الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا بأس بالمسابقة في الرمي والفرس ) والبغل والحمار كذا في الملتقى والمجمع وأقره المصنف هنا خلافا لما ذكره في مسائل شتى فتنبه ( والإبل و ) على ( الأقدام ) لأنه من أسباب الجهاد فكان مندوبا وعند الثلاثة لا يجوز في الأقدام أي بالجعل أما بدونه فيباح في كل الملاعب كما يأتي ( حل الجعل ) وطاب لا أنه يصير مستحقا ذكره البرجندي وغيره وعلله البزازي بأنه لا يستحق بالشرط شيء لعدم العقد والقبض ا هـ ومفاده لزومه بالعقد كما يقول الشافعية فتبصر ( إن شرط المال ) في المسابقة [ ص: 403 ] ( من جانب واحد وحرم لو شرط ) فيها ( من الجانبين ) لأنه يصير قمارا ( إلا إذا أدخلا ثالثا ) محللا ( بينهما ) بفرس كفء لفرسيهما يتوهم أن يسبقهما وإلا لم يجز ثم إذا سبقهما أخذ منهما وإن سبقاه لم يعطهما وفيما بينهما أيهما سبق أخذ من صاحبه ( و ) كذا الحكم ( في المتفقهة ) فإذا شرط لمن معه الصواب صح وإن شرطاه لكل على صاحبه لا درر ومجتبى . [ ص: 404 ] والمصارعة ليست ببدعة إلا للتلهي فتكره برجندي ، وأما السباق بلا جعل فيجوز في كل شيء كما يأتي وعند الشافعية : المسابقة بالأقدام والطير والبقر والسفن والسباحة والصولجان والبندق ورمي الحجر وإشالته باليد والشباك والوقوف على رجل ومعرفة ما بيده من زوج أو فرد واللعب بالخاتم وكذا يحل كل لعب خطر لحاذق تغلب سلامته كرمي لرام وصيد لحية ويحل التفرج عليهم حينئذ وحديث " {حدثوا عن بني إسرائيل } " يفيد حل [ ص: 405 ] سماع الأعاجيب والغرائب من كل ما لا يتيقن كذبه بقصد الفرجة لا الحجة بل وما يتيقن كذبه لكن بقصد ضرب الأمثال والمواعظ وتعليم نحو الشجاعة على ألسنة آدميين أو حيوانات ذكره ابن حجر .

التالي السابق


( قوله ولا بأس بالمسابقة إلخ ) لقوله صلى الله عليه وسلم " { لا سبق إلا في خف أو نصل حافر } " والسبق بفتح الباء ما يجعل من المال للسابق على سبقه ، وبالسكون : مصدر سبقت أي لا تجوز المسابقة بعوض إلا في هذه الأجناس الثلاثة قال الخطابي : والرواية الصحيحة بالفتح أبو السعود عن المناوي قال الجراحي : وزيادة أو جناح موضوع باتفاق المحدثين ا هـ والخف الإبل والحافر الخيل والنصل حديدة السهم والمراد به المراماة والضاد المعجمة تصحيف مغرب ( قوله كذا في الملتقى والمجمع ) ومثله في المختار والمواهب ودرر البحار ( قوله خلافا لما ذكره في مسائل شتى ) أي قبيل كتاب الفرائض حيث اقتصر على الفرس والإبل والأرجل والرمي ، ومثله في الكنز والزيلعي ، وأقره الشارح هناك حيث قال : ولا يجوز الاستباق في غير هذه الأربعة كالبغل بالجعل وأما بلا جعل فيجوز في كل شيء وتمامه في الزيلعي ا هـ ومثله في الذخيرة والخانية والتتارخانية ، ونقل أبو السعود عن العلامة قاسم أنه رد ما في المجمع بأنه لم يقل أحد بالمسابقة على الحمير ، لأن ذلك معلل بالتحريض على الجهاد ، ولم يعهد في الإسلام الجهاد على الحمير ا هـ ولم يذكر البغل مع أن الشرع لم يعتبره حيث لم يجعل له سهما من الغنيمة ، فليس فيه تحريض على الجهاد أيضا ; إلا أن يقال عدم السهم لا يقتضي عدم جواز المسابقة عليه ، لأن الخف لا سهم له ، وتجوز المسابقة عليه بالنص .

أقول : والحاصل أن الحافر المذكور في الحديث عام ، فمن نظر إلى عمومه أدخل البغل والحمار ، ومن نظر إلى العلة أخرجهما لأنهما ليسا آلة جهاد تأمل ( قوله فكان مندوبا ) إنما يكون كذلك بالقصد ; أما إذا قصد التلهي أو الفخر أو لترى شجاعته فالظاهر الكراهة ، لأن الأعمال بالنيات فكما يكون المباح طاعة بالنية تصير الطاعة معصية بالنية ط ( قوله أما بدونه ) ظاهره أنه مرتبط بكلام الأئمة الثلاثة ، وما يأتي يفيد أن هذا لأهل المذهب ط ومثله ما قدمناه آنفا عن مسائل شتى ( قوله فيباح كل الملاعب ) أي التي تعلم الفروسية وتعين على الجهاد ، لأن جواز الجعل فيما مر إنما ثبت بالحديث على خلاف القياس ، فيجوز ما عداها بدون الجعل . وفي القهستاني عن الملتقط من لعب بالصولجان يريد الفروسية يجوز وعن الجواهر قد جاء الأثر في رخصة المصارعة لتحصيل القدرة على المقاتلة دون التلهي فإنه مكروه ( قوله لا أنه يصير مستحقا ) حتى لو امتنع المغلوب من الدفع لا يجبره القاضي ولا يقضي عليه به زيلعي في مسائل شتى ( قوله ومفاده لزومه بالعقد ) انظر ما صورته . وقد يقال معنى قوله لعدم العقد : أي لعدم إمكانه على أن جواز الجعل فيما ذكر استحسان قال الزيلعي : والقياس أن لا يجوز لما [ ص: 403 ] فيه من تعليق التمليك على الخطر ، ولهذا لا يجوز فيما عدا الأربعة كالبغل وإن كان الجعل مشروطا من أحد الجانبين ا هـ فتأمل .

وبالجملة فيحتاج في المسألة إلى نقل صريح ، لأن ما ذكره محتمل ورأيت في المجتبى ما نصه . وفي بعض النسخ فإن سبقه حل المال وإن أبى يجبر عليه ا هـ .

أقول : لكن هذا مخالف لما في المشاهير كالزيلعي والذخيرة والخلاصة والتتارخانية وغيرها من أنه لا يصير مستحقا كما مر فتدبر ( قوله من جانب واحد ) أو من ثالث بأن يقول أحدهما لصاحبه إن سبقتني أعطيتك كذا ، وإن سبقتك لا آخذ منك شيئا أو يقول الأمير لفارسين أو راميين من سبق منكما فله كذا ، وإن سبق فلا شيء له اختيار وغرر الأفكار ( قوله من الجانبين ) بأن يقول إن سبق فرسك فلك علي كذا ، وإن سبق فرسي فلي عليك كذا زيلعي وكذا إن قال إن سبق إبلك أو سهمك إلخ تتارخانية ( قوله لأنه يصير قمارا ) لأن القمار من القمر الذي يزداد تارة وينقص أخرى ، وسمي القمار قمارا لأن كل واحد من المقامرين ممن يجوز أن يذهب ماله إلى صاحبه ، ويجوز أن يستفيد مال صاحبه وهو حرام بالنص ، ولا كذلك إذا شرط من جانب واحد لأن الزيادة والنقصان لا تمكن فيهما بل في أحدهما تمكن الزيادة ، وفي الآخر الانتقاص فقط فلا تكون مقامرة لأنها مفاعلة منه زيلعي ( قوله يتوهم أن يسبقهما ) بيان لقوله كفء ، لفرسيهما أي يجوز أن يسبق أو يسبق ( قوله وإلا لم يجز ) أي إن كان يسبق أو يسبق لا محالة لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم " { من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس به ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار } ، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما زيلعي ( قوله ثم إذا سبقهما إلخ ) صورته أن يقال : إن سبقهما أخذ منهما ألفا إنصافا ، وإن لم يسبق لم يعطهما شيئا ، وإن سبق كل منهما الآخر فله مائة من مال الآخر فلا يعطيهما شيئا إن لم يسبقهما ، ويأخذ منهما الجعل إن سبقهما ويجوز أن يعكس التصوير أخذا وإعطاء وفيما بينهما أيهما سبق أخذ من صاحبه ما شرط له ; وإن سبقاه وجاءا معا فلا شيء لواحد منهما وإن سبق المحلل مع أحدهما ثم جاء الآخر فلا شيء على من مع المحلل بل له ما شرطه الآخر له كما لو سبق ، ثم جاء المحلل ثم جاء الآخر ولا شيء للمحلل ا هـ غرر الأفكار . قال الزيلعي : وإنما جاز هذا لأن الثالث لا يغرم على التقادير كلها قطعا ويقينا وإنما يحتمل أن يأخذ أو لا يأخذ فخرج بذلك من أن يكون قمارا ، فصار كما إذا شرط من جانب واحد ، لأن القمار هو الذي يستوي فيه الجانبان في احتمال الغرامة على ما بينا ا هـ .

[ تتمة ]

يشترط في الغاية أن تكون مما تحتملها الفرس ، وأن يكون في كل من الفرسين احتمال السبق زيلعي وينبغي أن يقال في السهم والأقدام كذلك تأمل . ونقل في غرر الأفكار عن المحرر إن كانت المسابقة على الإبل فاعتبار في السبق بالكتف ، وإن كان على الخيل فبالعنق وقيل الاعتماد على الأقدام ا هـ .

[ فرع ]

في متفرقات التتارخانية عن السراجية يكره الرمي إلى هدف نحو القبلة ( قوله وكذا الحكم في المتفقهة ) أي على هذا التفصيل وكذا المصارعة على هذا التفصيل وإنما جاز ، لأن فيه حثا على الجهاد وتعلم العلم ، فإن قيام الدين بالجهاد والعلم فجاز فيما يرجع إليهما لا غير كذا في فصول العلامي ( قوله فإذا شرط لمن معه الصواب ) أي [ ص: 404 ] لواحد معين معه الصواب لا ما يفيده عموم من وإلا كان عين ما بعده ا هـ ح أي بأن يقول : إن ظهر الصواب معك فلك كذا ، أو ظهر معي فلا شيء لي أو بالعكس . أما لو قالا : من ظهر معه الصواب منا فله على صاحبه كذا فلا يصح ، لأنه شرط من الجانبين وهو قمار إلا إذا أدخلا محللا بينهما كما يفهم من كلامهم ، وصوره ط بأن تكون المسألة ذات أوجه ثلاثة ، وجعلا للثالث جعلا إن ظهر معه الصواب وإن كان مع أحدهما فلا شيء عليه ا هـ تأمل ( قوله والمصارعة ليست ببدعة ) فقد { صرع عليه الصلاة والسلام جمعا منهم ابن الأسود الجمحي ، ومنهم ركانة فإنه صرعه ثلاث مرات متواليات لشرطه أنه إن صرع أسلم } كما في شرح الشمائل للقاري ، قال الجراحي ومصارعته عليه الصلاة والسلام لأبي جهل لا أصل لها ( قوله فيجوز في كل شيء ) أي مما يعلم الفروسية ويعين على الجهاد بلا قصد التلهي كما يظهر من كلام فقهائنا مستدلين بقوله عليه الصلاة والسلام " { لا تحضر الملائكة شيئا من الملاهي سوى النضال } " أي الرمي والمسابقة ، والظاهر أن تسميته لهوا للمشابهة الصورية تأمل ( قوله كما يأتي ) أي في مسائل شتى وقدمنا عبارته ( قوله بالأقدام ) متعلق بعد أي جعلوها بالأقدام وما عطف عليه قال ط : ولا أدري وجه ذكر هذه العبارة غير أنها أوهمت أن القواعد تقتضيها ، وليس كذلك ، بل قواعد المذهب تقتضي أن غالب هذه من اللهو المحرم كالصولجان وما بعده ا هـ ملخصا .

أقول : قدمنا عن القهستاني جواز اللعب بالصولجان وهو الكرة للفروسية وفي جواز المسابقة بالطير عندنا نظر وكذا في جواز معرفة ما في اليد واللعب بالخاتم فإنه لهو مجرد وأما المسابقة بالبقر والسفن والسباحة فظاهر كلامهم الجواز ورمي البندق والحجر كالرمي بالسهم ، وأما إشالة الحجر باليد وما بعده ، فالظاهر أنه إن قصد به التمرن والتقوي على الشجاعة لا بأس به ( قوله والبندق ) أي المتخذ من الطين ط ومثله المتخذ من الرصاص ( قوله وإشالته باليد ) ليعلم الأقوى منهما ط ( قوله والشباك ) أي المشابكة بالأصابع مع فتل كل يد صاحبه ليعلم الأقوى كذا ظهر لي ( قوله ومعرفة ما بيده من زوج أو فرد واللعب بالخاتم ) سمعت من بعض فقهاء الشافعية أن جواز ذلك عندهم إذا كان مبنيا على قواعد حسابية مما ذكره علماء الحساب في طريق استخراج ذلك بخصوصه لا بمجرد الحزر والتخمين .

أقول : والظاهر جواز ذلك حينئذ عندنا أيضا إن قصد به التمرن على معرفة الحساب ، وأما الشطرنج فإنه وإن أفاد علم الفروسية لكن حرمته عندنا بالحديث ، لكثرة غوائله بإكباب صاحبه عليه ، فلا بقي نفعه بضرره كما نصوا عليه بخلاف ما ذكرنا تأمل ( قوله وحديث { حدثوا عن بني إسرائيل } ) تمامه " ولا حرج " أخرجه أبو داود وفي لفظ لأحمد بن منيع عن جابر " { حدثوا عن بني إسرائيل فإنه كان فيهم أعاجيب } " وأخرج النسائي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " { حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج وحدثوا عني ولا تكذبوا علي } " فقد فرق عليه الصلاة والسلام بين الحديث عنه والحديث عنهم ، كما نقله البيهقي عن الشافعي [ ص: 405 ] قوله بقصد الفرجة لا الحجة ) الفرجة مثلثة التفصي عن الهم والحجة بالضم البرهان قاموس ( قوله لكن بقصد ضرب الأمثال إلخ ) وذلك كمقامات الحريري ، فإن الظاهر أن الحكايات التي فيها عن الحارث بن همام والسروجي لا أصل لها ، وإنما أتى بها على هذا السياق العجيب لما لا يخفى على من يطالعها ، وهل يدخل في ذلك مثل قصة عنترة والملك الظاهر وغيرهما ، لكن هذا الذي ذكره إنما هو عن أصول الشافعية ، وأما عندنا فسيأتي في الفروع عن المجتبى أن القصص المكروه أن يحدث الناس بما ليس له أصل معروف من أحاديث الأولين أو يزيد أو ينقص ليزين به قصصه إلخ فهل يقال عندنا بجوازه إذا قصد به ضرب الأمثال ونحوها يحرر .

( قوله على ألسنة آدميين أو حيوانات ) أي أو جمادات كقولهم قال الحائط للوتد لم تخرقني قال سل من يدقني ( قوله ذكره ابن حجر ) أي المكي في شرحه على المنهاج .




الخدمات العلمية