الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وعلته ) أي علة تحريم الزيادة ( القدر ) [ ص: 172 ] المعهود بكيل أو وزن ( مع الجنس فإن وجدا حرم الفضل ) أي الزيادة ( والنساء ) بالمد التأخير فلم يجز بيع قفيز بر بقفيز منه متساويا وأحدهما نساء ( وإن عدما ) بكسر الدال من باب علم ابن مالك ( حلا ) كهروي بمرويين لعدم العلة فبقي على أصل الإباحة ( وإن وجد أحدهما ) أي القدر وحده أو الجنس ( حل الفضل وحرم النساء ) ولو مع التساوي ، حتى لو باع عبدا بعبد إلى أجل لم يجز لوجود الجنسية

[ ص: 173 ] واستثنى في المجمع والدرر إسلام منقود في موزون كي لا ينسد أكثر أبواب السلم ، ونقل ابن الكمال عن الغاية جواز إسلام الحنطة في الزيت .

قلت : ومفاده أن القدر بانفراده لا يحرم النساء بخلاف الجنس فليحرر وقد مر في السلم أن حرمة النساء تتحقق بالجنس وبالقدر المتفق قنية .

التالي السابق


( قوله وعلته ) العلة لغة المرض الشاغل . واصطلاحا ما يضاف إليه ثبوت الحكم بلا واسطة وتمامه في البحر ( قوله أي علة تحريم الزيادة ) كذا فسر الضمير في الفتح ، وهو أولى من قول بعضهم : أي علة الربا لأنه وإن كان هو المذكور سابقا لكنه يحتاج إلى تقدير مضاف وهو لفظ تحريم فافهم ، وأراد بالزيادة الحقيقية كما في قوله بعده أي الزيادة ، وأما كون المراد بها هنا ما يشمل الحكمية : [ ص: 172 ] وهي الأجل ففيه أن المصنف لم يدخلها في التعريف كما بيناه ، فالمتبادر إرادة الزيادة المعرفة وهي الحقيقية ، وأيضا فإن قوله القدر مع الجنس يختص بالحقيقية ، لأن علة الحكمية أحدهما كما بينه بعده فقد عرف الحقيقية ، وبين علتها لكونها هي المتبادرة عند الإطلاق ثم ذكر علة الحكمية تتميما للفائدة فافهم ( قوله المعهود بكيل أو وزن ) أشار إلى ما في الحواشي السعدية من أن أل في القدر للعهد ، وبه اندفع ما في الفتح من اعتراضه على الهداية بشموله الذرع والعد ، لكن الأولى أن يقول وعلته الكيل أو الوزن لكونه أوضح ولئلا يرد ما نذكره عن ابن كمال .

[ تنبيه ] : ما ينسب إلى الرطل فهو وزني قال في الهداية : معناه ما يباع بالأواقي لأنها قدرت بطريق الوزن حتى يحتسب ما يباع بها وزنا بخلاف سائر المكاييل ا هـ .

قلت : وليس المراد بالرطل والأواقي معناهما المتعارف بل المراد بالرطل كل ما يوزن به ، وبالأواقي الأوعية التي يوضع فيها الدهن ونحوه ، وتقدر بوزن خاص مثل كوز الزيت في زمننا فإنه يباع الزيت به ويحسب بالوزن هكذا يفهم من كلامهم ، وعليه فالأواقي جمع واقية من الوقاية وهي الحفظ ، لأنها يحفظ بها المائع ونحوه لتعسر وضعه في الميزان بدونها ، ولذا قال الخير الرملي فعلى هذا الزيت والسمن والعسل ونحوها موزونات وإن كيلت بالمواعين لاعتبار الوزن فيها ا هـ ( قوله بالمد ) أي مع فتح النون ( قوله فلم يجز إلخ ) ترك التفريع على الفضل لظهوره ط أي كبيع قفيز بر بقفيزين منه حالا ( قوله متساويا ) أما إذا وجد التفاضل مع النساء فالحرمة للفضل أفاده ابن كمال ط ( قوله وأحدهما نساء ) أي ذو نساء والجملة حالية قال ط : فلو كان كل نسيئة يحرم أيضا لأنه بيع الكالئ بالكالئ ابن كمال أي النسيئة بالنسيئة كمال .

ثم اعلم أن ذكر النساء للاحتراز عن التأجيل ، لأن القبض في المجلس لا يشترط إلا في الصرف وهو بيع الأثمان بعضها ببعض أما ما عداه فإنما يشترط فيه التعيين دون التقابض كما يأتي ( قوله كهروي بمرويين ) الأولى أن يزيد نسيئة كما عبر في البحر وغيره ليكون مثالا لحل الفضل والنساء بسبب فقد القدر والجنس ، فإن الثوب الهروي والثوب المروي بسكون الراء جنسان كما يعلم مما يأتي وليسا بمثل ولا موزون ( قوله لعدم العلة إلخ ) لأن عدم العلة وإن كان لا يوجب الحكم لكن إذا اتحدت العلة لزم من عدمها العدم لا بمعنى أنها تؤثر العدم بل لا يثبت الوجود لعدم علته فيبقى عدم الحكم وهو عدم الحرمة فيما نحن فيه على عدمه الأصلي وإذا عدم سبب الحرمة والأصل في البيع مطلقا الإباحة إلا ما أخرجه الدليل كان الثابت الحل فتح ( قوله أي القدر وحده ) كالحنطة بالشعير ( قوله أو الجنس ) أي وحده كالهروي بهروي مثله ( قوله حل الفضل إلخ ) فيحل كر بر بكري شعير حالا وهروي بهرويين حالا ، ولو مؤجلا لم يحل .

والحاصل : كما في الهداية أن حرمة ربا الفضل بالوصفين وحرمة النساء بأحدهما ( قوله ولو مع التساوي ) مبالغة على قوله حرم النساء فقط ح ( قوله لوجود الجنسية ) فيه أن علة الحكم هنا عدم قبول العبد التأجيل لا وجود [ ص: 173 ] الجنسية فلو مثل ببيع هروي بمثله لكان أولى ح ( قوله واستثنى في المجمع إلخ ) وكذا في الهداية حيث قال : إلا أنه إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه : أي كالقطن والحديد والنحاس يجوز إلخ قال في الفتح : فإن الوزن فيها مختلف فإنه في النقود بالمثاقيل والدراهم بالصنجات ، وفي الزعفران بالأمناء والقبان ، وهذا اختلاف في الصورة بينهما وبينهما اختلاف آخر معنوي ، وهو أن النقود لا تتعين والزعفران وغيره يتعين . وآخر حكمي ، وهو أنه لو باع النقود موازنة وقبضها كان له بيعها قبل الوزن وفي الزعفران ونحوه يشترط إعادة الوزن ، فإذا اختلفا أي النقود ونحوه الزعفران في الوزن صورة ومعنى وحكما لم يجمعهما القدر من كل وجه ثم ضعف في الفتح هذه الفروق ، وقال : إن الوجه أن يستثنى إسلام النقود في الموزونات بإجماع كي لا ينسد أكثر أبواب السلم ، وسائر الموزونات غير النقد لا يجوز أن تسلم في الموزونات وإن اختلفت أجناسها كإسلام حديد في قطن وزيت في جبن وغير ذلك إلا إذا خرج من أن يكون وزنيا بالصنعة إلا في الذهب والفضة ، فلو أسلم سيفا فيما يوزن جاز إلا في الحديد ، لأن السيف خرج من أن يكون موزونا ومنعه في الحديد لاتحاد الجنس ، وكذا يجوز بيع إناء من غير النقدين بمثله من جنسه يدا بيد نحاسا كان أو حديدا ، أو إن كان أحدهما أثقل من الآخر ، بخلافه من الذهب والفضة فإنه يجري بالفضل وإن كانت لا تباع وزنا لأن الوزن منصوص عليه فيهما فلا يتغير بالصنعة فلا يخرج عن الوزن بالعادة ( قوله ونقل ابن الكمال ) عبارة ابن الكمال وعلته الكيل أو الوزن مع الجنس لم يقل القدر مع الجنس ، لأن القدر مشترك بين المكيل والموزون ، فعلى تقدير ما ذكر يلزم أن لا يجوز إسلام الموزون في المكيل ، لأن أحد الوصفين محرم للنساء وقد نص على جواز إسلام الحنطة في الزيت ا هـ وكتب في الهامش إن المسألة مذكورة في غاية البيان ا هـ .

قلت : وحاصل ما ذكره أنه لو عبر بالقدر ثم قال وإن وجد أحدهما إلخ ، لأفاد تحريم إسلام الموزون في المكيل لأنه قد وجد القدر وإن كان مختلفا بخلاف ما لو عبر بالكيل أو الوزن : أي بأو التي لأحد الشيئين فإنه لا يشمل القدر المختلف لكن فيه أن لفظ القدر مشترك كما قال : ولا يجوز استعماله في كلام معنييه عندنا فإذا ذكر لا بد أن يراد منه إما الكيل وحده أو الوزن وحده ، فيساوي التعبير بالكيل أو الوزن إلا أن يدعي أن القدر مشترك معنوي لا لفظي تأمل ( قوله ومفاده ) أي مفاد ما ذكر من جواز إسلام منقود في موزون وإسلام الحنطة في الزيت فإنه قد وجد في الأول القدر المتفق وفي الثاني القدر المختلف فافهم ( قوله فليحرر ) تحريره ما أفاده عقبه من أن المراد بقولهم وعلته القدر هو القدر المتفق كبيع موزون بموزون أو مكيل بمكيل ، بخلاف المختلف كبيع مكيل بموزون نسيئة فإنه جائز ويستثنى من الأول إسلام منقود في موزون للإجماع كما مر ( قوله وقد مر في السلم إلخ ) بيان لتحرير المراد لكن اعترض بأن السلم سيأتي بعد ، هذا على نسخة فتنبه بالفاء ، والأمر بالتنبيه وفي بعض النسخ قنية بالقاف اسم الكتاب المشهور ، وصاحب القنية قدم السلم أول البيع فصح قوله وقد مر في السلم .

[ تنبيه ] : ما أفاده من أن حرمة النساء بالقدر المتفق مؤيد لما نقله ابن كمال من جواز إسلام الحنطة في الزيت [ ص: 174 ] لاختلاف القدر لكون الحنطة مكيلا والزيت موزونا . وبقي ما لو أسلم الحنطة في شعير وزيت أي في مكيل وموزون ، وقد نص في كافي الحاكم على أنه لا يجوز عندهما ويجوز عند محمد في حصة الزيت .




الخدمات العلمية