الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 387 ] ( و ) جاز ( دخول الذمي مسجدا ) مطلقا وكرهه مالك مطلقا وكرهه محمد والشافعي وأحمد في المسجد الحرام .

قلنا : النهي تكويني لا تكليفي وقد جوزوا عبور عابر السبيل جنبا وحينئذ فمعنى لا يقربوا لا يحجوا ولا يعتمروا عراة بعد حج عامهم هذا عام تسع حين أمر الصديق ونادى علي بهذه السورة قال : ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ولا يطوف عريان رواه الشيخان وغيرهما فليحفظ قلت : ولا تنس ما مر في فصل الجزية

التالي السابق


( قوله وجاز دخول الذمي مسجدا ) ولو جنبا كما في الأشباه ، وفي الهندية عن التتمة يكره للمسلم الدخول في البيعة والكنيسة ، وإنما يكره من حيث إنه مجمع الشياطين لا من حيث إنه ليس له حق الدخول ا هـ وانظر هل المستأمن ورسول أهل الحرب مثله ومقتضى استدلالهم على الجواز بإنزال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في المسجد جوازه ويحرر ط ( قوله مطلقا ) أي المسجد الحرام وغيره ( قوله قلنا ) أي في الجواب عما استدل به المانعون ، وهو قوله تعالى - { فلا يقربوا المسجد الحرام } - وما ذكره مأخوذ من الحواشي السعدية ( قوله تكويني ) نسبة إلى التكوين الذي هو صفة قديمة ترجع إليها صفات الأفعال عند الماتريدية ، فمعنى لا يقربوا : لا يخلق الله فيهم القربان ، ومثال الأمر التكويني : { ائتيا طوعا أو كرها } : ومثال الأمر التكليفي ويقال التدويني أيضا : أقيموا الصلاة : والفرق أن الامتثال لا يتخلف عن الأول عقلا بخلاف الثاني ا هـ ح وحاصله أنه خبر منفي في صورة النهي تأمل ( قوله لا تكليفي ) بناء على أن الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع ( قوله وقد جوزوا إلخ ) هذا إنما يحسن لو ذكر دليل الشافعي الذي من جملته ، ولأن الكافر لا يخلو عن الجنابة فوجب تنزيه المسجد عنه وحاصل كلامه : أن هذا الدليل لا يتم لأنه قد جوز إلخ ط ( قوله فمعنى لا يقربوا إلخ ) تفريع على قوله تكويني وهو ظاهر ، فإنه لم ينقل أنهم بعد ذلك اليوم حجوا واعتمروا عراة كما كانوا يفعلون في الجاهلية فافهم .

قال في الهداية ولنا ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام أنزل وفد ثقيف في مسجده وهم كفار } ، ولأن الخبث في اعتقادهم فلا يؤدي إلى تلويث المسجد والآية محمولة على الحضور استيلاء واستغلاء أو طائفين عراة كما كانت عادتهم في الجاهلية ا هـ أي فليس الممنوع نفس الدخول يدل عليه ما في صحيح البخاري بإسناده إلى أحمد بن عبد الرحمن بن عوف { أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره فيها النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس ألا لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان } ، إتقاني ( قوله عام تسع ) بالجر بدل من عامهم ط ( قوله ونادى علي بهذه السورة ) كذا في كثير من النسخ التي رأيتها وفي نسخة ونادى على بعيره بسورة براءة ، وهي التي كتب عليها ط وقال إن المنادي على البعير بأربعين آية من أول سورة براءة هو علي كرم الله وجهه ، وقد أرسله عليه الصلاة والسلام عقب الصديق ، فلحقه والحكمة في ذلك ليكون الآمر من أهل بيته عليه الصلاة والسلام ا هـ ( قوله ولا تنس ما مر في فصل الجزية ) حيث قال : وأما دخوله المسجد الحرام فذكر في السير الكبير المنع .

وفي الجامع الصغير عدمه والسير الكبير آخر تصنيف الإمام محمد رحمه الله تعالى ، والظاهر أنه أورد فيه ما استقر عليه الحال ا هـ .

أقول : غايته أن يكون ما في السير الكبير هو قول محمد الذي استقر عليه رأيه ولذا ذكره الشارح آنفا مع الشافعي وأحمد ، وما ذكره أصحاب المتون هنا مبني على قول الإمام ، لأن شأن المتون ذلك غالبا تأمل هذا .

وذكر الشارح في الجزية أيضا أنهم يمنعون من استيطان مكة والمدينة لأنهما من أرض العرب قال عليه الصلاة والسلام [ ص: 388 ] { لا يجتمع في أرض العرب دينان } " ولو دخل لتجارة جاز ولا يطيل ا هـ




الخدمات العلمية