الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( دعي إلى وليمة [ ص: 348 ] وثمة لعب أو غناء قعد وأكل ) لو المنكر في المنزل ، فلو على المائدة لا ينبغي أن يقعد بل يخرج معرضا لقوله تعالى : - { فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } - ( فإن قدر على المنع فعل وإلا ) يقدر ( صبر إن لم يكن ممن يقتدى به فإن كان ) مقتدى ( ولم يقدر على المنع خرج ولم يقعد ) لأن فيه شين الدين والمحكي عن الإمام كان قبل أن يصير مقتدى به ( وإن علم أولا ) باللعب ( لا يحضر أصلا ) سواء كان ممن يقتدى به أو لا لأن حق الدعوة إنما يلزمه بعد الحضور لا قبله ابن كمال . وفي السراج ودلت المسألة أن الملاهي كلها حرام ويدخل عليهم بلا إذنهم لإنكار المنكر قال ابن مسعود [ ص: 349 ] صوت اللهو والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء النبات . قلت : وفي البزازية استماع صوت الملاهي كضرب قصب ونحوه حرام لقوله عليه الصلاة والسلام " { استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر } " أي بالنعمة فصرف الجوارح إلى غير ما خلق لأجله كفر بالنعمة لا شكر فالواجب كل الواجب أن يجتنب كي لا يسمع لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام أدخل أصبعه في أذنه عند سماعه } " وأشعار العرب لو فيها ذكر الفسق [ ص: 350 ] تكره ا هـ أو لتغليظ الذنب كما في الاختيار أو للاستحلال كما في النهاية . [ فائدة ]

ومن ذلك ضرب النوبة للتفاخر ، فلو للتنبيه فلا بأس به كما إذا ضرب في ثلاثة أوقات لتذكير ثلاث نفخات الصور لمناسبة بينهما فبعد العصر للإشارة إلى نفخة الفزع ، وبعد العشاء إلى نفخة الموت وبعد نصف الليل إلى نفخة البعث وتمامه فيما علقته على الملتقى والله أعلم

.

التالي السابق


( قوله دعي إلى وليمة ) وهي طعام العرس وقيل الوليمة اسم لكل طعام . وفي الهندية عن التمرتاشي : اختلف في إجابة الدعوى قال بعضهم : واجبة لا يسع تركها وقال العامة : هي سنة ، والأفضل أن يجيب إذا كانت وليمة وإلا فهو مخير والإجابة أفضل ، لأن فيها إدخال السرور في قلب المؤمن وإذا أجاب فعل ما عليه أكل أو لا ، والأفضل أن يأكل لو غير صائم وفي البناية إجابة الدعوة سنة وليمة أو غيرها ، وأما دعوة يقصد بها التطاول أو إنشاء الحمد أو ما أشبهه فلا ينبغي إجابتها لا سيما أهل العلم فقد قيل ما وضع أحد يده في قصعة غيره إلا ذل له ا هـ ط ملخصا . وفي الاختيار : وليمة العرس سنة قديمة إن لم يجبها أثم لقوله صلى الله عليه وسلم " { من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ، فإن كان صائما أجاب ودعا ، وإن لم يكن صائما أكل ودعا ، وإن لم يأكل ولم يجب أثم وجفا } " لأنه استهزاء بالمضيف وقال عليه الصلاة والسلام " { لو دعيت إلى كراع لأجبت } " ا هـ . ومقتضاه أنها سنة مؤكدة ، بخلاف غيرها وصرح شراح الهداية بأنها قريبة من الواجب .

وفي التتارخانية [ ص: 348 ] عن الينابيع : لو دعي إلى دعوة فالواجب الإجابة إن لم يكن هناك معصية ولا بدعة والامتناع أسلم في زماننا إلا إذا علم يقينا أن لا بدعة ولا معصية ا هـ والظاهر حمله على غير الوليمة لما مر ويأتي تأمل ( قوله وثمة لعب ) بكسر العين وسكونها والغناء بالكسر ممدودا السماع ومقصورا اليسار ( قوله لا ينبغي أن يقعد ) أي يجب عليه قال في الاختيار لأن استماع اللهو حرام والإجابة سنة والامتناع عن الحرام أولى ا هـ وكذا إذا كان على المائدة قوم يغتابون لا يقعد فالغيبة أشد من اللهو واللعب تتارخانية ( قوله ولو على المائدة إلخ ) كان عليه أن يذكره قبيل قول المصنف الآتي : وإن علم كما فعل صاحب الهداية ، فإن قول المصنف فإن قدر إلخ فيما لو كان المنكر في المنزل لا على المائدة ففي كلامه إيهام لا يخفى ( قوله بعد الذكرى ) أي تذكر النهي ط .

( قوله فعل ) أي فعل المنع وجوبا إزالة للمنكر ( قوله صبر ) أي مع الإنكار بقلبه قال عليه الصلاة والسلام " { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } " ا هـ أي أضعف أحواله في ذاته : أي إنما يكون ذلك إذا اشتد ضعف الإيمان ، فلا يجد الناهي أعوانا على إزالة المنكر ا هـ ط وهذا لأن إجابة الدعوة سنة فلا يتركها لما اقترن به من البدعة من غيره كصلاة الجنازة واجبة الإقامة وإن حضرتها نياحة هداية ، وقاسها على الواجب لأنها قريبة منه لورود الوعيد بتركها كفاية ( قوله والمحكي عن الإمام ) أي من قوله ابتليت بهذا مرة فصبرت هداية .

( قوله وإن علم أولا ) أفاد أن ما مر فيما إذا لم يعلم قبل حضوره ( قوله لا يحضر أصلا ) إلا إذا علم أنهم يتركون ذلك احتراما له فعليه أن يذهب إتقاني ( قوله ابن كمال ) لم أره فيه نعم ذكره في الهداية قال ط وفيه نظر والأوضح ما في التبيين حيث قال : لأنه لا يلزمه إجابة الدعوة إذا كان هناك منكر ا هـ . قلت : لكنه لا يفيد وجه الفرق بين ما قبل الحضور وما بعده ، وساق بعد هذا في التبيين ما رواه ابن ماجه { أن عليا رضي الله عنه قال : صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع } ا هـ . قلت : مفاد الحديث أنه يرجع ولو بعد الحضور وأنه لا تلزم الإجابة مع المنكر أصلا تأمل .

( قوله ودلت المسألة إلخ ) لأن محمدا أطلق اسم اللعب والغناء فاللعب وهو اللهو حرام بالنص قال عليه الصلاة والسلام " { لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث : تأديبه فرسه } " وفي رواية " { ملاعبته بفرسه ورميه عن قوسه وملاعبته مع أهله } " كفاية وكذا قول الإمام ابتليت دليل على أنه حرام إتقاني ، وفيه كلام لابن الكمال فيه فراجعه متأملا ( قوله ويدخل عليهم إلخ ) لأنهم أسقطوا حرمتهم بفعلهم المنكر فجاز هتكها كما للشهود أن ينظروا إلى عورة الزاني حيث هتك حرمة نفسه وتمامه في المنح ( قوله قال ابن مسعود إلخ ) رواه في السنن مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ : { إن الغناء ينبت النفاق في القلب } " كما في غاية البيان وقيل إن تغنى ليستفيد نظم القوافي ويصير فصيح اللسان لا بأس به ، وقيل : إن تغنى وحده لنفسه لدفع الوحشة لا بأس به وبه أخذ السرخسي وذكر شيخ الإسلام [ ص: 349 ] أن كل ذلك مكروه عند علمائنا . واحتج بقوله تعالى - { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } - الآية جاء في التفسير : أن المراد الغناء وحمل ما وقع من الصحابة على إنشاء الشعر المباح الذي فيه الحكم والمواعظ ، فإن لفظ الغناء كما يطلق على المعروف يطلق على غيره كما في الحديث " { من لم يتغن بالقرآن فليس منا } " وتمامه في النهاية وغيرها . [ تنبيه ]

عرف القهستاني الغناء بأنه ترديد الصوت بالألحان في الشعر مع انضمام التصفيق المناسب لها قال فإن فقد قيد من هذه الثلاثة لم يتحقق الغناء ا هـ قال في الدر المنتقى : وقد تعقب بأن تعريفه هكذا لم يعرف في كتبنا فتدبر ا هـ . أقول : وفي شهادات فتح القدير بعد كلام عرفنا من هذا أن التغني المحرم ما كان في اللفظ ما لا يحل كصفة الذكور والمرأة المعينة الحية ووصف الخمر المهيج إليها والحانات والهجاء لمسلم أو ذمي إذا أراد المتكلم هجاءه لا إذا أراد إنشاده للاستشهاد به أو ليعلم فصاحته وبلاغته ، وكان فيه وصف امرأة ليست كذلك أو الزهريات المتضمنة وصف الرياحين والأزهار والمياه فلا وجه لمنعه على هذا ، نعم إذا قيل ذلك على الملاهي امتنع وإن كان مواعظ وحكما للآلات نفسها لا لذلك التغني ا هـ ملخصا وتمامه فيه فراجعه ، وفي الملتقى وعن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه كره رفع الصوت عند قراءة القرآن والجنازة والزحف والتذكير ، فما ظنك به عند الغناء الذي يسمونه وجدا ومحبة فإنه مكروه لا أصل له في الدين . قال الشارح : زاد في الجوهرة : وما يفعله متصوفة زماننا حرام لا يجوز القصد والجلوس إليه ومن قبلهم لم يفعل كذلك ، وما نقل أنه عليه الصلاة والسلام سمع الشعر لم يدل على إباحة الغناء . ويجوز حمله على الشعر المباح المشتمل على الحكمة والوعظ ، وحديث تواجده عليه الصلاة والسلام لم يصح ، وكان النصرآباذي يسمع فعوتب فقال : إنه خير من الغيبة فقيل له هيهات بل زلة السماع شر من كذا وكذا سنة يغتاب الناس ، وقال السري : شرط الواجد في غيبته أن يبلغ إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لا يشعر فيه بوجع ا هـ . قلت : وفي التتارخانية عن العيون إن كان السماع سماع القرآن والموعظة يجوز ، وإن كان سماع غناء فهو حرام بإجماع العلماء ومن أباحه من الصوفية ، فلمن تخلى عن اللهو ، وتحلى بالتقوى ، واحتاج إلى ذلك احتياج المريض إلى الدواء . وله شرائط ستة : أن لا يكون فيهم أمرد ، وأن تكون جماعتهم من جنسهم ، وأن تكون نية القول الإخلاص لا أخذ الأجر والطعام ، وأن لا يجتمعوا لأجل طعام أو فتوح ، وأن لا يقوموا إلا مغلوبين وأن لا يظهروا وجدا إلا صادقين .

والحاصل : أنه لا رخصة في السماع في زماننا لأن الجنيد رحمه الله تعالى تاب عن السماع في زمانه ا هـ وانظر ما في الفتاوى الخيرية ( قوله ينبت النفاق ) أي العملي ( قوله كضرب قصب ) الذي رأيته في البزازية قضيب بالضاد المعجمة والمثناة بعدها ( قوله فسق ) أي خروج عن الطاعة ولا يخفى أن في الجلوس عليها استماعا لها والاستماع معصية فهما معصيتان ( قوله فصرف الجوارح إلخ ) ساقه تعليلا لبيان صحة إطلاق الكفر على كفران النعمة ط ( قوله فالواجب ) تفريع على قوله استماع الملاهي معصية ط ( قوله أدخل أصبعه في أذنه ) الذي رأيته في البزازية [ ص: 350 ] والمنح بالتثنية ( قوله تكره ) أي تكره قراءتها فكيف التغني بها . قال في التتارخانية : قراءة الأشعار إن لم يكن فيها ذكر الفسق والغلام ونحوه لا تكره .

وفي الظهيرية : قيل معنى الكراهة في الشعر أن يشغل الإنسان عن الذكر والقراءة وإلا فلا بأس به ا هـ .

وقال في تبيين المحارم : واعلم أن ما كان حراما من الشعر ما فيه فحش أو هجو مسلم أو كذب على الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو على الصحابة أو تزكية النفس أو الكذب أو التفاخر المذموم ، أو القدح في الأنساب ، وكذا ما فيه وصف أمرد أو امرأة بعينها إذا كانا حيين ، فإنه لا يجوز وصف امرأة معينة حية ولا وصف أمرد معين حي حسن الوجه بين يدي الرجال ولا في نفسه ، وأما وصف الميتة أو غير المعينة فلا بأس وكذا الحكم في الأمرد ولا وصف الخمر المهيج إليها والديريات والحانات والهجاء ولو لذمي كذا في ابن الهمام والزيلعي . وأما وصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر أوصاف النساء والمرد قال بعضهم : فيه نظر ، وقال في المعارف : لا يليق بأهل الديانات ، وينبغي أن لا يجوز إنشاده عند من غلب عليه الهوى والشهوة لأنه يهيجه على إجالة فكره فيمن لا يحل ، و ما كان سببا لمحظور فهو محظور ا هـ .

أقول : وقدمنا أن إنشاده للاستشهاد لا يضر ومثله فيما يظهر إنشاده أو عمله لتشبيهات بليغة واستعارات بديعة ( قوله أو لتغليظ الذنب ) عطف على قوله أي بالنعمة يعني إنما أطلق عليه لفظ الكفر تغليظا ا هـ ح ( قوله ومن ذلك ) أي من الملاهي ط ( قوله ثلاث نفخات الصور ) هي طريقة لبعضهم ، والمشهور أنهما نفختان نفخة الصعق ونفخة البعث ط ( قوله لمناسبة بينهما ) أي بين النفخات والضرب في الثلاثة الأوقات ( قوله فبعد العصر إلخ ) بيان للمناسبة فإن الناس بعد العصر يفزعون من أسواقهم إلى منازلهم ، وبعد العشاء وقت نومهم وهو الموت الأصغر ، وبعد نصف الليل يخرجون من بيوتهم التي هي كقبورهم إلى أعمالهم . أقول : وهذا يفيد أن آلة اللهو ليست محرمة لعينها ، بل لقصد اللهو منها إما من سامعها أو من المشتغل بها وبه تشعر الإضافة ألا ترى أن ضرب تلك الآلة بعينها حل تارة وحرم أخرى باختلاف النية بسماعها و الأمور بمقاصدها وفيه دليل لساداتنا الصوفية الذين يقصدون أمورا هم أعلم بها ، فلا يبادر المعترض بالإنكار كي لا يحرم بركتهم ، فإنهم السادة الأخيار أمدنا الله تعالى بإمداداتهم ، وأعاد علينا من صالح دعواتهم وبركاتهم ( قوله وتمامه فيما علقته على الملتقى ) حيث قال بعد عزوه ما مر إلى الملاعب للإمام البزدوي وينبغي أن يكون بوق الحمام يجوز كضرب النوبة . وعن الحسن لا بأس بالدف في العرس ليشتهر . وفي السراجية هذا إذا لم يكن له جلاجل ولم يضرب على هيئة التطرب ا هـ .

أقول : وينبغي أن يكون طبل المسحر في رمضان لإيقاظ النائمين للسحور كبوق الحمام تأمل

.



الخدمات العلمية