الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) الكافر بسبب اعتقاد ( السحر ) لا توبة له ( ولو امرأة ) في الأصح [ ص: 241 ] لسعيها في الأرض بالفساد ذكره الزيلعي ، ثم قال ( و ) كذا الكافر بسبب ( الزندقة ) - [ ص: 242 ] لا توبة له ، وجعله في الفتح ظاهر المذهب ، لكن في حظر الخانية الفتوى على أنه ( إذا أخذ ) الساحر أو الزنديق المعروف الداعي ( قبل توبته ) ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل ، ولو أخذ بعدها قبلت . وأفاد في السراج أن الخناق لا توبة له . وفي الشمني : الكاهن قيل كالساحر . وفي حاشية البيضاوي لمنلا خسرو : [ ص: 243 ] الداعي إلى الإلحاد والإباحي كالزنديق . وفي الفتح : والمنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام كالزنديق الذي لا يتدين بدين ، وكذا من علم أنه ينكر في الباطن بعض الضروريات كحرمة الخمر ويظهر اعتقاد حرمته ، [ ص: 244 ] وتمامه فيه . وفيه : يكفر الساحر بتعلمه وفعله اعتقد تحريمه أو لا ويقتل انتهى ; لكن في حظر الخانية : لو استعمله للتجربة والامتحان ولا يعتقده لا يكفر [ ص: 245 ] وحينئذ فالمستثنى أحد عشر .

التالي السابق


مطلب في الساحر والزنديق ( قوله والكافر بسبب اعتقاد السحر ) في الفتح : السحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم ، واعتقاد إباحته كفر . وعن أصحابنا ومالك وأحمد يكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد الحرمة أو لا ويقتل وفيه حديث مرفوع " { حد الساحر ضربة بالسيف } " يعني القتل وعند الشافعي لا يقتل ولا يكفر إلا إذا اعتقد إباحته . وأما الكاهن ، فقيل هو الساحر ، وقيل هو العراف الذي يحدث ويتخرص ، وقيل من له من الجن من يأتيه بالأخبار . وقال أصحابنا : إن اعتقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر لا إن اعتقد أنه تخييل ، وعند الشافعي إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب وأنها تفعل ما يلتمسه كفر . وعند أحمد حكمه كالساحر في رواية يقتل ، وفي رواية إن لم يتب ، ويجب أن لا يعدل عن مذهب الشافعي في كفر الساحر والعراف وعدمه . وأما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره . ا هـ . وحاصله أنه اختار أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد مكفرا ، وبه جزم في النهر ، وتبعه الشارح ، وأنه يقتل مطلقا إن عرف تعاطيه له ، ويؤيده ما في الخانية : اتخذ لعبة ليفرق بين المرء وزوجه . قالوا : هو مرتد ويقتل إن كان يعتقد لها أثرا ويعتقد التفريق من اللعبة لأنه كافر . ا هـ . وفي نور العين عن المختارات : ساحر يسحر ويدعي الخلق من نفسه يكفر ويقتل لردته . وساحر يسحر وهو جاحد لا يستتاب منه ويقتل إذا ثبت سحره دفعا للضرر عن الناس . وساحر يسحر تجربة ولا يعتقد به لا يكفر . قال أبو حنيفة : الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت بالبينة يقتل ولا يستتاب منه ، والمسلم والذمي والحر والعبد فيه سواء . وقيل يقتل الساحر المسلم لا الكتابي ، والمراد من الساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا الذي يعتقد [ ص: 241 ] الإسلام . والسحر في نفسه حق أمر كائن إلا أنه لا يصلح إلا للشر والضرر بالخلق ، والوسيلة إلى الشر شر فيصير مذموما . ا هـ .

والفرق بين الثلاثة : أن الأول مصرح بما هو كفر . والثاني لا يدري كيف يقول كما وقع التعبير به في الخانية لأنه جاحد ، ويعلم منه أن الأول لا يستتاب : أي لا يمهل طلبا للتوبة لأنها لا تقبل منه في دفع القتل عنه بعد أخذه كما يأتي دفعا للضرر عن الناس كقطاع الطريق والخناق وإن كانوا مسلمين . وبه علم أن الثالث وإن كان لا يكفر لكنه يقتل أيضا للاشتراك في الضرر ، وأن تقييد الشارح بكونه كافرا بسبب اعتقاد السحر غير قيد ، بل يقتل ولو كان كافرا أصليا أو لم يكفر باعتقاده ، نعم لما كان كلام المصنف في المسلم الذي ارتد قيد بذلك تأمل . وعلم به وبما نقلناه عن الخانية أنه لا يكفر بمجرد عمل السحر ما لم يكن فيه اعتقاد أو عمل ما هو مكفر ، ولذا نقل في [ تبيين المحارم ] عن الإمام أبي منصور أن القول بأنه كفر على الإطلاق خطأ ويجب البحث عن حقيقته ، فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الإيمان فهو كفر وإلا فلا . ا هـ . والظاهر أن ما نقله في الفتح عن أصحابنا مبني على أن السحر لا يكون إلا إذا تضمن كفرا ويأتي تحقيقه وقدمنا في خطبة الكتاب تعداد أنواع السحر وتمام بيان ذلك في رسالتنا المسماة [ سل الحسام الهندي لنصرة مولانا خالد النقشبندي ] ( قوله لسعيها إلخ ) أي لا بسبب اعتقادها الذي هو ردة لأن المرتدة لا تقتل عندنا ، ومقابل الأصح ما في المنتقى أنها لا تقتل بل تحبس وتضرب كالمرتدة كما في الزيلعي .

مطلب في الفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد ( قوله وكذا الكافر بسبب الزنديق ) قال العلامة ابن كمال باشا في رسالته : الزنديق في لسان العرب يطلق على من ينفي الباري تعالى ، وعلى من يثبت الشريك ، وعلى من ينكر حكمته . والفرق بينه وبين المرتد العموم الوجهي لأنه قد لا يكون مرتدا ، كما لو كان زنديقا أصليا غير منتقل عن دين الإسلام ، والمرتد قد لا يكون زنديقا كما لو تنصر أو تهود ، وقد يكون مسلما فيتزندق . وأما في اصطلاح الشرع ، فالفرق أظهر لاعتبارهم فيه إبطان الكفر والاعتراف بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم على ما في شرح المقاصد ، لكن القيد الثاني في الزنديق الإسلامي بخلاف غيره . والفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد مع الاشتراك في إبطان الكفر أن المنافق غير معترف بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم والدهري كذلك مع إنكاره إسناد الحوادث إلى الصانع المختار سبحانه وتعالى . والملحد : وهو من مال عن الشرع القويم إلى جهة من جهات الكفر ، من ألحد في الدين : حاد وعدل لا يشترط فيه الاعتراف بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولا بوجود الصانع تعالى وبهذا فارق الدهري أيضا ، ولا إضمار الكفر وبه فارق المنافق ، ولا سبق الإسلام وبه فارق المرتد ، فالملحد أوسع فرق الكفر حدا : أي هو أعم من الكل ا هـ ملخصا . قلت : لكن الزنديق باعتبار أنه قد يكون مسلما وقد يكون كافرا من الأصل لا يشترط فيه الاعتراف بالنبوة وسيأتي عن الفتح تفسيره بمن لا يتدين بدين . ثم بين حكم الزنديق فقال : اعلم أنه لا يخلو ، إما أن يكون معروفا داعيا إلى الضلال أو لا . والثاني ما ذكره صاحب الهداية في التجنيس من أنه على ثلاثة أوجه : إما أن يكون زنديقا من الأصل على الشرك ، أو يكون مسلما فيتزندق ، أو يكون ذميا فيتزندق ، فالأول يترك على شركه إن كان من العجم ، أي بخلاف مشرك العرب [ ص: 242 ] فإنه لا يترك . والثاني يقتل إن لم يسلم لأنه مرتد . وفي الثالث يترك على حاله لأن الكفر ملة واحدة ا هـ والأول أي المعروف الداعي لا يخلو من أن يئوب بالاختيار ويرجع عما فيه قبل أن يؤخذ أولا ، والثاني يقتل دون الأول ا هـ وتمامه هناك ( قوله لا توبة له ) تصريح بوجه الشبه ، والمراد بعدم التوبة أنها لا تقبل منه في نفي القتل عنه كما مر في الساب ، ولذا نقل البيري عن الشمني بعد نقله اختلاف الرواية في القبول وعدمه أن الخلاف في حق الدنيا ، أما فيما بينه وبين الله تعالى فتقبل توبته بلا خلاف ا هـ ونحوه في رسالة ابن كمال ( قوله لكن في حظر الخانية إلخ ) استدراك على الفتح حيث لم يذكر هذا التفصيل .

ونقل في النهر عن الدراية روايتين في القبول وعدمه ، ثم قال : وينبغي أن يكون هذا التفصيل محمل الروايتين . ا هـ . ( قوله المعروف ) أي بالزندقة الداعي أي الذي يدعو الناس إلى زندقته . ا هـ . ح . فإن قلت : كيف يكون معروفا داعيا إلى الضلال ، وقد اعتبر في مفهومه الشرعي أن يبطن الكفر . قلت : لا بعد فيه ، فإن الزنديق يموه كفره ويروج عقيدته الفاسدة ويخرجها في الصورة الصحيحة ، وهذا معنى إبطال الكفر ، فلا ينافي إظهاره الدعوى إلى الضلال وكونه معروفا بالإضلال ا هـ .

ابن كمال ( قوله أن الخناق لا توبة له ) أفاد بصيغة المبالغة أن من خنق مرة لا يقتل . قال المصنف قبيل الجهاد : ومن تكرر الخنق منه في المصر قتل به وإلا لا . ا هـ . ط . قلت : ذكر الخناق هنا استطرادي لأن الكلام في الكافر الذي لا تقبل توبته والخناق غير كافر ، وإنما لا تقبل توبته لسعيه في الأرض بالفساد ودفع ضرره عن العباد ، ومثله قطاع الطريق : مطلب في الكاهن والعراف ( قوله الكاهن قيل كالساحر ) في الحديث " { من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد } " أخرجه أصحاب السنن الأربعة ، وصححه الحاكم عن أبي هريرة .

والكاهن كما في مختصر النهاية للسيوطي : من يتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل ويدعي معرفة الأسرار . والعراف : المنجم . وقال الخطابي : هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق والضالة ونحوهما . ا هـ . والحاصل أن الكاهن من يدعي معرفة الغيب بأسباب وهي مختلفة فلذا انقسم إلى أنواع متعددة كالعراف . والرمال والمنجم : وهو الذي يخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه ، والذي يضرب بالحصى ، والذي يدعي أن له صاحبا من الجن يخبره عما سيكون ، والكل مذموم شرعا ، محكوم عليهم وعلى مصدقهم بالكفر . وفي البزازية : يكفر بادعاء علم الغيب وبإتيان الكاهن وتصديقه . وفي التتارخانية : يكفر بقوله أنا أعلم المسروقات أو أنا أخبر عن إخبار الجن إياي ا هـ . قلت : فعلى هذا أرباب التقاويم من أنواع الكاهن لادعائهم العلم بالحوادث الكائنة . وأما ما وقع لبعض [ ص: 243 ] الخواص كالأنبياء والأولياء بالوحي أو الإلهام فهو بإعلام من الله تعالى فليس مما نحن فيه ا هـ ملخصا من حاشية نوح من كتاب الصوم .

مطلب في دعوى علم الغيب قلت : وحاصله أن دعوى علم الغيب معارضة لنص القرآن فيكفر بها ، إلا إذا أسند ذلك صريحا أو دلالة إلى سبب من الله تعالى كوحي أو إلهام ، وكذا لو أسنده إلى أمارة عادية يجعل الله تعالى . قال صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل : وأما علم النجوم فهو في نفسه حسن غير مذموم ، إذ هو قسمان : حسابي وإنه حق وقد نطق به الكتاب . قال تعالى - { الشمس والقمر بحسبان } - أي سيرهما بحسبان . واستدلالي بسير النجوم وحركة الأفلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره ، وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض ، ولو لم يعتقد بقضاء الله تعالى أو ادعى علم الغيب بنفسه يكفر ا هـ وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من رسالتنا سل الحسام الهندي ( قوله الداعي إلى الإلحاد ) قدمنا عن ابن كمال بيانه ( قوله والإباحي ) أي الذي يعتقد إباحة المحرمات وهو معتقد الزنادقة . ففي فتاوى قارئ الهداية الزنديق هو الذي يقول ببقاء الدهري ويعتقد أن الأموال والحرم مشتركة . ا هـ . وفي رسالة ابن كمال عن الإمام الغزالي في كتاب [ التفرقة بين الإسلام والزندقة ] ومن جنس ذلك ما يدعيه بعض من يدعي التصوف أنه بلغ حالة بينه وبين الله تعالى أسقطت عنه الصلاة وحل له شرب المسكر والمعاصي وأكل مال السلطان ، فهذا مما لا أشك في وجوب قتله إذ ضرره في الدين أعظم ; وينفتح به باب من الإباحة لا ينسد ; وضرر هذا فوق ضرر من يقول بالإباحة مطلقا ; فإنه يمتنع عن الإصغاء إليه لظهور كفره .

أما هذا فيزعم أنه لم يرتكب إلا تخصيص عموم التكليف بمن ليس له مثل درجته في الدين ويتداعى هذا إلى أن يدعي كل فاسق مثل حاله ا هـ .

ملخصا . مطلب في أهل الأهواء إذا ظهرت بدعتهم وفي نور العين عن التمهيد : أهل الأهواء إذا ظهرت بدعتهم بحيث توجب الكفر فإنه يباح قتلهم جميعا إذا لم يرجعوا ولم يتوبوا ، وإذا تابوا وأسلموا تقبل توبتهم جميعا إلا الإباحيةوالغالية والشيعة من الروافض والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة لا تقبل توبتهم بحال من الأحوال ، ويقتل بعد التوبة وقبلها لأنهم لم يعتقدوا بالصانع تعالى حتى يتوبوا ويرجعوا إليه . وقال بعضهم : إن تاب قبل الأخذ والإظهار تقبل توبته وإلا فلا ، وهو قياس قول أبي حنيفة ، وهو حسن جدا ، فأما في بدعة لا توجب الكفر فإنه يجب التعزير بأي وجه يمكن أن يمنع من ذلك ، فإن لم يمكن بلا حبس وضرب يجوز حبسه وضربه ، وكذا لو لم يمكن المنع بلا سيف إن كان رئيسهم ومقتداهم جاز قتله سياسة وامتناعا . والمبتدع لو له دلالة ودعوة للناس إلى بدعته ويتوهم منه أن ينشر البدعة وإن لم يحكم بكفره جاز للسلطان قتله سياسة وزجرا لأن فساده أعلى وأعم حيث يؤثر في الدين . والبدعة لو كانت كفرا يباح قتل أصحابها عاما ، ولو لم تكن كفرا يقتل معلمهم ورئيسهم زجرا وامتناعا . ا هـ .

( قوله الذي لا يتدين بدين ) يحتمل أن يكون [ ص: 244 ] المراد به الذي لا يستقر على دين ، أو الذي يكون اعتقاده خارجا عن جميع الأديان . والثاني هو الظاهر من كلامه الذي سيذكره عنه ، وقدمنا عن رسالة ابن كمال تفسيره شرعا بمن يبطن الكفر وهذا أعم ( قوله وتمامه فيه ) أي في الفتح حيث قال : ويجب أن يكون حكم المنافق في عدم قبولنا توبته كالزنديق لأن ذلك في الزنديق لعدم الاطمئنان إلى ما يظهر من التوبة إذا كان يخفي كفره الذي هو عدم اعتقاده دينا ، والمنافق مثله في الإخفاء . وعلى هذا فطريق العلم بحاله إما بأن يعثر بعض الناس عليه أو يسره إلى من أمن إليه ا هـ .

مطلب حكم الدروز والتيامنة والنصيرية والإسماعيلية [ تنبيه ] يعلم مما هنا حكم الدروز والتيامنة فإنهم في البلاد الشامية يظهرون الإسلام والصوم والصلاة مع أنهم يعتقدون تناسخ الأرواح وحل الخمر والزنا وأن الألوهية تظهر في شخص بعد شخص ويجحدون الحشر والصوم والصلاة والحج ، ويقولون المسمى به غير المعنى المراد ويتكلمون في جناب نبينا صلى الله عليه وسلم كلمات فظيعة . وللعلامة المحقق عبد الرحمن العمادي فيهم فتوى مطولة ، وذكر فيها أنهم ينتحلون عقائد النصيرية والإسماعيلية الذين يلقبون بالقرامطة والباطنية الذين ذكرهم صاحب المواقف . ونقل عن علماء المذاهب الأربعة أنه لا يحل إقرارهم في ديار الإسلام بجزية ولا غيرها ، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم ، وفيهم فتوى في الخيرية أيضا فراجعها .

مطلب جملة من لا تقبل توبته والحاصل أنهم يصدق عليهم اسم الزنديق والمنافق والملحد . ولا يخفى أن إقرارهم بالشهادتين مع هذا الاعتقاد الخبيث لا يجعلهم في حكم المرتد لعدم التصديق ، ولا يصح إسلام أحدهم ظاهرا إلا بشرط التبري عن جميع ما يخالف دين الإسلام لأنهم يدعون الإسلام ويقرون بالشهادتين وبعد الظفر بهم لا تقبل توبتهم أصلا . وذكر في التتارخانية أنه سأل فقهاء سمرقند عن رجل يظهر الإسلام والإيمان ثم أقر بأني كنت أعتقد مع ذلك مذهب القرامطة وأدعو إليه والآن تبت ورجعت وهو يظهر الآن ما كان يظهره قبل من الإسلام والإيمان . قال أبو عبد الكريم بن محمد : قتل القرامطة واستئصالهم فرض . وأما هذا الرجل الواحد ، فبعض مشايخنا قال يتغفل ويقتل : أي تطلب غفلته في عرفان مذهبه . وقال بعضهم يقتل بلا استغفال لأن من ظهر منه ذلك ودعا الناس لا يصدق فيما يدعي بعد من التوبة ولو قبل منه ذلك لهدموا الإسلام وأضلوا المسلمين من غير أن يمكن قتلهم ، وأطال في ذلك ، ونقل عدة فتاوى عن أئمتنا وغيرهم بنحو ذلك ، لكن تقدم اعتماد قبول التوبة قبل الأخذ لا بعده .

( قوله لكن في حظر الخانية ) أي في كتاب الحظر والإباحة منها والاستدراك على قول الفتح أو لا : أي أو لم يعتقد تحريمه ، وقدمنا أنه في الفتح نقل ذلك عن أصحابنا وأنه اختار أنه لا يكفر ما لم يعتقد ما يوجب الكفر لكنه يقتل ، ولعل ما نقله عن الأصحاب مبني على أن السحر لا يتم إلا بما هو كفر كما يفيده قوله تعالى - { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } - وعلى هذا فغير المكفر لا يسمى سحرا ، ويؤيد ما قدمناه عن المختارات من أن المراد بالساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا من يعتقد الإسلام : أي بأن لم يفعل أو يعتقد ما ينافي الإسلام ، ولذا قال هنا ولا يعتقده فقد علم أنه يسمى ساحرا ما لم يعتقد أو يفعل ما هو كفر ، والله سبحانه أعلم .

[ ص: 245 ] مطلب جملة من لا يقتل إذا ارتد

( قوله فالمستثنى أحد عشر ) أي من قوله وكل مسلم ارتد فتوبته مقبولة إلا أحد عشر : من تكررت ردته ، وساب النبي عليه الصلاة والسلام ، وساب أحد الشيخين ، والساحر ، والزنديق والخناق ; والكاهن ، والملحد ، والإباحي والمنافق ، ومنكر بعض الضروريات باطنا . ا هـ . ح . قلت : لكن الساحر لا يلزم أن يكون مرتدا بأن يكون مسلما أصليا فعل ذلك فإنه يقتل ولو كافرا كما مر ، والخناق غير كافر وإنما يقتل لسعيه بالفساد كما قدمناه . وأما الزنديق الداعي والملحد وما بعده فيكفي فيه إظهاره للإسلام وإن كان كافرا أصليا فعلم أن المراد بيان جملة من لا تقبل توبته سواء كان مسلما ارتد أو لم يرتد أو كان كافرا أصليا ; وعليه فكان المناسب ذكر قطاع الطريق ، وكذا أهل الأهواء كما مر عن التمهيد ، وكذا العواني كما مر في باب التعزير ، وكذا كل من وجب عليه حد زنا أو سرقة أو قذف أو شرب . وأما ذكر ساب النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد الشيخين فقد علمت ما فيه




الخدمات العلمية