الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا يجبر ) المدعى عليه ( على إعطاء الكفيل بالنفس [ ص: 298 ] في ) دعوى ( حد وقود ) مطلقا .

وقالا : يجبر في قود وحد قذف وسرقة كتعزير ; لأنه حق آدمي ، والمراد بالجبر الملازمة لا الحبس ( ولو أعطى ) برضاه كفيلا في قود وقذف وسرقة ( جاز ) اتفاقا ابن كمال ، وظاهر كلامهم أنها في حقوقه تعالى لا تجوز نهر .

قلت : وسيجيء أنها لا تصح بنفس حد وقود فليكن التوفيق

التالي السابق


( قوله : في دعوى حد وقود ) قيد بالدعوى ; لأن الكفالة بنفس الحد والقود لا تجوز إجماعا كما يأتي إذ لا يمكن استيفاؤهما من الكفيل ، وقيد بالقصاص ; لأنه في القتل والجراحة خطأ يجبر عليه الكفيل إجماعا ; لأن الموجب هو المال نهر .

( قوله : مطلقا ) أي في حقه تعالى أو حق عبد ، وهذا راجع لقوله حد ، والأولى ذكره عقبه .

( قوله : وسرقة ) هذا ألحقه التمرتاشي وجعله من حقوق العباد لكون الدعوى فيه شرطا ، بخلاف غيره لعدم اشتراطها بحر .

قلت : قد صرح به الحاكم في الكافي حيث قال : ولو ادعى رجل قبل رجل أنه سرق مالا منه وقال بينتي حاضرة فإنه يؤخذ له كفيل بنفسه ثلاثة أيام ، ولو قال قد قبضت منه السرقة ولكني أريد أن أقيم الحد لم يؤخذ منه كفيل ثم قال : وإذا أقام شاهدين على السارق وعلى السرقة ، وهي بعينها في يديه ، لم يؤخذ منه كفيل ولكن يحبس وتوضع السرقة على يدي عدل حتى يزكى الشهود ا هـ .

قلت : والظاهر أنه يحبس ولا يكفل في الثانية ; لأنه صار متهما بقيام البينة قبل التزكية ، والمتهم يحبس كما يأتي ، وفي الأولى لم يحبس ; لأن الحبس عقوبة فلا يفعلها قبل الشهادة .

( قوله : كتعزير ) قال في الكافي : لو ادعى رجل قبل رجل شتيمة فيها تعزير وقال بينتي حاضرة أخذ له منه كفيلا بنفسه ثلاثة أيام ; لأنه ليس بحد وهو من حقوق الناس ، ألا ترى أنه لو عفا عنه وتركه جاز ثم قال : وإن أقام عليه شاهدين بالشتيمة لم يحبس ، ولكن يؤخذ منه كفيل بنفسه حتى يسأل عن الشهود ، فإن زكوا عزره القاضي أسواطا ، وإن رأى أن لا يضربه وأن يحبسه أياما عقوبة فعل ، وإن كان المدعى عليه رجلا له مروءة وخطر استحسنت أن لا أحبسه ولا أعزره إذا كان ذلك أول ما فعل ا هـ .

( قوله : لأنه حق آدمي ) ظاهره أن ما كان أي من التعزير من حقوقه تعالى لا يجوز به التكفيل كالحد بحر .

( قوله : والمراد بالجبر ) أي على قولهما كما في البحر .

( قوله : الملازمة ) أي بأن يدور معه الطالب حيث دار كي لا يتغيب عنه .

وإذا أراد دخول داره ، فإن شاء المطلوب أدخله معه وإلا منعه الطالب عنه ، نهر .

( قوله : جاز ) لأنه أمكن ترتيب موجبه عليه ; لأن تسليم النفس فيها واجب فيطالب به الكفيل فيتحقق الضم هداية .

قال في الفتح : ومقتضى هذا التعليل صحة الكفالة إذا سمح بها في الحدود الخالصة ; لأن تسليم النفس واجب فيها لكن نص في الفوائد الخبازية على أن ذلك في الحدود التي للعباد فيها حق كحد القذف لا غير ا هـ نهر .

وفي البحر قدمنا أنه لا تجوز بنفس من عليه في الحدود الخالصة .

( قوله : وظاهر كلامهم ) أي حيث اقتصروا على هذه الثلاثة ، وقد أسمعناك التصريح به في الفتح عن الخبازية ، وذكره قبل ذلك أيضا حيث قال : بخلاف الحدود الخالصة حقا لله تعالى كحد الزنا والشرب لا تجوز الكفالة وإن طابت نفس المدعى عليه بإعطاء الكفيل بعد الشهادة أو قبلها ثم ذكر وجهه .

( قوله : فليكن التوفيق ) أي فليكن ظاهر كلامهم المذكور توفيقا بين ما ذكره المصنف من أنه لو أعطى كفيلا برضاه جاز وبين ما سيجيء بحمل ما هنا على حقوق العباد وما سيجيء على حقوقه تعالى ، لكن فيه أن الكفالة بنفس الحد لا تصح مطلقا ; لأن حد السرقة وإن كان ملحقا بحقوق العباد كما مر ، لكن إذا قال قبضت السرقة وقال أريد إقامة الحد لم يؤخذ له كفيل كما قدمناه ، فالأظهر أن يكون مراده أن ما سيجيء [ ص: 299 ] من قولهم لا تصح بنفس حد وقود هو التوفيق بينه وبين ما هنا من أنه لو أعطى كفيلا برضاه جاز ، فإن ذاك في أنها لا تصح بنفس الحد والقود ، وما هنا من الجواز في دعوى الحد والقود كما أشار إليه أو لا حيث قال في دعوى حد وقود




الخدمات العلمية