الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) كره قوله ( بحق رسلك وأنبيائك وأوليائك ) أو بحق البيت لأنه لا حق للخلق على الخالق تعالى ولو قال لآخر بحق الله أو بالله أن تفعل كذا لا يلزمه ذلك وإن كان الأولى فعله درر .

وفي المختارات قال ابن المبارك : سأل لوجه الله أو لحق الله يعجبني أن لا يعطيه شيئا لأنه عظم ما حقر الله وفيها قرأ القرآن ولم يعمل بموجبه يثاب على قراءته كمن يصلي ويعصي .

[ ص: 398 ] فرع ]

هل يكره رفع الصوت بالذكر والدعاء ؟ قيل نعم وتمامه قبيل جنايات البزازية .

التالي السابق


( قوله وكره قوله بحق رسلك إلخ ) هذا لم يخالف فيه أبو يوسف بخلاف مسألة المتن السابقة كما أفاده الأتقاني . وفي التتارخانية وجاء في الآثار ما دل على الجواز ( قوله لأنه لا حق للخلق على الخالق ) قد يقال إنه لا حق لهم وجوبا على الله تعالى ، لكن الله سبحانه وتعالى جعل لهم حقا من فضله أو يراد بالحق الحرمة والعظمة ، فيكون من باب الوسيلة وقد قال تعالى : - { وابتغوا إليه الوسيلة } - : وقد عد من آداب الدعاء التوسل على ما في الحصن ، وجاء في رواية : " { اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي إليك ، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا } " الحديث ا هـ ط عن شرح النقاية لمنلا علي القاري ويحتمل أن يراد بحقهم علينا من وجوب الإيمان بهم وتعظيمهم ، وفي اليعقوبية يحتمل أن يكون الحق مصدرا لا صفة مشبهة فالمعنى بحقية رسلك فلا منع فليتأمل ا هـ أي المعنى بكونهم حقا لا بكونهم مستحقين .

أقول : لكن هذه كلها احتمالات مخالفة لظاهر المتبادر من هذا اللفظ ومجرد إيهام اللفظ ما لا يجوز كاف في المنع كما قدمناه فلا يعارض خبر الآحاد فلذا والله أعلم أطلق أئمتنا المنع على أن إرادة هذه المعاني مع هذا الإيهام فيها الإقسام بغير الله تعالى ، وهو مانع آخر تأمل . نعم ذكر العلامة المناوي في حديث " { اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة } " عن العز بن عبد السلام أنه ينبغي كونه مقصورا على النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يقسم على الله بغيره وأن يكون من خصائصه قال وقال السبكي : يحسن التوسل بالنبي إلى ربه ولم ينكره أحد من السلف ولا الخلف إلا ابن تيمية فابتدع ما لم يقله عالم قبله ا هـ ونازع العلامة ابن أمير حاج في دعوى الخصوصية ، وأطال الكلام على ذلك في الفصل الثالث عشر آخر شرحه على المنية فراجعه ( قوله سأل ) أي طلب من شخص شيئا من الدنيا الحقيرة ( قوله يعجبني أن لا يعطيه شيئا ) محمول على ما إذا لم يعلم ضرورته ط .

أقول : وليتأمل المنع مع ما ذكره شيخ مشايخنا الجراحي مما عند الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " { ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا } " يعني قبيحا ولأبي داود والنسائي وصححه ابن حبان وقال الحاكم على شرط الشيخين عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه " { من يسأل بوجه الله فأعطوه } " وللطبراني " { ملعون من سأل بوجه الله وملعون من يسأل بوجه الله فيمنع سائله } " ا هـ إلا أن يحمل على السؤال من غير الدنيا أو على ما إذا علم عدم حاجته وأن سؤاله للتكثير تأمل ( قوله يثاب على قراءته ) وإن كان يأثم بترك العمل فالثواب من جهة والإثم من أخرى ط [ ص: 398 ]

( قوله قيل نعم ) يشعر بضعفه مع أنه مشى عليه في المختار والملتقى قال : وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره رفع الصوت عند قراءة القرآن والجنازة والزحف والذكر فما ظنك عند الغناء الذي يسمونه وجدا ومحبة فإنه مكروه لا أصل له في الدين ا هـ ( قوله وتمامه قبيل جنايات البزازية ) أقول : اضطرب كلام البزازية فنقل أولا عن فتاوى القاضي أنه حرام لما صح عن ابن مسعود أنه أخرج جماعة من المسجد يهللون ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم جهرا وقال لهم " ما أراكم إلا مبتدعين " ثم قال البزازي وما روي في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال لرافعي أصواتهم بالتكبير " { اربعوا على أنفسكم إنكم لن تدعوا أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا بصيرا قريبا إنه معكم } " الحديث - يحتمل أنه لم يكن للرفع مصلحة فقد روي أنه كان في غزاة ولعل رفع الصوت يجر بلاء والحرب خدعة ولهذا نهى عن الجرس في المغازي ، وأما رفع الصوت بالذكر فجائز كما في الأذان والخطبة والجمعة والحج ا هـ وقد حرر المسألة في الخيرية وحمل ما في فتاوى القاضي على الجهر المضر وقال : إن هناك أحاديث اقتضت طلب الجهر ، وأحاديث طلب الإسرار والجمع بينهما بأن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ، فالإسرار أفضل حيث خيف الرياء أو تأذي المصلين أو النيام والجهر أفضل حيث خلا مما ذكر ، لأنه أكثر عملا ولتعدي فائدته إلى السامعين ، ويوقظ قلب الذاكر فيجمع همه إلى الفكر ، ويصرف سمعه إليه ، ويطرد النوم ويزيد النشاط ا هـ ملخصا .

زاد في التتارخانية : وأما رفع الصوت عند الجنائز فيحتمل أن المراد منه النوح أو الدعاء للميت بعدما افتتح الناس الصلاة أو الإفراط في مدحه كعادة الجاهلية مما هو شبيه المحال ، وأما أصل الثناء عليه فغير مكروه ا هـ وقد شبه الإمام الغزالي ذكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد ، وأذان الجماعة قال : فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد كذلك ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرا في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص واحد .




الخدمات العلمية