الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 365 ] ( والاجتهاد شرط الأولوية ) لتعذره على أنه يجوز خلو الزمن عنه عند الأكثر نهر فصح توليته العامي ابن كمال ويحكم بفتوى غيره لكن في إيمان البزازية المفتي يفتي بالديانة والقاضي يقضي بالظاهر دل على أن الجاهل لا يمكنه القضاء بالفتوى أيضا فلا بد من كون الحاكم في الدماء والفروج عالما دينا [ ص: 366 ] كالكبريت الأحمر وأين الكبريت الأحمر وأين العلم ( ومثله ) فيما ذكر ( المفتي ) وهو عند الأصوليين المجتهد أما من يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت وفتواه ليس بفتوى بل هو نقل كلام كما بسطه ابن الهمام ( ولا يطلب القضاء ) بقلبه ( ولا يسأله بلسانه ) في الخلاصة طالب الولاية لا يولى إلا إذا تعين عليه القضاء [ ص: 367 ] أو كانت التولية مشروطة له أو ادعى أن العزل من القاضي الأول بغير جنحة نهر قال : واستحب الشافعية والمالكية طلب القضاء لخامل الذكر لنشر العلم ( ويختار ) المقلد ( الأقدر والأولى به ولا يكون فظا غليظا جبارا عنيدا ) لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إطلاق اسم خليفة الله خلاف تتارخانية .

التالي السابق


مطلب في الاجتهاد وشروطه ( قوله : والاجتهاد شرط الأولوية ) هو لغة بذل المجهول في تحصيل ذي كلفة وعرفا ذلك من الفقيه في تحصيل حكم شرعي قال في التلويح ومعنى بذل الطاقة أن يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه وشروطه الإسلام والعقل والبلوغ وكونه فقيه النفس أي شديد الفهم بالطبع وعلمه باللغة العربية وكونه حاويا لكتاب الله تعالى فيما يتعلق بالأحكام وعالما بالحديث متنا وسندا وناسخا ومنسوخا وبالقياس وهذه الشرائط في المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الأحكام وأما المجتهد في حكم دون حكم فعليه معرفة ما يتعلق بذلك الحكم مثلا كالاجتهاد في حكم متعلق بالصلاة لا يتوقف على معرفة جميع ما يتعلق بالنكاح ا هـ ومراد المصنف هنا الاجتهاد بالمعنى الأول نهر .

( قوله : لتعذره ) أي لأنه متعذر الوجود في كل زمن ، وفي كل بلد فكان شرط الأولوية بمعنى أنه إن وجد فهو الأولى بالتولية فافهم .

( قوله : على أنه ) متعلق بمحذوف أي قلنا بالتعذر في كل زمن بناء على أنه إلخ .

( قوله : عند الأكثر ) خلافا لما قيل إنه لا يخلو عنه زمن وتمام ذلك في كتب الأصول .

( قوله : فصح توليته العامي ) الأولى في التفريع أن يقال : فصح تولية المقلد ; لأنه مقابل المجتهد ثم إن المقلد يشمل العامي ، ومن له تأهل في العلم والفهم ، وعين ابن الغرس الثاني قال وأقله أن يحسن بعض الحوادث ، والمسائل الدقيقة وأن يعرف طريق تحصيل الأحكام الشرعية من كتب المذهب ، وصدور المشايخ وكيفية الإيراد ، والإصدار في الوقائع والدعاوى والحجج ، ونازعه في النهر ورجح أن المراد الجاعل لتعليلهم بقولهم لأن إيصال الحق إلى مستحقه يحصل بالعمل بفتوى غيره قال في الحواشي واليعقوبية : إذ المحتاج إلى فتوى غيره هو من لا يقدر على أخذ المسائل من كتب الفقه وضبط أقوال الفقهاء ا هـ ، ونحوه في البحر عن العناية وكذا رجحه ابن الكمال .

قلت : وفيه للبحث مجال فإن المفتي عند الأصوليين هو المجتهد كما يأتي فيصير المعنى أنه لا يشترط في القاضي أن يكون مجتهدا ; لأنه يكفيه العمل باجتهاد غيره : ولا يلزم ومن هذا أن يكون عاميا لكن قد يقال إن الاجتهاد كما تعذر في القاضي تعذر في المفتي الآن فإذا احتاج إلى السؤال عمن ينقل الحكم ، ومن الكتب يلزم أن يكون غير قادر على ذلك تأمل .

( قوله : المفتي يفتي بالديانة ) مثلا إذا قال رجل : قلت لزوجتي أنت طالق قاصدا بذلك الإخبار كاذبا فإن المفتي يفتيه بعدم الوقوع والقاضي يحكم عليه بالوقوع ; لأنه يحكم بالظاهر ، فإذا كان القاضي يحكم بالفتوى يلزم بطلان حكمه في مثل ذلك ، فدل على أنه لا يمكنه القضاء بالفتوى في كل حادثة ، وفيه نظر فإن القاضي إذا سأل المفتي عن هذه الحادثة لا يفتيه بعدم الوقوع ; لأنه إنما سأله عما يحكم به ، فلا بد أن يبين له حكم القضاء فعلم أن ما في البزازية لا ينافي قولهم يحكم بفتوى غيره .

( قوله : في الدماء والفروج ) أي وفي الأموال لكن خصهما بالذكر ; لأنه لا يمكن فيهما الاستباحة بوجه بخلاف المال ولقصد التمويل فإن الحاكم الذي مجرى أحكامه في ذلك لا بد أن يكون عالما دينا .

[ ص: 366 ] قوله : كالكبريت الأحمر ) معدن عزيز الوجود والجار والمجرور متعلق بمحذوف على أنه حال أو خبر لمبتدأ محذوف .

( قوله : وأين العلم ) عبارة البزازية وأين الدين والعلم . مطلب طريق التنقل عن المجتهد .

( قوله : بل هو نقل كلام ) وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد أمرين : إما أن يكون له سند فيه ، أو يأخذ من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتب محمد بن الحسن ، ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين ; لأنه بمنزلة الخبر المتواتر المشهور هكذا ذكر الرازي ، فعلى هذا لو وجد بعض نسخ النوادر في زماننا لا يحل عزو ما فيها إلى محمد ولا إلى أبي يوسف ; لأنها لم تشتهر في عصرنا في ديارنا ولم تتداول . نعم إذا وجد النقل عن النوادر مثلا في كتاب مشهور معروف كالهداية والمبسوط كان ذلك تعويلا على ذلك الكتاب فتح . وأقره في البحر والنهر والمنح .

قلت : يلزم على هذا أن لا يجوز الآن النقل من أكثر الكتب المطولة ومن الشروح ، أو الفتاوى المشهورة أسماؤها لكنها لم تتداولها الأيدي حتى صارت بمنزلة الخبر المتواتر المشهورة لكونها لا توجد إلا في بعض المدارس أو عند بعض الناس كالمبسوط والمحيط والبدائع ، وفيه نظر بل الظاهر أنه لا يلزم التواتر بل يكفي غلبة الظن بكون ذلك الكتاب وهو المسمى بذلك الاسم بأن وجد العلماء ينقلون عنه ، ورأى ما نقلوه عنه موجودا فيه أو وجد منه أكثر من نسخة ، فإنه يغلب على الظن أنه هو يدل على ذلك قوله إما أن يكون له سند فيه أي فيما ينقله والسند لا يلزم تواتره ولا شهرته ، وأيضا قدمنا أن القاضي إذا أشكل عليه أمر يكتب فيه إلى فقهاء مصر آخر وأن المشاورة بالكتاب سنة قديمة في الحوادث الشرعية ولا شك أن احتمال التزوير في هذا الكتاب اليسير أكثر من احتماله في شرح كبير بخط قديم ، ولا سيما إذا رأى عليه خط بعض العلماء ، فيتعين الاكتفاء بغلبه الظن ، لئلا يلزم هجر معظم كتب الشريعة من فقه وغيره ولا سيما في مثل زماننا والله سبحانه أعلم .

( قوله : ولا يطلب القضاء ) لما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن أجبر عليه ينزل إليه ملك يسدده } وأخرج البخاري { قال صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها } وإذا كان كذلك وجب أن لا يحل له ; لأنه معلوم وقوع الفساد منه ; لأنه مخذول فتح ملخصا .

( قوله : بقلبه ) أراد بهذا أن يفرق بين الطلب والسؤال فالأول للقلب والثاني للسان كما في المستصفى وتمامه في النهر .

( قوله : في الخلاصة إلخ ) أفاد أنه كما لا يحل الطلب لا تحل التولية كما في النهر وأن ذلك لا يختص بالقضاء بل كل ولاية ولو خاصة كولاية على وقف أو يتيم فهي كذلك كما في البحر .

( قوله : إلا إذا تعين عليه القضاء إلخ ) استثناء مما في المتن ومما في الخلاصة ، أما إذا تعين بأن لم يكن أحد غيره يصلح للقضاء وجب عليه الطلب صيانة لحقوق المسلمين ، ودفعا لظلم الظالمين ولم أر حكم ما إذا تعين ، ولم يول إلا بمال هل يحل بذله وكذا لم أر جواز عزله ، وينبغي أن يحل بذله للمال كما حل طلبه وأن يحرم عزله حيث تعين ، وأن لا يصح بحر قال في النهر : هذا ظاهر في صحة توليته وإطلاق المصنف يعني قوله : ولو أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا برده وأما عدم صحة عزله فممنوع قال في الفتح للسلطان أن يعزل القاضي بريبة ، وبلا ريبة ولا ينعزل حتى [ ص: 367 ] يبلغه العزل ا هـ ، نعم لو قيل لا يحل عزله في هذه الحالة لم يبعد كالوصي العدل ا هـ .

قلت : وأيضا حيث تعين عليه يخرج عن عهدة الوجوب بالسؤال فإذا منعه السلطان أثم بالمنع ; ولأنه إذا منع الأولى وولى غيره يكون قد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين كما مر في الحديث ، وإذا منعه لم يبق واجبا عليه ، فبأي وجه يحل له دفع الرشوة وقد قال بعض علمائنا : إن فرضية الحج تسقط بدفع الرشوة إلى الأعراب كما قدمناه في بابه فهذا أولى كما لا يخفى . وأما صحة عزله فظاهرة ; لأنه وكيل عن السلطان وإثمه بعزله لا يلزم منه عدم صحة العزل كالوصي العدل المنصوب ومن جهة القاضي ، وأما المنصوص من جهة الميت ، فالمعتمد عدم صحة عزله لكن الفرق بينه وبين ما نحن فيه أن الوصي خليفة الميت فليس للقاضي عزله وأما القاضي فهو خليفة عن السلطان وولايته مستمدة منه فله عزله كوصي القاضي هذا ما ظهر لي .

( قوله : أو كانت التولية مشروطة له ) ذكره في النهر بحثا معللا بأنه حينئذ يطلب تنفيذ شرط الواقف ا هـ .

قلت : وهذا في الحقيقة ليس طالبا من القاضي أن يوليه ; لأنه متول بالشرط ، بل يريد إثبات ذلك في وجه من يعارضه ومثله وصي الميت إذا أراد إثبات وصايته وبهذا سقط قوله في البحر إن ظاهر كلامهم أنه لا تطلب التولية على الوقف ولو كانت بشرط الواقف له لإطلاقهم ا هـ .

( قوله : أو ادعى إلخ ) أي فإن له طلب العود من القاضي الجديد وحين ذلك يقول له القاضي : أثبت أنك أهل للولاية ثم يوليه نص عليه الخصاف نهر .

( قوله : لخامل الذكر ) وهو بالخاء المعجمة غير المشهور .

( قوله : ويختار المقلد ) بصيغة اسم الفاعل وقدمنا قبيل قوله وشرط أهليتها عن الفتح من له ولاية التقليد ، والظاهر أن هذا الاختيار واجب لئلا يكون خائنا لله ورسوله وعامة المؤمنين كما مر في الحديث .

( قوله : ولا يكون فظا إلخ ) الفظ هو الجافي سيئ الخلق والغليظ قاسي القلب والجبار من جبره على الأمر بمعنى أجبره أي لا يجبر غيره على ما لا يريد والعنيد المعاند المجانب للحق المعادي لأهله بحر عن مسكين .

( قوله : لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي في إمضاء الأحكام الشرعية .




الخدمات العلمية