الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ونقل في الأشربة عن الجوهرة حرمة أكل بنج وحشيشة وأفيون ، لكن دون حرمة الخمر ، ولو سكر بأكلها لا يحد بل يعزر انتهى . وفي النهر : التحقيق ما في العناية أن البنج مباح [ ص: 43 ] لأنه حشيش ، أما السكر منه فحرام .

التالي السابق


مطلب في البنج والأفيون والحشيشة ( قوله لكن دون حرمة الخمر ) ; لأن حرمة الخمر قطعية يكفر منكرها بخلاف هذه ( قوله لا يحد بل يعزر ) أي بما دون الحد كما في الدر المنتقى عن المنح ، لكن فيه أيضا عن القهستاني عن متن البزدوي أنه يحد بالسكر من البنج في زماننا على المفتى به ا هـ تأمل .

قال في المنح : وفي الجواهر : ولو سكر من البنج وطلق تطلق زجرا وعليه الفتوى ا هـ وقد تقدم عن قاضي خان تصحيح عدم الوقوع فليتأمل عند الفتوى . ا هـ . وتقدم أول الطلاق عن تصحيح العلامة قاسم أنه إذا سكر من البنج والأفيون يقع زجرا وعليه الفتوى وقدمنا هناك عن النهر أنه صرح في البدائع وغيرها بعدم الوقوع ; لأنه لم يزل عقله بسبب هو معصية . والحق التفصيل : إن كان للتداوي فكذلك وإن للهو وإدخال الآفة قصدا فينبغي أن لا يتردد في الوقوع . ا هـ . قلت : ويدل للأول تعليل البدائع ، وللثاني تعليل العلامة قاسم .

وقدمنا هناك أيضا عن الفتح أن مشايخ المذهبين من الحنفية والشافعية اتفقوا على وقوع طلاق من غاب عقله بالحشيشة وهي ورق القنب بعد أن اختلفوا فيها قبل أن يظهر أمرها من الفساد ( قوله أن البنج مباح ) قيل هذا عندهما . وعند محمد ما أسكر كثيره فقليله حرام وعليه الفتوى كما يأتي . ا هـ .

أقول : المراد بما أسكر كثيره إلخ من الأشربة ، وبه عبر بعضهم وإلا لزم تحريم القليل من كل جامد إذا كان كثيره مسكرا كالزعفران والعنبر ، ولم أر من قال بحرمتها ، حتى إن الشافعية القائلين بلزوم الحد بالقليل مما أسكر كثيره خصوه بالمائع ، وأيضا لو كان قليل البنج أو الزعفران حراما عند محمد لزم كونه نجسا ; لأنه قال ما أسكر كثيره فإن قليله حرام نجس ، ولم يقل أحد بنجاسة البنج ونحوه . وفي كافي الحاكم من الأشربة : ألا ترى أن البنج لا بأس بتداويه ، وإذا أراد أن يذهب عقله لا ينبغي أن يفعل ذلك . ا هـ .

وبه علم أن المراد الأشربة المائعة ، وأن البنج ونحوه من الجامدات إنما يحرم إذا أراد به السكر وهو الكثير منه ، دون القليل المراد به التداوي ونحوه كالتطيب بالعنبر وجوزة الطيب ، ونظير ذلك ما كان سميا قتالا كالمحمودة وهي السقمونيا ونحوها من الأدوية السمية [ ص: 43 ] فإن استعمال القليل منها جائز ، بخلاف القدر المضر فإنه يحرم ، فافهم واغتنم هذا التحرير ( قوله ; لأنه حشيش ) لا معنى لهذا التعليل ، وليس في عبارة العناية . ا هـ . ح .

قلت : وكذا ليس هو في عبارة النهر ويمكن الجواب بأنه إشارة إلى ما قلناه ، فالمراد التعليل بأنه من الجامدات لا من المائعات التي فيها الخلاف في أن قليلها حرام أو لا فافهم




الخدمات العلمية