الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويثبت ) أيضا ( بإقراره ) [ ص: 9 ] صريحا صاحيا ، ولم يكذبه الآخر ، ولا ظهر كذبه بجبه أو رتقها ، ولا أقر بزناه بخرساء أو هي بأخرس لجواز إبداء ما يسقط الحد ; ولو أقر به أو بسرقة في حال سكره لا حد ; ولو سرق أو زنى حد لأن الإنشاء لا يحتمل التكذيب والإقرار يحتمله نهر ( أربعا في مجالسه ) أي المقر ( الأربعة كلما أقر رده ) بحيث لا يراه ( وسأله كما مر ) حتى عن المزني بها لجواز بيانه بأمة ابنه نهر ( فإن بينه ) كما يحق ( حد ) فلا يثبت بعلم [ ص: 10 ] القاضي ولا بالبينة على الإقرار ; ولو قضى بالبينة فأقر مرة لم يحد عند الثاني وهو الأصح ; ولو أقر أربعا بطلت الشهادة إجماعا سراج .

التالي السابق


( قوله ويثبت أيضا بإقراره ) عطف على قوله ويثبت بشهادة أربعة ، وقدم الأول ; لأنه المذكور في القرآن ولأن الثابت بها أقوى حتى لا يندفع الحد بالفرار ولا بالتقادم ولأنها حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة ، كذا في الفتح والبحر ، لكن قوله ولا بالتقادم مخالف لما قدمناه ولما سيأتي في باب الشهادة على الزنا .

ثم رأيت الرملي نبه على ذلك في حاشية المنح فقال : المقرر أن التقادم يمنعها دون الفرار ، وكما يمنع التقادم [ ص: 9 ] قبولها في الابتداء فكذا يمنع الإقامة بعد القضاء ( قوله صريحا ) أخرج به إقرار الأخرس بكتابة أو إشارة فلا يحد للشبهة بعدم الصراحة ، بخلاف الأعمى فإنه يصح إقراره والشهادة عليه بحر ، وقد مر ( قوله صاحيا ) احتراز عن السكر كما يأتي ( قوله ولم يكذبه الآخر ) فلو أقر بالزنا بفلانة فكذبته درئ الحد عنه سواء قالت تزوجني أو لا أعرفه أصلا ، وعليه المهر إن ادعته المرأة ، وإن أقرت بالزنا بفلان فكذبها فلا حد عليها أيضا عنده خلافا لهما في المسألتين بحر ( قوله أو رتقها ) بأن تخبر النساء بأنها رتقاء قبل الحد ; لأن إخبارهن بالرتق يوجب شبهة في شهادة الشهود بحر ( قوله لجواز إبداء ما يسقط الحد ) أي من الخرساء أو الأخرس على تقدير عدم الخرس .

واستشكل ما لو أقر أنه زنى بغائبة فإنه يحد قبل حضورها مع احتمال أن تذكر مسقطا عنه وعنها إذا حضرت فيحتاج إلى الفرق .

قلت : يؤخذ جوابه مما في الجوهرة من أن القياس عدم الحد في الثانية لجواز أن تحضر فتجحد فتدعي حد القذف أو تدعي نكاحها فتطلب المهر ، وفي حده إبطال حقها والاستحسان أن يحد لحديث ماعز فإنه حد مع غيبة المرأة . ا هـ .

والحاصل أن القياس عدم الفرق بين المسألتين ، ولكنه حد في الثانية على خلاف القياس للحديث وهذا أولى مما أجاب به بعضهم من أن الزيلعي علل الثانية بأن حضور الغائبة ودعواها النكاح شبهة واحتمال ذلك يكون شبهة الشبهة ، والمعتبر هو الشبهة دون شبهة الشبهة ، لما أورد عليه من أنه في المسألة الأولى كذلك .

قلت : وقد يفرق بينهما بأن نفس الخرس شبهة محققة مانعة بخلاف الغيبة ، ولذا لو أقر بالزنا بمن لا يعرفها فإنه يحد . قال في الفتح ; لأنه أقر بالزنا ولم يذكر مسقطا ; لأن الإنسان لا يجهل زوجته وأمته . ا هـ . فعلم أن الغائبة إنما حد فيها ; لأنه لم يبد مسقطا ، بخلاف الخرساء فإن الخرس نفسه مسقط للعلة المذكورة ( قوله في حال سكره ) متعلق بأقر ( قوله ولو سرق أو زنى ) أي في حال سكره وثبت ذلك بالبينة ( قوله ; لأن الإنشاء ) أي إنشاء الزنا أو السرقة المعاين للشهود في حال سكره لا يحتمل التكذيب فيحد ، بخلاف إقراره بذلك في حال سكره ( قوله أربعا في مجالسه ) ولو كل شهر مرة ، أما لو أقر أربعا في مجلس واحد كان بمنزلة إقرار واحد كما في النهر ( قوله أي المقر ) وقيل مجالس القاضي ، والأول أصح .

وفسر محمد تفرق المجلس بأن يذهب المقر عنه بحيث يتوارى عن بصر القاضي : وظاهر قوله في الهداية لا بد من اختلاف المجالس ، وهو أن يرده القاضي كلما أقر فيذهب حتى لا يراه فإن اختلاف المجالس لا يكون إلا برده نهر ( قوله كلما أقر رده ) فيه تسامح كما قال صدر الشريعة ; لأنه في الرابعة لا يرده ، ومن ثم قال في الإصلاح إلا الرابعة نهر ( قوله سأله كما مر ) أي سؤالا مماثلا لما مر ، وهذا السؤال بعد الرابعة كما في الكافي ، وذكر أنه يسأل عن عقله وعن إحصانه ( قوله حتى عن المزني بها إلخ ) سقط لفظ حتى من بعض النسخ ولا بد منه ; لأن مراده إفادة أنه لا بد من السؤال عن الخمسة المارة ، وصرح بالمزني بها ردا على ابن الكمال حيث قال : لك أن تقوله إنه لا حاجة إليه ، لكن كان عليه التصريح بالزمان أيضا ; لأنه قيل لا يلزم ; لأن التقادم يمنع الشهادة دون الإقرار ، ورد بأن فائدته احتمال أنه زنى في حال صباه ( قوله فلا يثبت إلخ ) تفريع على ما فهم [ ص: 10 ] من حصر ثبوته بأحد شيئين الشهادة بالزنا أو الإقرار به ، وقوله ولا بالبينة على الإقرار بيان لفائدة تقييد الشهادة بأن تكون على الزنا .

ووجهه كما في الزيلعي أنه إن كان منكرا فقد رجع ، و إن كان مقرا لا تعتبر الشهادة مع الإقرار ( قوله ولو قضي بالبينة ) أي البينة على الزنا لا على الإقرار ( قوله فأقر مرة ) أو مرتين نهر . والظاهر أن الثلاث كذلك ، وقيد بما بعد القضاء ; لأنه لو أقر قبله يسقط الحد بالاتفاق كما صرح به في الفتح ، وظاهره ولو أقر مرة واحدة ( قوله لم يحد ) أي خلافا لمحمد ; لأن شرط الشهادة عدم الإقرار ففات الشرط قبل العمل بها ; لأن الإمضاء من القضاء في الحدود كما يأتي فصار كالأول ، وهو ما لو أقر قبل القضاء كما في الفتح ثم إذا لم يكمل نصاب الإقرار الموجب للحد فلا يحد ( قوله بطلت الشهادة ) أي وصار الحكم للإقرار فيعامل بموجبه لا بموجب الشهادة




الخدمات العلمية