الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ) ( غلط اثنان وذبح كل شاة صاحبه ) يعني عن نفسه على ما دل عليه قوله غلط أو لم يغلطا فيكون كل واحد وكيلا عن الآخر دلالة هداية قاله ابن الكمال ، وظاهر كلام صدر الشريعة وغيره وقوعه عن صاحبه [ ص: 330 ] ( صح ) استحسانا ( بلا غرم ) ويتحالان ولو أكلا ولم يعرفا ثم عرفا هداية ، وإن تشاحا ضمن كل لصاحبه قيمة لحمه وتصدق بها .

قلت : وفي أوائل القاعدة الأولى من الأشباه : لو شراها بنية الأضحية فذبحها غيره بلا إذنه ، فإن أخذها مذبوحة ولم يضمنه أجزأته ، وإن ضمنه لا تجزئه ، وهذا إذا ذبحها عن نفسه . أما إذا ذبحها عن مالكها فلا ضمان [ ص: 331 ] عليه ا هـ فراجعه ( كما ) يصح ( لو ضحى بشاة الغصب ) إن ضمنه قيمتها حية ; كما إذا باعها وكذا لو أتلفها ضمن لصاحبها قيمتها هداية لظهور أنه ملكها بالضمان من وقت الغصب ( لا الوديعة وإن ضمنها ) لأن سبب ضمانه هنا بالذبح والملك يثبت بعد تمام السبب وهو الذبح فيقع في غير ملكه .

قلت : ويظهر أن العارية كالوديعة والمرهونة كالمغصوبة لكونها مضمونة بالدين ، وكذا المشتركة فليراجع .

التالي السابق


( قوله ولو غلط اثنان إلخ ) قال الأتقاني : قوله غلط شرط ، لما في نوادر ابن سماعة عن محمد : لو تعمد فذبح أضحية رجل عن نفسه لم يجز عن صاحبها وفي الغلط جاز عن صاحبها ولا يشبه العمد الغلط ، ولو ضمنه قيمتها في العمد جازت عن الذابح . وفي الإملاء قال محمد : لو ذبحها متعمدا عن صاحبه يوم النحر ولم يأمره جاز أيضا استحسانا لأنها هيئت للذبح ا هـ . ( قوله وذبح كل شاة صاحبه ) يعني شاة الأضحية ، وكان الأولى التعبير به كما في الكنز والهداية ليفيد أنها لو لم تكن للأضحية تكون مضمونة عليه شرنبلالية ( قوله يعني عن نفسه ) صرح به في البدائع وغيرها ، فلو نواها ، عن صاحبه مع ظنه أنها أضحية نفسه هل تقع عن المالك أيضا ؟ الظاهر نعم ، ولم أره فليراجع ( قوله على ما دل عليه قوله غلط ) لأنه يفيد أنه ظن كونها شاته فلا يذبحها إلا عن نفسه عادة

( قوله أو لم يغلطا ) من هنا إلى قوله عن صاحبه يوجد في بعض النسخ ولفظة أو لم يغلطا سبق قلم إذ لا وجود لها في كلام غيره ، وقوله فيكون كل واحد وكيلا عن الآخر دلالة هداية كان ينبغي ذكره عقب قوله صح استحسانا . وعبارة الهداية : وجه الاستحسان أنها تعينت للذبح لتعينها للأضحية ، حتى وجب عليه أن يضحي بها في أيام النحر أي لو كان المضحي فقيرا نهاية . ويكره أن يبدل بها غيرها أي إذا كان غنيا نهاية ، فصار المالك مستعينا بكل من يكون أهلا للذبح آذنا له دلالة ا هـ ، فقوله هداية نقل لحاصل المعنى ، وقوله قاله ابن الكمال فيه أنه لم ينقله ابن الكمال عن الهداية ، ولعل ضمير قاله زائد ومقول القول ما بعده وهو قوله وظاهر كلام [ ص: 330 ] صدر الشريعة وغيره وقوعه عن صاحبه ، لكنه يوهم أن ابن الكمال ذكره في شرحه مع أنه ذكره في منهواته على الهامش . ثم إن ما ذكر أنه ظاهر كلام صدر الشريعة هو المصرح به في كتب المذهب . وقال ط : أهل المذهب إلا زفر أجمعوا على أنها تقع عن المالك للإذن دلالة ( قوله صح استحسانا بلا غرم ) أي صح عن صاحبه ، فتقع كل أضحية عن مالكها كما علمت فيأخذ كل منهما مسلوخته وقدمنا وجه الاستحسان .

وأما القياس وهو قول زفر فهو أنه يضمن له قيمتها لأنه ذبح شاة غيره بغير إذنه ( قوله ويتحالان ) أي إن كانا قد أكلا ثم علما فليحلل كل منهما صاحبه هداية ( قوله وإن تشاحا ) أي عن التحليل ( قوله وتصدق بها ) لأنها بدل عن اللحم فصار كما لو باعه ، لأن التضحية لما وقعت عن صاحبه كان اللحم له ، ومن أتلف لحم أضحية غيره فالحكم فيه ما ذكرنا هداية . أقول : ومقتضى قوله لأنها بدل عن اللحم إلخ أن التضمين لقيمة اللحم لا لقيمتها حية ولذا وقعت عن المالك . بقي شيء وهو أن قول المصنف السابق بلا غرم وكذا قول الهداية ولا ضمان عليهما وقولهم لأنه صار ذابحا لإذن دلالة يفيد أنه لو أراد كل تضمين صاحبه قيمتها لم يكن له ذلك . وفي البدائع ما يخالفه حيث قال : لو تشاحا وأدى كل منهما الضمان عن نفسه تقع الأضحية له وجازت عنه لأنه ملكها بالضمان ا هـ فعلى هذا لكل منهما الخيار بين تضمين صاحبه وتكون ذبيحة كل أضحية عن نفسه وبين عدم التضمين فتكون ذبيحة كل أضحية عن صاحبه ، ويحمل قولهم بلا غرم على ما إذا رضي كل بفعل الآخر تأمل ( قوله قلت إلخ ) لما كانت المسألة السابقة فيما إذا غلط الذابح وذبح عن نفسه أراد أن يبين ما إذا تعمد ذبح أضحية بلا أمره صريحا فذبح عن نفسه أو عن المالك وقدمناه ملخصا عن الأتقاني ( قوله أجزأته ) أي أجزأت الشاري عن التضحية لأنه قد نواها فلا يضره ذبحها غيره على ما بينا زيلعي

( قوله وإن ضمنه إلخ ) أي ضمنه الشاري قيمتها لا تجزي الشاري وتجوز عن الذابح لأنه ظهر أن الإراقة حصلت على ملكه زيلعي ( قوله وهذا ) أي وقوعها عن المالك إن لم يضمن الذابح وعدم وقوعها عنه بل عن الذابح إن ضمنه ( قوله أما إذا ذبحها إلخ ) قال في الشرنبلالية عن منية المفتي : وإذا ذبح أضحية الغير ناويا مالكها بغير أمره جاز ولا ضمان عليه ا هـ وهذا استحسان لوجود الإذن دلالة كما في البدائع . قال في التتارخانية : أطلق المسألة في الأصل وقيدها في الأجناس بما إذا أضجعها صاحبها للأضحية . وفي الغياثية : والأول هو المختار ا هـ أي للاكتفاء بالنية عند الشراء فتعينت لها كما قدمناه قبل صفحة واستفيد منه أنه لو كانت غير معينة لا تجزي وضمن . قال في الخانية : اشترى خمس شياه في أيام الأضحية وأراد أن يضحي بواحدة منها إلا أنه لم يعينها فذبح رجل واحدة منها يوم الأضحى بنية صاحبها بلا أمره ضمن ا هـ . والذي تحرر في هذا المحل أنه لو غلط فذبح أضحية غيره عن نفسه فالمالك بالخيار إن ضمنه وقعت عن الذابح وإلا فعن المالك على ما قدمناه عن البدائع ، وكذا لو تعمد وذبحها عن نفسه ، وعليه فلا فرق بينهما وتأمله مع [ ص: 331 ] ما قدمنا عن الأتقاني أن العمد لا يشبه الغلط .

وأما لو ذبحها عن المالك وقعت عن المالك ، وهل له الخيار أيضا ؟ لم أره ، والظاهر نعم والله تعالى أعلم ( قوله كما يصح ) أي عن الذابح ( قوله إن ضمنه قيمتها حية لظهور إلخ ) كذا في النسخ الصحيحة ، وفي بعض النسخ زيادة يجب إسقاطها إذ لا معنى لها هنا سوى قوله كما إذا باعها أي فإنه يصح البيع إذا ضمنه المالك لوقوع الملك مستندا ، وأفاد أن المالك له أخذها مذبوحة . قال في البدائع : غصب شاة فضحى بها عن نفسه لا تجزئه لعدم الملك ولا عن صاحبها لعدم الإذن ، ثم إن أخذها صاحبها مذبوحة وضمنه النقصان فكذلك لا تجوز عنهما وعلى كل أن يضحي بأخرى ، وإن ضمنه قيمتها حية تجزئ عن الذابح لأنه ملكها بالضمان من وقت الغصب بطريق الاستناد فصار ذابحا شاة هي ملكه فتجزيه ولكنه يأثم لأن ابتداء فعله وقع محظورا فيلزمه التوبة والاستغفار ا هـ . أقول : ولا يخالف هذا ما مر عن الأشباه والزيلعي من أنه إن ضمنه وقعت عن الذابح وإلا فعن المالك لأن ذاك فيما إذا أعدها صاحبها للأضحية فيكون الذابح مأذونا دلالة كما مر تقريره وهنا في غيره ، ولذا عبروا هنا بشاة الغصب ولم يعبروا بأضحية الغير فافهم ( قوله لظهور إلخ ) علة لتقييد الصحة بالضمان . وفي القهستاني : وقيل إنما يجوز إذا أدى الضمان في أيام النحر . وعن أبي يوسف وزفر أنه لا يصح ( قوله فيقع في غير ملكه ) بخلاف الغصب لظهور الملك فيه مستندا كما مر ، ولصدر الشريعة هنا بحث مذكور مع جوابه في المنح

( قوله قلت ويظهر إلخ ) قال في الشرنبلالية : المراد الوديعة كل شاة كانت أمانة كما في الفيض عن الزندوستي ا هـ ح وفي البدائع : وكل جواب عرفته في الوديعة فهو الجواب في العارية والإجارة بأن استعار ناقة أو ثورا أو بعيرا أو استأجره فضحى به أنه لا يجزيه عن الأضحية سواء أخذها المالك ، أو ضمنه القيمة لأنها أمانة في يده وإنما يضمنها بالذبح فصار كالوديعة ا هـ . وزاد في الخلاصة والبزازية والقهستاني عن النظم : المستبضع والمرتهن والوكيل بشراء الشاة والوكيل بحفظ ماله إذا ضحى بشاة موكله والزوج أو الزوجة إذا ضحى بشاة صاحبه بلا إذنه ( قوله والمرهونة كالمغصوبة ) مخالف لما في الظهيرية من أنها كالوديعة ، وكذا لما قدمناه عن الخلاصة وغيرها ، لكن في التتارخانية عن الصيرفية : إذا ضحى المرتهن بالشاة المرهونة لا يجوز . وقال القاضي جمال الدين : يجوز ولو ضحى بها الراهن يجوز ا هـ خانية . وفي البدائع : ولو كان مرهونا ينبغي أن يجوز لأنه يصير ملكا له من وقت القبض كما في الغصب بل أولى ، ومن المشايخ من فصل فقال : إن كان قدر الدين يجوز ، وإن أكثر ينبغي أن لا يجوز لأن بعضه مضمون وبعضه أمانة ، ففي قدر الأمانة إنما يضمنه بالذبح فيكون بمنزلة الوديعة ا هـ ( قوله وكذا المشتركة ) يعني أنها أمانة لظهور أن نصيب شريكه أمانة في يده ا هـ ح أي فلا تجزي كالوديعة ، ولا يخفى أن المراد شاة واحدة مشتركة ، بخلاف شاتين بين رجلين ضحيا بهما فإنه يجوز كما يذكره قريبا




الخدمات العلمية