الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا يسترد أصيل ما أدى إلى الكفيل ) بأمره ليدفعه للطالب [ ص: 324 ] ( وإن لم يعطه طالبه ) ولا يعمل نهيه عن الأداء لو كفيلا بأمره وإلا عمل ; لأنه حينئذ يملك الاسترداد بحر ، وأقره المصنف لكنه قدم قبله ما يخالفه فليحرر ( وإن ربح ) الكفيل ( به طاب له ) لأنه نماء ملكه حيث قبضه على وجه الاقتضاء ، فلو على وجه الرسالة فلا لتمحضه أمانة [ ص: 325 ] خلافا للثاني ( وندب رده ) على الأصيل إن قضى الدين بنفسه درر ( فيما يتعين بالتعيين ) كحنطة لا فيما لا يتعين كنقود فلا يندب ، ولو رده هل يطيب للأصيل ؟ الأشبه نعم ولو غنيا عناية .

التالي السابق


( قوله : لا يسترد أصيل إلخ ) أي إذا دفع الأصيل وهو المديون إلى الكفيل المال المكفول به ليس للأصيل أن يسترده من الكفيل وإن لم يعطه الكفيل إلى الطالب .

قال في النهر : لأنه أي الكفيل ملكه بالاقتضاء ، وبه ظهر أن الكفالة توجب دينا للطالب على الكفيل ودينا للكفيل على الأصيل ، لكن دين الطالب حال ودين الكفيل مؤجل إلى وقت الأداء ; ولذا لو أخذ الكفيل من الأصيل رهنا أو أبرأه أو وهب منه الدين صح فلا يرجع بأدائه ، كذا في النهاية ، ولا ينافيه ما مر من أن الراجح أن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة ; لأن الضم إنما هو بالنسبة إلى الطالب وهذا لا ينافي أن يكون للكفيل دين على المكفول عنه كما لا يخفى وعلى هذا فالكفالة بالأمر توجب ثبوت دينين وثلاث مطالبات تعرف بالتدبر ا هـ ما في النهر أي دين ومطالبة حالين للطالب على الأصيل ودين ومطالبة مؤخرين للكفيل على الأصيل أيضا ومطالبة فقط للطالب على الكفيل بناء على الراجح من أنها الضم في المطالبة .

[ تنبيه ] نقل محشي مسكين عن الحموي عن المفتاح أن عدم الاسترداد مقيد بما إذا لم يؤخره الطالب عن الأصيل أو الكفيل ، فإن أخره له أن يسترده ا هـ .

قلت : لكن قوله أو الكفيل لم يظهر لي وجهه تأمل .

( قوله : بأمره ) متعلق بالكفيل احترازا عن الكفيل بلا أمر كما سيأتي .

قال في النهر : قيد به في الهداية ولا بد منه .

( قوله : ليدفعه للطالب ) متعلق بأدى .

واعلم أن ما مر من أن الكفيل ملك المؤدى فذلك فيما إذا دفعه إليه الأصيل على وجه القضاء ، بأن قال له إني لا آمن أن يأخذ منك الطالب حقه فأنا أقضيك المال قبل أن تؤديه ، بخلاف ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة [ ص: 324 ] بأن قال المطلوب للكفيل خذ هذا المال وادفعه إلى الطالب حيث لا يصير المؤدى ملكا للكفيل بل هو أمانة في يده ، لكن لا يكون للمطلوب أن يسترده من الكفيل ; لأنه تعلق به حق الطالب كذا في الكافي ، لكن ذكر في الكبرى أن له الاسترداد وأنه أشار إليه في الأصل ، كذا في الكفاية شرح الهداية ، وما نقله عن الكافي نقلط مثله عن العناية والمعراج ، وعليه مشى في البحر والنهر ، والمراد بالكافي كافي النسفي ، أما كافي الحاكم الشهيد الذي جمع كتب ظاهر الرواية فإنه أشار فيه أيضا إلى أن له الاسترداد لو دفعه على وجه الرسالة فإنه ذكر أنه لو قبضه على وجه القضاء فله التصرف وله ربحه ; لأنه له .

ولو هلك منه ضمنه ، ولو قبضه على وجه الرسالة فهلك كان مؤتمنا ويرجع به على الأصيل ، ولو لم يهلك فعمل به وربح تصدق بالربح ; لأنه غاصب ، وكذا في الهداية إشارة إليه حيث ذكر أولا أنه إذا قضاه لا يسترد .

ثم قال : بخلاف ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة ; لأنه تمحض أمانة في يده ، فدل كلامه على أن عدم الاسترداد في الأداء على وجه القضاء لا الرسالة حيث جعله في الرسالة محض أمانة والأمانة مستردة .

ونقل ط عن غاية البيان أن له استرداد .

قال : ومثله في صدر الشريعة .

وقال في اليعقوبية : إنه الظاهر ; لأنه أمانة محضة ويد الرسول يد المرسل فكأنه لم يقبضه فلا يعتبر حق الطالب وهو المتبادر من الهداية ا هـ .

قلت : وهو المتبادر أيضا مما في المتون من أن الربح يطيب له فإنه دليل على أن المراد الأداء على وجه القضاء ، وقول الشارح تبعا للدرر ليدفعه للطالب ظاهره الدفع على وجه الرسالة ، وهو موافق لما في كافي النسفي وغيره ، ويفهم منه أنه في الدفع على وجه القضاء له ذلك بالأولى .

ويمكن حمله على ما في كافي الحاكم وغيره بأن يكون المراد أنه لم يصرح له بأنه يدفعه للطالب بل أضمر ذلك في نفسه وقت الأداء .

ففي الشرنبلالية عن القنية : لو أطلق عند الدفع فلم يبين أنه على وجه القضاء أو الرسالة يقع عن القضاء فافهم .

[ تنبيه ] لو قضى المطلوب الدين إلى الطالب فللمطلوب أن يرجع على الكفيل بما أعطاه كما في الكافي وغيره .

( قوله : وإن لم يعطه طالبه ) إن وصلية وطالبه بكسر اللام بزنة اسم الفاعل مضاف للضمير وهو المفعول الثاني ليعطه .

( قوله : ولا يعمل نهيه إلخ ) هذا ما أجاب به في البحر حيث قال : وقد سئلت عما إذا دفع المديون الدين للكفيل ليؤديه إلى الطالب ثم نهاه عن الأداء هل يعمل نهيه ؟ فأجبت إن كان كفيلا بالأمر لم يعمل نهيه ; لأنه لا يملك الاسترداد وإلا عمل ; لأنه يملكه ا هـ .

قلت : وظاهر قوله ليؤديه أن الدفع على وجه الرسالة فهو مبني على ما في كافي النسفي .

( قوله : لأنه حينئذ ) أي حين إذ كان كفيلا بلا أمر يملك الأصيل الاسترداد ; لأن الكفيل لا دين له عليه فلم يملك المؤدى بل هو في يده محض أمانة كما إذا أداه الأصيل إليه على وجه الرسالة وكانت الكفالة بالأمر على ما مر ، بل هذا بالأولى لما علمت من أنه هنا لا دين له أصلا .

( قوله : لكنه قدم قبله ما يخالفه ) لعل مراده بالمخالفة أن المصنف لم يقيد متنه بكون الكفيل كفيلا بالأمر ، وفرق هنا بين كونه بالأمر فلا يعمل نهيه وإلا عمل ، لكن في شرح المصنف إشارة إلى أن مراده في المتن الكفيل بالأمر ، وقد علمت أن هذا القيد لا بد منه فلا مخالفة .

( قوله : حيث قبضه على وجه الاقتضاء ) تقييد للمتن ولتعليله بأنه نماء ملكه وصرح بعده بمفهومه .

وعبارة الهداية : فإن ربح الكفيل فيه فهو له لا يتصدق به ; لأنه ملكه حين قبضه وهذا إذا قضى الدين ظاهر ، وكذا إذا قضاه المطلوب بنفسه وثبت له استرداد ما دفع [ ص: 325 ] للكفيل ، وإنما حكمنا بثبوت ملكه إذا قضاه المطلوب بنفسه ; لأن الكفيل وجب له بمجرد الكفالة على الأصيل مثل ما وجب للطالب على الكفيل وهو المطالبة ا هـ موضحا من الفتح وتمامه فيه .

( قوله : خلافا للثاني ) أي أبي يوسف فعنده يطيب له كمن غصب من إنسان وربح فيه يتصدق بالربح عندهما ; لأنه استفاده من أصل خبيث ويطيب له عنده مستدلا بحديث " { الخراج بالضمان } " فتح .

( قوله : وندب رده ) مرتبط بقوله بعده فيما يتعين بالتعيين : أي أن قوله طاب له : أي الربح إنما هو فيما لو كان المؤدى للكفيل شيئا لا يتعين بالتعيين كالدراهم والدنانير فإن الخبث لا يظهر فيها ، بخلاف ما يتعين كالحنطة ونحوها بأن كفل عنه حنطة وأداها الأصيل إلى الكفيل وربح الكفيل فيها فإنه يندب رد الربح إلى الأصيل .

قال في النهر : وهذا هو أحد الروايات عن الإمام ، وهو الأصح وعنه أنه لا يرده بل يطيب له ، وهو قولهما ; لأنه نماء ملكه .

وعنه أنه يتصدق به وتمامه فيه .

( قوله : إن قضى الدين بنفسه ) أي إن قضاه الأصيل للطالب ، وهذه العبارة تابع فيها صاحب الدرر الزيلعي ، وأقره الشرنبلالي ، لكن اعترضه الواني بأن هذا القيد غير لازم وموهم خلاف المقصود .

قلت : وهو كذلك كما يعلم من الهداية حيث قال في توجيه الأصح : وله أي للإمام أنه تمكن الخبث مع الملك ; لأنه بسبيل من الاسترداد بأن يقضيه بنفسه إلخ ، فجعل إمكان الاسترداد بقضاء الدين بنفسه دليل ثبوت الخبث في الربح مع قيام الملك ، فعلم أن ذلك غير قيد في المسألة .

( قوله : الأشبه نعم ولو غنيا ) الذي في العناية وكذا البحر والنهر إن كان فقيرا طاب ، وإن كان غنيا ففيه روايتان ، والأشبه أن يطيب له أيضا فكان الأولى للشارح أن يؤخر قوله الأشبه نعم عن قوله ولو غنيا ; لأن الروايتين فيه لا في الفقير




الخدمات العلمية