساد بعد ذلك ويفيده ما ذكرناه عن الفتح من التعليل ، وعليه فقوله دون الفاسد احتراز عن الفاسد ابتداء كما لو نوى الصوم عند الفجر وهو يأكل أو شرع في الصلاة [ ص: 828 ] محدثا فليتأمل .

ثم رأيت في الفتح ما يفيد المنافاة بين القولين حيث استشكل المسألة المارة ، ثم أجاب بأن ما هنا أصح لأنه نص محمد في الجامع الصغير لكنه بعد أسطر أجاب مستندا للذخيرة بأن المراد بالفاسد ما لم يوصف بوصف الصحة في وقت بأن يكون ابتداء الشروع غير صحيح وقال وبه يرتفع الإشكال ، وتبعه في البحر والنهر وهذا عين ما فهمته من الإشكال ، والجواب والحمد لله على إلهام الصواب ( قوله لأنه مطلق إلخ ) علة للمسألتين : أي فلا يراد باليوم بعضه ، وكذا في صوم لأن المراد بها المعتبر شرعا فافهم . قال في الفتح : أما في " يوما " فظاهر وكذا في " صوما " لأنه مطلق فينصرف إلى الكامل وهو المعتبر شرعا ولذا قلنا لو قال لله علي صوم وجب عليه صوم يوم كامل بالإجماع ، وكذا إذا قال علي صلاة تجب ركعتان عندنا لا يقال المصدر مذكور بذكر الفعل ، فلا فرق بين حلفه لا يصوم ، ولا يصوم صوما فينبغي أن لا يحنث في الأول إلا بيوم لأنا نقول الثابت في ضمن الفعل ضروري لا يظهر أثره في غير تحقق الفعل بخلاف الصريح ، فإنه اختياري يترتب عليه حكم المطلق فيوجب الكمال . ا هـ . ( قوله لأن اليمين إلخ ) جواب عما أورد من أن اليمين هنا صحت مع أنه مقرون بذكر اليوم ولا كمال ورد في الفتح إلا يراد بأن كلامنا كان في المطلق وهو لفظ " يوما " ولفظ هذا اليوم مقيد معرف ، وإنما تشكل هذه المسألة والتي بعدها على قول أبي حنيفة ومحمد لأن التصور شرعا منتف ، وكونه ممكنا في صورة أخرى وهي صورة النسيان والاستحاضة لا يفيد حيث كان في صورة الحلف مستحيلا شرعا لأنه لم يحلف إلا على الصوم والصلاة الشرعيتين أما على قول أبي يوسف فظاهر . ا هـ . ( قوله كتصوره في الناسي ) أي في الذي أكل ناسيا فإن حقيقة الصوم : وهي الإمساك عن المفطرات غير موجودة مع أنه اعتبره الشارع صائما فقد وجد الصوم مع الأكل وهذا نظير قوله بعد أكله وأما قوله أو بعد الزوال فلم يوجد له نظير والناسي لا يصلح نظيرا له وعن هذا قال في النهر : وأنت خبير بأن الصورة فيما إذا حلف بعد الزوال في الناسي الذي لم يأكل ممنوع . ا هـ .

قلت : ويجاب بأن المراد إمكان تصوره مع فقد شرط وقد وجد ذلك في الناسي ولا فرق بين شرط وشرط فيصلح ذلك نظيرا لهما ، ويدل لما قلنا ما في الذخيرة من أن المراد بالتصور بعد الزوال وبعد الأكل أن الله سبحانه لو شرع الصوم بعدهما لم يكن مستحيلا ألا ترى كيف شرعه بعد الأكل ناسيا ، وكذلك الصلاة مع الحيض تتصور لأن الحيض ليس إلا درور الدم وأنه لا ينافي شرعية الصلاة ألا ترى أن الصلاة في حق المستحاضة مشروعة وشرط إقامة الدليل مقام المدلول التصور لا الوجود بخلاف مسألة الكوز إلخ ا هـ ملخصا .

قلت : وبهذا يجاب عن إشكال الفتح لأن المراد أنه لو شرع لم يكن مستحيلا شرعا لهذه الشواهد . نعم يقوي إشكاله ما قدمه الشارح في بحث مسألة الكوز إن لم تصل الصبح غدا فأنت كذا لا يحنث بحيضها بكرة في الأصح وعزاه في البحر هنا للمنتقى ، وقال هنا فحينئذ لا يحنث في مسألة الصوم أيضا على الأصح ، قال : لكن جزم في المحيط بالحنث فيهما وفي الظهيرية أنه الصحيح ا هـ فافهم ( قوله كما في الاستحاضة ) فإنها فقد معها شرط الصلاة مع حكم الشارع عليها بالصحة ، فعلم أن شرعيتها مع فقد شرط غير مستحيلة بمعنى أنه تعالى لو شرعها مع الحيض [ ص: 829 ] لأمكن كما مر فلا يرد إشكال الكمال فافهم ( قوله لأن محل الفعل ) أي المحلوف عليه بقوله لا أشرب ماء هذا الكوز والحال أنه لا ماء فيه .




الخدمات العلمية