الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأفاد فساد ما يقع كثيرا من أخذ كرم الوقف أو اليتيم مساقاة ، فيستأجر أرضه الخالية من الأشجار بمبلغ كثير ، ويساقي على أشجارها بسهم من ألف سهم ، فالحظ ظاهر في الإجارة لا في المساقاة فمفاده فساد المساقاة بالأولى ; لأن كلا منهما عقد على حدة . [ ص: 9 ] قلت : وقيدوا سراية الفساد في باب البيع الفاسد بالفاسد القوي المجمع عليه فيسري كجمع بين حر وعبد ، بخلاف الضعيف فيقتصر على محله ولا يتعداه كجمع بين عبد ومدبر فتدبر ، وجعلوه أيضا من الفساد الطارئ فتنبه .

التالي السابق


( قوله وأفاد ) أي المصنف حيث قال بعد عبارة الخانية : قلت يستفاد من هذا فساد ما يقع إلخ ( قوله فيستأجر أرضه الخالية ) أي بياضها بدون الأشجار ، وإنما لا يصح استئجار الأشجار أيضا لما مر أنها تمليك منفعة ، فلو وقعت على استهلاك العين قصدا فهي باطلة .

قال الرملي : وسيأتي في إجارة الظئر أن عقد الإجارة على استهلاك الأعيان مقصود كمن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يصح ، وكذا لو استأجر بستانا ليأكل ثمره .

قال : وبه علم حكم إجارات الأراضي والقرى التي في يد المزارعين لا كل خراج المقاسمة منها ، ولا شك في بطلانها والحال هذه ، وقد أفتيت بذلك مرارا ا هـ ( قوله بمبلغ كثير ) أي بمقدار ما يساوي أجرة الأرض وثمن الثمار ( قوله ويساقي على أشجارها ) يعني قبل عقد الإجارة وإلا كانت إجارة الأرض مشغولة فلا تصح كما سيأتي .

وفي مسائل الشيوع من البزازية : استأجر أرضا فيها أشجار أو أخذها زراعة وفيها أشجار ، إن كان في وسطها لا يجوز إلا إذا كان في الوسط شجرتان صغيرتان مضى عليهما حول أو حولان لا كبيرتان ; لأن ورقهما وظلهما يأخذ الأرض والصغار لا عروق لها ، وإن كان في جانب من الأرض كالمسناة والجداول يجوز لعدم الإخلاء ا هـ . ( قوله بسهم ) أي بإعطاء سهم واحد لليتيم أو الوقف والباقي للعامل ( قوله فمفاده ) أي مفاد ما تقدم من قوله فتفسخ في كل المدة إلخ : وقدمنا أن المصنف استفاده من كلام الخانية ، وهو بمعنى ما استفاده منه الشارح فافهم ( قوله بالأولى ) وجه الأولوية أنه إذا فسد العقد في كل المدة مع اشتماله على ما هو خير لليتيم وشر له ففساد عقد مستقل هو شر محض لليتيم أولى بالفساد .

ثم اعلم أنه حيث فسدت المساقاة بقيت الأرض مشغولة فيلزم فساد الإجارة أيضا كما قدمناه وإن كان الحظ والمصلحة فيها ظاهرين ، فتنبه لهذه الدقيقة .

وفي فتاوى الحانوتي : التنصيص في الإجارة على بياض الأرض لا يفيد الصحة حيث تقدم عقد الإجارة على عقد المساقاة ، أما إذا تقدم عقد المساقاة بشروطه كانت الإجارة صحيحة كما صرح به في البزازية ، وإذا فسدت صارت الأجرة غير مستحقة لجهة الوقف والمستحق إنما هو الثمرة فقط ، وحيث فسدت المساقاة لكونها بجزء يسير لجهة الوقف كان للعامل أجر مثل عمله وهذا بالنسبة إلى الوقف . [ ص: 9 ] وأما مساقاة المالك فلا ينظر فيها إلى المصلحة كما لو أجر بدون أجر المثل ا هـ ملخصا .

وفيه تصريح بما استفاده المصنف وبما نبهنا عليه فليحفظ ( قوله قلت إلخ ) هو تأييد لما في أنفع الوسائل ح ( قوله فتدبر ) أشار إلى أن مقتضى هذا أن تفسد في القدر الزائد فقط ; لأنه قد جمع بين جائز وفاسد في عقد واحد ، والفساد غير قوي لعدم الاتفاق عليه فلا يسري ; لأن المتقدمين لم يقدروها بمدة ( قوله وجعلوه أيضا من الفساد الطارئ ) هذه تقوية أخرى : أي فلا يسري وفي كونه طارئا تأمل ط .

قلت : لعل وجه طريانه كونها تنعقد ساعة فساعة ( قوله فتنبه ) لعله أشار به إلى ما قلنا




الخدمات العلمية