الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكره ) تنزيها ( الذبح ليلا ) لاحتمال الغلط . ( ولو ) ( تركت التضحية ومضت أيامها ) ( تصدق بها حية ناذر ) فاعل تصدق ( لمعينة ) ولو فقيرا ، ولو ذبحها [ ص: 321 ] تصدق بلحمها ، ولو نقصها تصدق بقيمة النقصان أيضا ولا يأكل الناذر منها ; فإن أكل تصدق بقيمة ما أكل ( وفقير ) عطف عليه ( شراها لها ) لوجوبها عليه بذلك حتى يمتنع عليه بيعها ( و ) تصدق ( بقيمتها غني شراها أولا ) لتعلقها بذمته بشرائها أولا ، فالمراد بالقيمة قيمة شاة تجزي فيها .

التالي السابق


( قوله تنزيها ) بحث من المصنف حيث قال : قلت : الظاهر أن هذه الكراهة للتنزيه ومرجعها إلى خلاف الأولى إذ احتمال الغلط لا يصلح دليلا على كراهة التحريم ا هـ . أقول : وهو مصرح به في ذبائح البدائع ( قوله ليلا ) أي في الليلتين المتوسطتين لا الأولى ولا الرابعة ، إذ لا تصح فيهما الأضحية أصلا كما هو الظاهر ونبه عليه في النهاية ومع هذا خفي على البعض ( قوله ولو تركت التضحية إلخ ) شروع في بيان قضاء الأضحية إذا فاتت عن وقتها فإنها مضمونة بالقضاء في الجملة كما في البدائع

( قوله ومضت أيامها إلخ ) قيد به لما في النهاية : إذا وجبت بإيجابه صريحا أو بالشراء لها ، فإن تصدق بعينها في أيامها فعليه مثلها مكانها ، لأن الواجب عليه الإراقة وإنما ينتقل إلى الصدقة إذا وقع اليأس عن التضحية بمضي أيامها ، وإن لم يشتر مثلها حتى مضت أيامها تصدق بقيمتها ، لأن الإراقة إنما عرفت قربة في زمان مخصوص ولا تجزيه الصدقة الأولى عما يلزمه بعد لأنها قبل سبب الوجوب ا هـ ( قوله تصدق بها حية ) لوقوع اليأس عن التقرب بالإراقة ، وإن تصدق بقيمتها أجزأه أيضا لأن الواجب هنا التصدق بعينها وهذا مثله فيما هو المقصود ا هـ ذخيرة ( قوله ناذر لمعينة ) قال في البدائع : أما الذي يجب على الغني والفقير فالمنذور به ، بأن قال لله علي أن أضحي شاة أو بدنة أو هذه الشاة أو البدنة ، أو قال جعلت هذه الشاة أضحية لأنها قربة من جنسها إيجاب وهو هدي المتعة والقران والإحصار فتلزم بالنذر كسائر القرب والوجوب بالنذر يستوي فيه الغني والفقير ا هـ وقد استفيد منه أن الجعل المذكور نذر وأن النذر بالواجب صحيح . واستشكل بأن من شروط صحة النذر أن لا يكون واجبا قبله . وأجاب أبو السعود بأن الواجب التضحية مطلقا وصحة النذر بالنسبة المعينة ا هـ وفيه نظر لما علمت من صحة النذر بغير معينة أيضا . واعلم أنه قال في البدائع : ولو نذر أن يضحي شاة وذلك في أيام النحر وهو موسر فعليه أن يضحي بشاتين عندنا شاة بالنذر وشاة بإيجاب الشرع ابتداء إلا إذا عني به الإخبار عن الواجب عليه فلا يلزمه إلا واحدة ، ولو قبل أيام النحر لزمه شاتان بلا خلاف لأن الصيغة لا تحتمل الإخبار عن الواجب إذ لا وجوب قبل الوقت

وكذا لو كان معسرا ثم أيسر في أيام النحر لزمه شاتان ا هـ . ومقتضى هذا أن الموسر إذا نذر في أيام النحر وقصد الإخبار لم يكن ذلك منه نذرا حقيقة وإن لزوم الشاة عليه بإيجاب الشرع . أما إذا أطلق ولم يقصد الإخبار أو كان قبل أيام النحر أو كان معسرا فأيسر فيها ، فإنه وإن لزمته شاة أخرى بالنذر لكنها لم تكن واجبة قبل بل الواجبة غيرها فهو نذر حقيقة . وعلى كل فلم يوجد نذر حقيقي بواجب قبله فاتضح الحال وطاح الإشكال وسيأتي في آخر الأضحية زيادة تحقيق لهذا البحث ، ومقتضى ذلك أيضا أنه حيث قصد الإخبار له الأكل منها لأنها لم تلزم بالنذر . [ فرع ]

قال لله علي أن أضحي شاة فضحى ببدنة أو بقرة جاز تتارخانية ( قوله ولو فقيرا ) الأنسب أن يقال ولو غنيا ، لأن الفقير لا يتوهم عدم صحة نذره بالمعينة لعدم وجوبها عليه قبله بخلاف الغني ، ولأن الفقير إذا شراها له يلزمه التصدق بعينها بلا نذر ، بخلاف الغني . وقاعدة لو الوصلية أن نقيض ما بعدها أولى بالحكم تأمل [ ص: 321 ] قوله ولو نقصها ) أي الذبح بأن كانت قيمتها بعد الذبح أقل منه قبله تتارخانية

( قوله بقيمة النقصان ) المناسب إسقاط قيمة ، أو يقول بقدر النقصان لأن الفرض أن النقصان من القيمة لا من ذات الشاة تأمل ( قوله ولا يأكل الناذر منها ) أي نذرا على حقيقته كما علمت . وأقول : الناذر ليس بقيد لأن الكلام فيما إذا مضى وقتها ووجب عليه التصدق بها حية أو بقيمتها ، ولذا لو ذبحها ونقصها يضمن النقصان وهذا يشمل الفقير إذا شراها لها ، يدل عليه ما في غاية البيان إذا أوجب شاة بعينها أو اشتراها ليضحي بها فمضت أيام النحر قبل أن يذبحها تصدق بها حية ، ولا يأكل من لحمها لأنه انتقل الواجب من إراقة الدم إلى التصدق ، وإن لم يوجب ولم يشتر وهو موسر وقد مضت أيامها تصدق بقيمة شاة تجزي للأضحية ا هـ ففيه دلالة واضحة على ما قلنا ، ثم رأيته في الكفاية قال بعد قوله أو فقير شراها لها وإن ذبح لا يأكل منها ، وسيأتي له مزيد بيان إن شاء الله تعالى

( قوله عطف عليه ) أي على فاعل تصدق ( قوله شراها لها ) فلو كانت في ملكه فنوى أن يضحي بها أو اشتراها ولم ينو الأضحية وقت الشراء ثم نوى بعد ذلك لا يجب ، لأن النية لم تقارن الشراء فلا تعتبر بدائع ( قوله لوجوبها عليه بذلك ) أي بالشراء وهذا ظاهر الرواية لأن شراءه لها يجري مجرى الإيجاب وهو النذر بالتضحية عرفا كما في البدائع . ووقع في التتارخانية التعبير بقوله شراها لها أيام النحر ، وظاهره أنه لو شراها لها قبلها لا تجب ولم أره صريحا فليراجع ( قوله وتصدق بقيمتها غني شراها أو لا ) كذا في الهداية وغيرها كالدرر . وتعقبه الشيخ شاهين بأن وجوب التصدق بالقيمة مقيد بما إذا لم يشتر ، أما إذا اشترى فهو مخير بين التصدق بالقيمة أو التصدق بها حية كما في الزيلعي أبو السعود .

وأقول : ذكر في البدائع أن الصحيح أن الشاة المشتراة للأضحية إذا لم يضح بها حتى مضى الوقت يتصدق الموسر بعينها حية كالفقير بلا خلاف بين أصحابنا ، فإن محمدا قال وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقولنا ا هـ وتمامه فيه ، وهو الموافق لما قدمناه آنفا عن غاية البيان ، وعلى كل فالظاهر أنه لا يحل له الأكل منها إذا ذبحها كما لا يجوز له حبس شيء من قيمتها تأمل ( قوله فالمراد بالقيمة إلخ ) بيان لما أجمله المصنف ، لأن قوله تصدق بقيمتها ظاهر فيما إذا اشتراها لأن قيمتها تعلم ، أما إذا لم يشترها فما معنى أنه يتصدق بقيمتها فإنها غير معينة ; فبين أن المراد إذا لم يشترها قيمة شاة تجزئ في الأضحية كما في الخلاصة وغيرها . قال القهستاني ، أو قيمة شاة وسط كما في الزاهدي والنظم وغيرهما




الخدمات العلمية